تُعتبر الانتخابات التشريعية الهولندية، المقررة غداً الأربعاء، واحدة من انتخابات مفصلية تشهدها القارة الأوروبية هذا العام، إلى جانب ألمانيا وفرنسا، لجهة مقياس مدى تأثير وتقدّم اليمين القومي الشعبوي فيها. وتتنافس في الانتخابات غداً، أحزاب عدة، ومنها حزب "الشعب للحرية والديمقراطية" الليبرالي، الذي حصل في انتخابات 2012 على 41 مقعداً برلمانياً من أصل 150. أما حزب "الاجتماعي الديمقراطي"، يسار الوسط، فيملك 38 مقعداً برلمانياً. ويملك حزب "الحرية" اليميني المتطرف، بقيادة غيرت فيلدرز، 15 مقعداً. الحزب الاشتراكي، يملك أيضاً 15 مقعداً. حزب "النداء المسيحي"، يملك 13 مقعداً. وفي الانتخابات الحالية يتنافس 28 حزباً، لكنها لا تتمكن جميعاً من حجز مقاعد لها من بين 150 مقعداً برلمانياً، على الرغم من عدم وجود حاجز نسبة مئوية يتوجب تخطيها.
سبق أن حصل المرشح اليميني النمساوي، نوربرت هوفر، في الانتخابات الرئاسية في بلاده في 4 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على نسبة فاقت التوقعات بحوالي 47 في المائة، ما ترك انطباعاً بأن تقدّم اليمين المتشدد لم يعد مجرد توقّع. في إيطاليا أيضاً، وبالتزامن مع انتخابات النمسا، مني مؤيدو تعديلات دستورية لمنح صلاحيات أقل للأقاليم بخسارة أطاحت برئيس الوزراء المؤيد للاتحاد الأوروبي ماتيو رينزي.
تبدو هولندا في طور التشنج القائم في علاقاتها مع تركيا، وكأن هناك نفخاً في نار المشاعر القومية راح يستغله السياسي اليميني غيرت فيلدرز في صفوف مؤيديه. مساء السبت ونهار الأحد الماضيين، وقبل أيام من موعد التصويت، جعل فيلدرز من صفحته الرسمية على "تويتر" حيزاً لاستغلال توتر العلاقات بين تركيا وهولندا في مجال الانتخابات.
بدا هذا السياسي اليميني ذاهباً إلى أبعد الحدود في بث شعبوية الكراهية والتحريض على هولنديين من أصول مهاجرة، وهذه المرة استغل تحركات الجالية التركية في محيط قنصليات وسفارة بلدها ليتهمها ويحرض عليها باعتبارها "طابوراً خامساً". وكتب لمتابعيه الذين يفوقون 790 ألفاً: "يبدو أن لدينا في هولندا طابوراً خامساً، إن كان ولاؤك في مكان آخر اذهب إليه. لا للجنسية المزدوجة" (في إشارة إلى الأتراك الهولنديين). وطالب فيلدرز بـ"إغلاق الحدود".
وفي استغلال للمشاعر القومية لدى الهولنديين، في أزمة العلاقات بين البلدين، ذهب فيلدرز لإعادة نشر تغريدة لصحيفة موالية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الأحد، واصفة الأتراك في هولندا بأنهم "أكبر من جيش هولندا". ويقيم في البلاد حوالي 400 ألف شخص من أصل تركي، بينما جيش هولندا ليس أكثر من 48 ألفاً.
اقــرأ أيضاً
إعادة التغريد فتحت الباب أمام تعليقات غاية في الخطورة والشحن، وهو ما يلعب عليه فيلدرز الذي يعتمد كثيراً على منصات التواصل الاجتماعي للتفاعل مع مؤيديه وناخبيه أكثر من التواصل اليومي في الشارع، بفعل التهديدات الأمنية التي تطاوله منذ 12 سنة. فقد ذهب الأمر بالبعض إلى حدّ التهديد باستخدام سلاح الـ48 ألفاً (من الجيش الهولندي) بوجه الجالية التركية.
