غزا موضوع الانتخابات مواقع التواصل في المغرب بالتزامن مع الانطلاق الرسمي للحملة الانتخابية في أرض الواقع. وبينما يسابق المرشحون في هذه الأثناء الزمن لاستمالة أكبر عدد من الناخبين بكل السبل قبل العملية الانتخابية، غداً الجمعة، ساعدت التكنولوجيا على إحداث تغييرات في وسائل إيصال الأفكار والبرامج الانتخابية، وأنتجت بعض النماذج الجديدة، منها ما يساير العصر ومنها ما أثار سخرية البعض.
بين الماضي والحاضر
تعوّد الناخب المغربي مع كل انتخابات على أن يتلقى الوعود والبرامج الانتخابية في صيغتين: صيغة ورقية وأخرى مرئية. إذ كان المواطنون في كل انتخابات يتلقون أوراقاً انتخابية تضم البرامج، يتم إلقاؤها داخل البيوت أو في الشوارع، مع جولات للمتعاطفين الهاتفين. وكانت هذه أشهر الإعلانات (الإشهارات) عن أن الانتخابات قد بدأت في الثقافة المغربية. كما كانت التلفزيونات تمتلئ بالإعلانات، منها ما يدعو المواطنين إلى التصويت بكثافة، ومنها ما يكون موزعاً بين الأحزاب، فتكون هناك كبسولات إعلانية يظهر فيها ممثلون عن كل حزب ليشرح برنامجه الانتخابي. ويأتي ذلك بالتزامن مع شبكة من البرامج تغطي مسيرة الانتخابات يوماً بيوم وحزباً فحزب.
لكنّ التكنولوجيا غيّرت الكثير في الانتخابات المغربية، خصوصاً في الطريقة التي صار المرشحون يتواصلون بها مع الجمهور. وكانت مواقع التواصل الاجتماعي الوسيلة المثلى للوصول إلى الشريحة الأكبر. ويعتبر كل من "فيسبوك" و"يوتيوب" الوسيلتين الرئيستين لتواصل السياسيين المغاربة مع المواطنين.
وغزت الإعلانات المدفوعة الموقع الأزرق، حيث تظهر بين الحين والآخر على جدران المستخدمين صفحة لحزب أو مرشح، أو مقطع فيديو يشرح فيه الحزب رسالته وبرنامجه الانتخابي. وكذلك الشأن بالنسبة للإعلانات المدفوعة على المواقع الإخبارية الكبرى.
كما ظهرت تجليات التدخل التكنولوجي في الحياة الانتخابية على عدة مستويات، منها عملية البث المباشر للمؤتمرات الحزبية، وعلى رأسها مؤاتمرات حزب العدالة التنمية التي تعرف مشاهدة مهمة نظراً للتفاعل معها على "فيسبوك" ونشرها عبر الصفحات الرسمية لقياداتها.
وزاحمت المواقع الإلكترونية الإعلام التقليدي في تغطية الانتخابات، فزادت شحنة التأييد لحزب ومهاجمة الآخر بالنسبة للمواقع التابعة للأحزاب أو قيادييها. بينما غطت الانتخابات وتفاصيلها لحظة بلحظة باقي المواقع، وذلك بالتزامن مع شبكة من البرامج الخاصة التي تتابع كواليس الانتخابات على القنوات المغربية والإذاعات، لتتحول الانتخابات إلى الموضوع الرئيسي على مختلف المنصات الإعلامية، تقليدية كانت أو جديدة.
تفاعل الأحزاب في الصفحات
رصد الصحافي المغربي المتخصص في الصحافة الذكية، يوسف سعود، مدى تفاعل الأحزاب
وتابع سعود أن أربعة فقط من الأمناء العامين يمتلكون صفحات تتجاوز 200 ألف معجب، وهي صفحات حميد شباط، عن حزب الاستقلال، ورئيس الحكومة عبد الإله بنكيران عن العدالة والتنمية، ونبيل بنعبد الله عن التقدم والاشتراكية، وإلياس العماري عن الأصالة والمعاصرة.
وفي ما يخص مدى تفاعلية صفحات الأحزاب، خصوصاً تنويع المحتوى والتفاعل معه، جاءت صفحة العدالة التنمية الأكثر تفاعلية، تليها صفحة التقدم والاشتراكية، ثم الأصالة والمعاصرة. أما في ما يخص صفحات أمناء الأحزاب، فقد جاءت صفحة بنكيران الأكثر تفاعلاً، تليها صفحة إلياس العماري، ثم صفحة نبيل بنعبد الله، ثم حميد شباط.
جدل وسخرية
استخدم عدد من المرشحين للأحزاب المغربية الجدل كسلاح انتخابي على مواقع التواصل الاجتماعي. إذ التقطت صور لهم بطريقة أثارت النقاش تارة، والسخرية تارة أخرى. وكان سبباً رئيسياً للسخرية انتشار صور زعماء سياسيين وقادة أحزاب في لقطات مع الفقراء في الأسواق والقرى النائية.
