مع احتدام الحملة الانتخابية البرلمانية في العراق، تتصاعد حدّة المخاوف من نتائجها على محافظة كركوك العراقية، والتي ستشهد الانتخابات الأولى من نوعها منذ عام 2005، في وقت تختلف فيه موازين القوى في المحافظة التي كانت تحت سيطرة الأكراد منذ عام 2003، واليوم هي بيد القوات العراقية ومليشيات "الحشد الشعبي".
وفي خضمّ هذا القلق على مستقبل المحافظة، ومع تشكيك الأكراد بنتائج هذه الانتخابات، وانسحاب الحزب الديمقراطي الكردستاني، حزب مسعود البارزاني من المشاركة فيها، وصف مسؤولون ومراقبون هذه الانتخابات بأنها "قنبلة موقوتة ستفجر الصراع السياسي في المحافظة من جديد".
وقال النائب عن التحالف الكردستاني، مثنى أمين، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الخريطة السياسية التى أفرزت في كركوك سابقاً، كانت فيها أغلبية للأكراد، في ظل وجود شراكة حقيقية في إدارة المحافظة"، مبيناً أنّ "الظروف الحالية اختلفت جذرياً، فالمحافظة تشهد تهميشاً وقمعاً ومضايقة للأكراد من قبل الجهات التي فرضت سيطرتها على المحافظة".
وأكد أن "هناك مخاوف كبيرة من نتائج الانتخابات في المحافظة، بسبب التلاعب والضغط والعسكرة في المحافظة، إذ إنّ سيطرة المليشيات عليها وقمع المكون الكردي واستبدال المحافظ الكردي، واتخاذ إجراءات كثيرة طاولت مديري الدوائر الأكراد، الذين تم عزلهم واستبدالهم بآخرين، تسبب بإحباط وتشويش لدى الجانب الكردي في المحافظة".
وأوضح أنّ "كل ذلك سيؤثر سلباً على نتائج الانتخابات، والتي ستتراجع فيه حظوظ الأكراد، خصوصاً مع انسحاب الحزب الديمقراطي الكردستاني من المشاركة بانتخابات المحافظة"، مشيراً إلى "عدم وجود ثقة بأن تكون هناك انتخابات نزيهة، وأن تقف الدولة فيها على الحياد". وشدّد على أنّ "الأجواء كلها غير مناسبة لإجراء الانتخابات في كركوك".
وتوقع أمين أن "تكون نتائج الانتخابات بداية لأزمات جديدة في المحافظة، لأنّ الحكومة غير جادة بمهنية الانتخابات، فهي لم تعد المحافظة إلى أوضاعها الطبيعية، ولم تعد قوات البشمركة الكردية للمساهمة باستتباب الأمن وتأمين وحماية المواطنين فيها، ولم توفر الأمان للمواطنين، ولم تبعد المليشيات عنها". وقال "كأكراد لا نريد الأزمات، بل نسعى للاستقرار وتحقيق الأمان في المحافظة، مع إعطاء الحقوق".
من جهته، قال مسؤول سياسي مطلع لـ"العربي الجديد"، إنّ "الانتخابات البرلمانية في كركوك تعدّ مكسباً كبيراً لبغداد، استطاعت تحقيقه بعد سنين من الجدل والخلاف بشأن إجراء الانتخابات في المحافظة"، مبيناً أنّ "الجانب الكردي أجبر على القبول بإجراء الانتخابات في المحافظة، بسبب ما جرّه عليه استفتاء الاستقلال".
وأكد أنّ "رئيس الحكومة حيدر العبادي، يخشى من أن تكون نتائج هذه الانتخابات في كركوك بداية لأزمات جديدة، قد تعيد الخلاف بقوة إلى المحافظة، ما دفعه لإطلاق وعود لقادة كردستان، بحسم الخلافات وتشكيل لجان مشتركة تعمل على تفكيها بعد الانتخابات".
وأوضح أنّ "الجميع متيقنون من أنّ أزمات بغداد وأربيل لا يمكن حلّها بهذه السهولة، لكن مجرد الاتفاق على تشكيل لجان لبحثها، هو بحدّ ذاته خطوة نحو الأمام في هذا الملف"، مبيناً أنّ "العبادي لا يريد خسارة الجانب الكردي، لكنه بذات الوقت لا يريد أن يخسر الشارع العربي الذي يدعمه في الانتخابات، لذا فقد لجأ الى إطلاق الوعود المؤجلة للأكراد". وأكد أنّ "الأكراد وعلى الرغم من الوعود، فإنهم يفقدون الثقة، لكنهم مجبرون على القبول بذلك، فلا حل أمامهم". وحذّر مراقبون من خطورة النتائج المترتبة على انتخابات كركوك، خصوصاً أنّ الأطراف الكردية غير راضية بالانتخابات قبل خوضها، ما يجعل منها قنبلة موقوتة، قد تفجّر الصراع من جديد بالمحافظة.
وقال الخبير السياسي، قاسم العميدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "سيطرة القوات العراقية ومليشيا الحشد الشعبي على المحافظة، في وقت منعت فيه البشمركة الكردية من دخولها، يجعل من نتائج الانتخابات غير مطمئنة للجانب الكردي"، مبيناً أنّ "انسحاب حزب البارزاني من المشاركة في انتخابات المحافظة، جاء بسبب قناعته يعدم جدوى الانتخابات". وأكد أنّ "الخلاف سيستعر ويتفجر حال إعلان نتائج الانتخابات، إذ أنّ الأكراد ستثور ثائرتهم، وسيشعرون بتهميش كبير، ما يخلق أزمة سياسية جديدة، بالتأكيد ستكون لها تداعيات واضحة على المحافظة".
في المقابل، أكد مرشحون عن تحالف رئيس الوزراء حيدر العبادي، أنّ "الانتخابات في كركوك لن تختلف عن بقية المحافظات الأخرى، وأنّها ستكون تحت رقابة أممية". وقال المرشح عن التحالف في كركوك، عماد البياتي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مخاوف الأكراد غير مبررة، وإن الانتخابات في المحافظة ستجري بحيادية وشفافية، وتحت إشراف الأمم المتحدة"، لافتاً إلى أنّ "الأكراد أدركوا ضعف موقفهم، وأنهم لن يحصلوا على الأصوات التي يريدونها، لذا لجأوا إلى إطلاق التصريحات والاتهامات غير المنطقية".
ويعدّ وضع محافظة كركوك وضعاً خاصاً، إذ إنّها لم تشهد انتخابات منذ عام 2005، بسبب التنازع والخلاف عليها بين بغداد وأربيل، فالعرب والتركمان رفضوا إجراء الانتخابات فيها بسبب سيطرة الأكراد عليها، لكن موازين القوى انقلبت عقب استفتاء كردستان في 25 سبتمبر/أيلول الماضي، والذي نتج عنه خروج قوات البشمركة الكردية وسيطرة القوات العراقية ومليشيات "الحشد" على المحافظة، واستبدال محافظها الكردي بآخر عربي. وتتنافس في كركوك عشرات القوائم العربية والكردية والتركمانية والمسيحية على 13 مقعداً برلمانياً للمحافظة.