تبدو لعبة فيلدرز واضحة منذ ما قبل اندلاع الأزمة الجديدة بين الدولة الأوروبية وتركيا، مع توترات مستمرة بين الأخيرة وبعض دول القارة على خلفية سياسات داخلية وخارجية تصنف في خانة "العداء" من الطرفين. فهذا السياسي الهولندي يبني معظم مواقفه لجذب الأصوات على مسألة "وقف الهجرة" والعداء الصريح للإسلام. وفي الخامس من مارس/ آذار الحالي، اعتبر فيلدرز نفسه منتصراً حتى قبل بدء الانتخابات، فهو السياسي الهولندي الأول الذي اندفع إلى موقف عدائي جداً من تركيا، قبل أن تجد تلك السياسات صداها في التوتر الذي وصل إلى قمته بمنع هبوط طائرة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ومنع وزيرة شؤون الأسرة فاطمة بتول سيان كايا، من مخاطبة الجالية التركية وترحيلها، فجر الأحد، إلى ألمانيا.
ونسي فيلدرز أن رئيسة البرلمان، خديجة عريب، هي من أصول مغربية، وأن منافسه الانتخابي، رئيس حزب "الخضر" جيسي فراس كلافر، هو من أصول مغربية لجهة والده، و"إندو" (خليط إندونيسي ـ هولندي) لجهة والدته، كما أن عمدة بلدية روتردام، أكبر مرفأ في أوروبا، وثاني أكبر مدينة هولندية بعد العاصمة أمستردام، هو أحمد أبو طالب، من أصول مغربية.
فيلدرز، ووفقاً لصحيفة "صاندي إكسبرس" البريطانية في 5 الحالي، ذهب في الطريق نفسه الذي يعتمده معظم الشعبويين في انتقاد لاذع للإدارات الأوروبية القائمة ومنظومة الاتحاد الأوروبي. وفوق ذلك، اعتبر أن مهمته تكمن في "التصدّي لما سماه الحملات الرسمية للفاشية الإسلامية بالسماح للساسة الأتراك بأن يقوموا بتلك الحملات الانتخابية على الأراضي الهولندية". واتهم فيلدرز ساسة بلاده بـ"الضعف" حين لم تُمنع تلك الحملات.
يذهب مراقبون أوروبيون إلى حد القول إن "اندلاع الأزمة التركية الهولندية يأتي على خلفية محاولة الطبقة السياسية في البلاد الظهور بمظهر القوي بالانجرار خلف مواقف فيلدرز، وهو أمر يحمل الكثير من المخاطر التي جربت في دول أخرى"، وفقاً لما ذكره المتخصص في الشؤون الأوروبية في كوبنهاغن مورتن فيسترغوورد، لـ"العربي الجديد".
ويبدو أن خطاب فيلدرز يركز على رئيس الوزراء مارك روته، لجعله يبدو ضعيفاً أمام الناخبين المتجهين يميناً، وهو يأمل في أن تؤدي تكتيكاته ليصبح رئيس وزراء هولندا بالتركيز على أن السياسيين يجب أن يكونوا "أقوياء وليسوا ضعفاء أمام الفاشية الإسلامية. فلو كنت رئيساً للوزراء لما سمحت لرجب طيب أردوغان، الفاشي الإسلامي، بأن يقوم بحملته لتعديل الدستور على الأراضي الهولندية، ولكنت اعتبرت كل تشكيلته الحكومية أشخاصاً غير مرغوبين في هولندا". التعبير الأخير يبدو أنه وجد طريقه نحو التنفيذ قبل أيام من التصويت في تلك الانتخابات، وعليه يحذر كثيرون من أن "تذهب العلاقات التركية الهولندية في مهب رياح اليمين الشعبوي".