وأثارت بعض الصور السخرية على مواقع التواصل، منها صورة الأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، الذي لطالما اعتبر ظاهرة في الإنترنت بسبب "خرجاته". وكانت آخرها أخذ صورة مع صاحب محل شعبي لبيع خبز المقلي "السفنج" المعروف في المغرب.
وجرّ الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة السخرية عليه حين غادر مؤتمراً صحافياً على دراجة نارية. وكان مصدر السخرية هو ما اعتبره الناشطون تقليداً حرفياً لحملة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، كما انتشرت بشكل واسع صور بنكيران وهو يبكي في أكثر من تجمع انتخابي وأثارت تعاليق حولها.
وفي السياق نفسه، لقيت صورة إعلانية لحملة الشيخ السلفي والمرشح عن حزب الاستقلال، أبو حفص، موجة سخرية مماثلة، وذلك بعدما عمد مصمم إلى نسخ صورة لباراك أوباما وحذف رأس الرئيس الأميركي ووضع وجه أبو حفص مكانه.
واختار ناشطون مغاربة من إعلاميين ومؤثرين ومواطنين سلاح السخرية للتعليق على الانتخابات الجارية. وكانت من بين أهم أوجهها تصميم لوائحهم الانتخابية الخاصة مع أسماء وشعارات لأحزاب وهمية، وعادة ما تكون بمثابة النسخة الساخرة من اللوائح والانتخابات الحقيقية. فظهرت لوائح ترشح إعلاميين للبرلمان عن حزب وهمي شعاره البطيخ، بينما اختار شباب إنشاء لائحة انتخابية مكوّنة من نجوم مسلسل "لعبة العروش"، أما مجموعة ثالثة فاجتمعت في لائحة حزب وهمي متخصص في موسيقى البلوز.
دموع بنكيران
استأثرت دموع رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، في مهرجانات وتجمعات خطابية متوالية ترأسها في شمال وجنوب البلاد، خلال أيام الحملة الانتخابية لاقتراع مجلس النواب، بكثير من الاهتمام السياسي والإعلامي في المغرب.
وظهر بنكيران وهو يجهش بالبكاء، أو يختنق بالدموع، في تجمعات خطابية حضرها لتأييد مرشحي حزبه في الانتخابات، سواء في المهرجان الخطابي بمدينة العرائش، أو مراكش، أو تارودانت، خصوصاً عندما يأتي على شكر الأفواج البشرية الكبيرة التي تحرص على حضور
وتوزع متابعون للشأن السياسي في المغرب حيال دموع بنكيران في الحملة الانتخابية إلى فريقين: الأول "تجاوب عاطفيًا مع لحظات انهيار رئيس الحكومة أمام الحشود الجماهيرية التي فاقت أحياناً 20 ألف مناصر في بعض المهرجانات، واعتبر أن دموعه صادقة نابعة من إدراكه حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، نظرًا لقربه الكبير من نبض الشارع".
أما الفريق الثاني المناهض لرئيس الحكومة، فقد شنّ حملة في مواقع التواصل الاجتماعي. كما اعتبرها محللون وباحثون "وسيلة لاستدرار عطف الناخبين، خصوصاً بعد أن بدأ يشعر بأن حزبه لم يعد مرغوباً فيه، وبأنه أدى دوره في 5 سنوات، ويتعيّن البحث عن بديل آخر".
حرب الأرقام
شرعت صفحات الأحزاب والمتعاطفين معها بعرض منجزاتها ووعودها، مقدمة سلسلة أرقام
ونشر استشاري التسويق وإطلاق المشاريع، محمد أعلابو، أرقاماً تلخص غالبية الوعود الانتخابية. وخلص فيها إلى تطابق البرامج من حيث رفع المؤشرات الماكرو اقتصادية من الناتج الداخلي الخام وتقليص عجز الميزانية والتضخم المالي. وأرجع ذلك إلى أنها لا تملك قرارها في الموضوع وأنه يعود في نهاية الأمر إلى توجيهات صندوق النقد الدولي.
وتابع أعلابو في تدوينة له على "فيسبوك"، أن كل الأحزاب تعد بتخفيض معدل البطالة إلى 8 في المئة والانتقال إلى الشطر الثاني من المخطط الأخضر، واعتماد الصناعة كقطاع مركزي في الاقتصاد المغربي. وهي، وفق أعلابو، أهداف وضعها تكنوقراطيو القصر في الحكومة منذ 2014. لذا فحسب أعلابو لا يهم فعلاً من يصعد إلى سدة الحكومة ما دامت البرامج في المواضيع الحساسة متطابقة.