يبدو واضحاً أن مواقف فيلدرز في التأثير على الناخبين بدأت تقلق ساسة هولندا في يمين الوسط واليسار. الرجل لا يتردد في اعتبار الإسلام مشكلة هولندا الأولى، بل إن خلفية صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي تأخذ طابعاً عدائياً من الإسلام، باعتباره الخطر الحقيقي المحدق بهولندا وعموم القارة.
شأن هذا السياسي اليميني شأن بقية شعبويي أوروبا ويمينها المتشدد، مع بروز مواقفها في فرنسا وألمانيا واسكندنافيا، بخوض السياسة بناء على نبرة عالية من رفض مواطنة المهاجرين، والذهاب نحو قراءة تلك الأقليات المقيمة في البلدان الأوروبية كأحد أهم تهديد لـ"الهوية الأوروبية".
بتلك السياسات والمواقف، أصبح أقطاب اليمين الأكثر شهرة على الصعيدين المحلي والخارجي، فمن زعيمة "الجبهة الوطنية" في فرنسا مارين لوبان، إلى غيرت فيلدرز، مروراً بهوفر في النمسا، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ومعسكره، إلى بيا كييرسغورد وجيمي أوكسون في اسكندنافيا، يبدو الحبل السري الرابط بين تلك القوى أكثر وضوحاً من السابق. هؤلاء لا يترددون بإقامة أفضل العلاقات مع حكومات الشعوب المهاجرة، كما في محاولات التقرب من إيران، ودعم نظرية أن "الأنظمة المستبدة أفضل من يمكن أن يحكم هذه الشعوب"، كرغبة أخيرة في وقف ما يطلقون عليه "الزحف نحو أوروبا".
وكان فيلدرز قد كتب في 30 ديسمبر/ كانون الأول الماضي جملته الشهيرة لحملته الانتخابية لعام 2017 "لا للإسلام"، كما سبق له أن ذكر لصحيفة "غارديان" البريطانية في وقت سابق، أن "الإسلام ليس ديناً، إنه أيديولوجية لثقافة التخلف. لدي مشكلة مع التقاليد الإسلامية وثقافة الإسلام، وليس مع المسلمين".
رهان فيلدرز هو على تكرار تجربة إبريل/ نيسان 2012 بإسقاط حزبه، "الحرية"، لحكومة الأقلية آنذاك بعد دعم استمر سنتين في البرلمان. رهان سبق أن فشل، فحين خرج "الحرية" من جلسات التفاوض على ميزانية البلاد، جرت معاقبته من قبل الناخبين في انتخابات مايو/ أيار من العام نفسه بتراجعه 5 في المائة.
في المقابل، ثمة تغييرات كبيرة جرت على الساحة الأوروبية خلال الأعوام الماضية، يرى المتابعون أنها قد تصب في مصلحة اليمين الشعبوي. فأزمة اللاجئين التي استمرت منذ 2015، وعجز الاتحاد الأوروبي عن التصرف بشكل جماعي حيالها، وتصاعد التشكيك في الاتحاد، مع بروز أزمات أمنية، كالضربات في فرنسا وألمانيا وتحديات مشابهة في أكثر من دولة، والقضايا الاجتماعية الداخلية التي تعبّر عن نفسها في أزمات لقطاعات خدمية عدة في تلك الدول، كلها تبدو في مصلحة اليمين المتطرف في أكثر من دولة، بما فيها هولندا التي تسبق فرنسا وألمانيا والنرويج في الذهاب نحو انتخابات حاسمة في القارة الأوروبية، على ما يراها هؤلاء المتابعون بقلق في بروكسل وعواصم تخشى هذه المتغيرات التي قد تعصف بالمشروع الأوروبي كله.
الخبير في الشأن السياسي الانتخابي في يومية "هاندلزبلاديت" الهولندية توم يان مييوس، يذهب إلى الجزم بأن "فيلدرز قاد حزبه خلال 12 سنة من خلال حيوية ونشاط وإدمان على العمل بتفاصيل لم ينتبه إليها معارضوه في الساحة السياسية الهولندية. فهو سياسي صِدامي يذهب مباشرة نحو المواجهة، ما أكسبه شعبية عند أشخاص لم يصوتوا له سابقاً، وأيضاً لم ينتبهوا إلى أن الهولنديين باتوا يدعمون أكثر فأكثر ديمقراطيتهم التي يخشون عليها، وهو ما يستفيد منه فيلدرز".
ليس هناك اختلاف كبير بين المتابعين حول حيوية واستغلال اليمين الشعبوي للظروف المحيطة والموضوعية في دولهم الأوروبية، وتبنّي فوز دونالد ترامب في أميركا ليكون بوابة عبور لهم نحو السلطة. هؤلاء يجدون لزاماً أن يدخلوا في تحالفات بينية تكسبهم المزيد من الشعبية. علاقات فيلدرز ببقية اليمينيين الشعبويين ليست خفية، إذ تجمعه بزعيمة حزب "البديل لأجل ألمانيا" فراوكه بيتري، ومارين لوبان، روابط حزبية وسياسية وفكرية. ويعتبر اليمين المتطرف أن أي نجاح يحققه "حزب شقيق" هو بمثابة نجاح له في بلده، فكثيراً ما يعتمد هؤلاء على مؤثرات الدومينو في علاقاتهم مع الناخبين. وعليه باتت ترتفع أصوات كثيرة ترى في انتخاب ترامب في الولايات المتحدة مؤشراً على قوة اليمين في أوروبا، أمر يؤمن ويبشر به غيرت فيلدرز شخصياً.
سبق أن حصل المرشح اليميني النمساوي، نوربرت هوفر، في الانتخابات الرئاسية في بلاده في 4 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على نسبة فاقت التوقعات بحوالي 47 في المائة، ما ترك انطباعاً بأن تقدّم اليمين المتشدد لم يعد مجرد توقّع. في إيطاليا أيضاً، وبالتزامن مع انتخابات النمسا، مني مؤيدو تعديلات دستورية لمنح صلاحيات أقل للأقاليم بخسارة أطاحت برئيس الوزراء المؤيد للاتحاد الأوروبي ماتيو رينزي.
بدا هذا السياسي اليميني ذاهباً إلى أبعد الحدود في بث شعبوية الكراهية والتحريض على هولنديين من أصول مهاجرة، وهذه المرة استغل تحركات الجالية التركية في محيط قنصليات وسفارة بلدها ليتهمها ويحرض عليها باعتبارها "طابوراً خامساً". وكتب لمتابعيه الذين يفوقون 790 ألفاً: "يبدو أن لدينا في هولندا طابوراً خامساً، إن كان ولاؤك في مكان آخر اذهب إليه. لا للجنسية المزدوجة" (في إشارة إلى الأتراك الهولنديين). وطالب فيلدرز بـ"إغلاق الحدود".
وفي استغلال للمشاعر القومية لدى الهولنديين، في أزمة العلاقات بين البلدين، ذهب فيلدرز لإعادة نشر تغريدة لصحيفة موالية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الأحد، واصفة الأتراك في هولندا بأنهم "أكبر من جيش هولندا". ويقيم في البلاد حوالي 400 ألف شخص من أصل تركي، بينما جيش هولندا ليس أكثر من 48 ألفاً.
إعادة التغريد فتحت الباب أمام تعليقات غاية في الخطورة والشحن، وهو ما يلعب عليه فيلدرز الذي يعتمد كثيراً على منصات التواصل الاجتماعي للتفاعل مع مؤيديه وناخبيه أكثر من التواصل اليومي في الشارع، بفعل التهديدات الأمنية التي تطاوله منذ 12 سنة. فقد ذهب الأمر بالبعض إلى حدّ التهديد باستخدام سلاح الـ48 ألفاً (من الجيش الهولندي) بوجه الجالية التركية.
تبدو لعبة فيلدرز واضحة منذ ما قبل اندلاع الأزمة الجديدة بين الدولة الأوروبية وتركيا، مع توترات مستمرة بين الأخيرة وبعض دول القارة على خلفية سياسات داخلية وخارجية تصنف في خانة "العداء" من الطرفين. فهذا السياسي الهولندي يبني معظم مواقفه لجذب الأصوات على مسألة "وقف الهجرة" والعداء الصريح للإسلام. وفي الخامس من مارس/ آذار الحالي، اعتبر فيلدرز نفسه منتصراً حتى قبل بدء الانتخابات، فهو السياسي الهولندي الأول الذي اندفع إلى موقف عدائي جداً من تركيا، قبل أن تجد تلك السياسات صداها في التوتر الذي وصل إلى قمته بمنع هبوط طائرة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ومنع وزيرة شؤون الأسرة فاطمة بتول سيان كايا، من مخاطبة الجالية التركية وترحيلها، فجر الأحد، إلى ألمانيا.
ونسي فيلدرز أن رئيسة البرلمان، خديجة عريب، هي من أصول مغربية، وأن منافسه الانتخابي، رئيس حزب "الخضر" جيسي فراس كلافر، هو من أصول مغربية لجهة والده، و"إندو" (خليط إندونيسي ـ هولندي) لجهة والدته، كما أن عمدة بلدية روتردام، أكبر مرفأ في أوروبا، وثاني أكبر مدينة هولندية بعد العاصمة أمستردام، هو أحمد أبو طالب، من أصول مغربية.
يذهب مراقبون أوروبيون إلى حد القول إن "اندلاع الأزمة التركية الهولندية يأتي على خلفية محاولة الطبقة السياسية في البلاد الظهور بمظهر القوي بالانجرار خلف مواقف فيلدرز، وهو أمر يحمل الكثير من المخاطر التي جربت في دول أخرى"، وفقاً لما ذكره المتخصص في الشؤون الأوروبية في كوبنهاغن مورتن فيسترغوورد، لـ"العربي الجديد".
ويبدو أن خطاب فيلدرز يركز على رئيس الوزراء مارك روته، لجعله يبدو ضعيفاً أمام الناخبين المتجهين يميناً، وهو يأمل في أن تؤدي تكتيكاته ليصبح رئيس وزراء هولندا بالتركيز على أن السياسيين يجب أن يكونوا "أقوياء وليسوا ضعفاء أمام الفاشية الإسلامية. فلو كنت رئيساً للوزراء لما سمحت لرجب طيب أردوغان، الفاشي الإسلامي، بأن يقوم بحملته لتعديل الدستور على الأراضي الهولندية، ولكنت اعتبرت كل تشكيلته الحكومية أشخاصاً غير مرغوبين في هولندا". التعبير الأخير يبدو أنه وجد طريقه نحو التنفيذ قبل أيام من التصويت في تلك الانتخابات، وعليه يحذر كثيرون من أن "تذهب العلاقات التركية الهولندية في مهب رياح اليمين الشعبوي".
يبدو واضحاً أن مواقف فيلدرز في التأثير على الناخبين بدأت تقلق ساسة هولندا في يمين الوسط واليسار. الرجل لا يتردد في اعتبار الإسلام مشكلة هولندا الأولى، بل إن خلفية صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي تأخذ طابعاً عدائياً من الإسلام، باعتباره الخطر الحقيقي المحدق بهولندا وعموم القارة.
شأن هذا السياسي اليميني شأن بقية شعبويي أوروبا ويمينها المتشدد، مع بروز مواقفها في فرنسا وألمانيا واسكندنافيا، بخوض السياسة بناء على نبرة عالية من رفض مواطنة المهاجرين، والذهاب نحو قراءة تلك الأقليات المقيمة في البلدان الأوروبية كأحد أهم تهديد لـ"الهوية الأوروبية".
بتلك السياسات والمواقف، أصبح أقطاب اليمين الأكثر شهرة على الصعيدين المحلي والخارجي، فمن زعيمة "الجبهة الوطنية" في فرنسا مارين لوبان، إلى غيرت فيلدرز، مروراً بهوفر في النمسا، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ومعسكره، إلى بيا كييرسغورد وجيمي أوكسون في اسكندنافيا، يبدو الحبل السري الرابط بين تلك القوى أكثر وضوحاً من السابق. هؤلاء لا يترددون بإقامة أفضل العلاقات مع حكومات الشعوب المهاجرة، كما في محاولات التقرب من إيران، ودعم نظرية أن "الأنظمة المستبدة أفضل من يمكن أن يحكم هذه الشعوب"، كرغبة أخيرة في وقف ما يطلقون عليه "الزحف نحو أوروبا".
رهان فيلدرز هو على تكرار تجربة إبريل/ نيسان 2012 بإسقاط حزبه، "الحرية"، لحكومة الأقلية آنذاك بعد دعم استمر سنتين في البرلمان. رهان سبق أن فشل، فحين خرج "الحرية" من جلسات التفاوض على ميزانية البلاد، جرت معاقبته من قبل الناخبين في انتخابات مايو/ أيار من العام نفسه بتراجعه 5 في المائة.
في المقابل، ثمة تغييرات كبيرة جرت على الساحة الأوروبية خلال الأعوام الماضية، يرى المتابعون أنها قد تصب في مصلحة اليمين الشعبوي. فأزمة اللاجئين التي استمرت منذ 2015، وعجز الاتحاد الأوروبي عن التصرف بشكل جماعي حيالها، وتصاعد التشكيك في الاتحاد، مع بروز أزمات أمنية، كالضربات في فرنسا وألمانيا وتحديات مشابهة في أكثر من دولة، والقضايا الاجتماعية الداخلية التي تعبّر عن نفسها في أزمات لقطاعات خدمية عدة في تلك الدول، كلها تبدو في مصلحة اليمين المتطرف في أكثر من دولة، بما فيها هولندا التي تسبق فرنسا وألمانيا والنرويج في الذهاب نحو انتخابات حاسمة في القارة الأوروبية، على ما يراها هؤلاء المتابعون بقلق في بروكسل وعواصم تخشى هذه المتغيرات التي قد تعصف بالمشروع الأوروبي كله.
الخبير في الشأن السياسي الانتخابي في يومية "هاندلزبلاديت" الهولندية توم يان مييوس، يذهب إلى الجزم بأن "فيلدرز قاد حزبه خلال 12 سنة من خلال حيوية ونشاط وإدمان على العمل بتفاصيل لم ينتبه إليها معارضوه في الساحة السياسية الهولندية. فهو سياسي صِدامي يذهب مباشرة نحو المواجهة، ما أكسبه شعبية عند أشخاص لم يصوتوا له سابقاً، وأيضاً لم ينتبهوا إلى أن الهولنديين باتوا يدعمون أكثر فأكثر ديمقراطيتهم التي يخشون عليها، وهو ما يستفيد منه فيلدرز".
ليس هناك اختلاف كبير بين المتابعين حول حيوية واستغلال اليمين الشعبوي للظروف المحيطة والموضوعية في دولهم الأوروبية، وتبنّي فوز دونالد ترامب في أميركا ليكون بوابة عبور لهم نحو السلطة. هؤلاء يجدون لزاماً أن يدخلوا في تحالفات بينية تكسبهم المزيد من الشعبية. علاقات فيلدرز ببقية اليمينيين الشعبويين ليست خفية، إذ تجمعه بزعيمة حزب "البديل لأجل ألمانيا" فراوكه بيتري، ومارين لوبان، روابط حزبية وسياسية وفكرية. ويعتبر اليمين المتطرف أن أي نجاح يحققه "حزب شقيق" هو بمثابة نجاح له في بلده، فكثيراً ما يعتمد هؤلاء على مؤثرات الدومينو في علاقاتهم مع الناخبين. وعليه باتت ترتفع أصوات كثيرة ترى في انتخاب ترامب في الولايات المتحدة مؤشراً على قوة اليمين في أوروبا، أمر يؤمن ويبشر به غيرت فيلدرز شخصياً.