يشكل الموقف الشعبي الأردني الرافض للتطبيع الاقتصادي مع الاحتلال الإسرائيلي رغم الارتباط على المستوى الرسمي بين الجانبين باتفاقية سلام مع عمّان منذ عام 1995، حالة قلق دائمة للكيان الصهيوني الذي لم تفلح كافة جهوده بإقامة علاقات اقتصادية طبيعية، رغم مرور كل هذه السنوات من التطبيع الرسمي.
وكشفت أرقام رسمية أردنية عن تواضع حجم التجارة بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2014 وحتى الآن بما لا يتجاوز 100 مليون دولار خلال نحو 5 سنوات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن جانبا من التجارة طرفه الآخر المقابل للأردن عرب من أراضي 48 أو من داخل المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفقا لبيانات رسمية اطلعت عليها "العربي الجديد" فقد بلغت قيمة واردات الأردن من إسرائيل 8.3 ملايين دولار خلال الثمانية شهور الأولى من العام الحالي 2019، متراجعة بنسبة 12.9% مقارنة بنفس الفترة من عام 2018 إذ بلغت نحو 9.5 ملايين دولار، في حين زادت صادرات الأردن لإسرائيل إلى حوالي 45.4 مليون دولار خلال الشهور الثمانية الأولى من العام الجاري، مقارنة بـ44.3 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي.
وقال رئيس لجنة مقاومة التطبيع السابق، مناف مجلي، لـ"العربي الجديد" إن التطبيع بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي انحسر إلى أضيق الحدود خلال السنوات الخمس الماضية، وهذا مرده إلى تفاعل الشارع الأردني ومؤسسات المجتمع المدني مع حملات المقاطعة للاحتلال وعدم إقامة أي علاقات اقتصادية وغيرها معه.
وأضاف أن حجم التجارة بين الطرفين بلغ في بعض السنوات مبالغ كبيرة ونشأت استثمارات إسرائيلية في شمال الأردن أو ما يعرف بالمناطق الصناعية المؤهلة، وبلغت صادراتها أكثر من مليار دولار إلى الولايات المتحدة لكن نتيجة للرفض الشعبي لاستمرارها فقد غادر بعضها إلى بلدان أخرى ومنها من أغلق أبوابه.
وتابع مجلي: لم نعد نشهد في الأسواق الأردنية منتجات من الكيان المحتل بخاصة الخضر والفواكه وربما يستورد صنف أو اثنان منها فقط علما بأنها انتشرت بقوة في بعض السنوات وتم التصدي لها من خلال حملات المقاطعة وتوعية وإرشاد المواطنين لمعرفة تلك المنتجات وأثرها في دعم اقتصاد الكيان الصهيوني.
وبين أن غالبية الواردات من الاحتلال وإن كانت متواضعة فهي عبارة عن أعلاف للمواشي ومواد زراعية وغيرها.
وقال إن مقاطعة إسرائيل شعبيا في الأردن لم تقتصر على الجانب الاقتصادي فقد تعدتها إلى كافة المجالات كالثقافة والرياضة والمؤتمرات فكثير من الأردنيين رفض المشاركة في فعاليات دولية لوجود إسرائيليين فيها.
وتطرق إلى وجود حالات تطبيع قائمة حالياً ويجري العمل على مواجهتها، ومنها عمل عدد من الأردنيين في منطقة إيلات الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي ووجود شراكات إسرائيلية قليلة في استثمارات داخل البلاد.
ويعتقد مجلي أن عمليات التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي وإن كانت محدودة إلا أنها ستشهد مزيدا من التراجع في ضوء توتر العلاقات بين الجانبين في الآونة الأخيرة واعتراض الأردن على ممارسات الاحتلال واعتداءاته المتكررة بحق الشعب الفلسطيني.
العلاقات في أسوأ حالاتها
وقال العاهل الأردني الملك، عبد الله الثاني، الأسبوع الماضي إن "العلاقات الأردنية الإسرائيلية في أسوأ حالاتها الآن، ويرجع جزء من الأسباب إلى قضايا داخلية في إسرائيل وذلك خلال مشاركته في جلسة حوارية نظمها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى".
وكانت لجنة مقاومة التطبيع الأردنية قد أعدت قوائم سوداء للأردنيين المتعاملين مع الكيان المحتل سواء من الأفراد أو الشركات ما شكل ضغطا كبيرا عليهم لوقف تعاملاتهم التجارية مع إسرائيل.
وكان وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني، طارق الحموري، قال في تصريحات صحافية مؤخرا، إن حجم واردات الأردن من السلع المصنعة داخل إسرائيل بلغت حوالي 14 مليون دولار العام الماضي، فيما بلغت صادرات الجانب الأردني إليها نحو 65 مليون دولار.
وفي جانب مقاومة التطبيع الاقتصادي مع الاحتلال، تتواصل الفعاليات الرافضة لاتفاقية الغاز الموقعة بين الأردن وإسرائيل إذ نظمت حملة إسقاط الاتفاقية وقفة احتجاجية الخميس الماضي، أمام رئاسة الوزراء، قالت إنها الفعالية الأخيرة قبل اللجوء إلى خطوات أخرى تصعيدية لم تكشف عنها.
وكانت الحملة رفعت دعاوى ضد الحكومة أمام المحاكم الأردنية المختصة لمطالبتها بإلغاء الاتفاقية وعدم شراء الغاز الفلسطيني المنهوب من قبل إسرائيل، فيما رفض مجلس النواب بأغلبية أعضائه الاتفاقية وطالب بإسقاطها.
وقال عضو لجنة الطاقة في البرلمان الأردني، موسى هنطش، لـ"العربي الجديد إن "شراء الغاز المنهوب من قبل الاحتلال يعتبر من أكبر الأعمال التطبيعية مع الكيان الصهيوني ويدعم قدراته الاقتصادية التي يوجهها ضد العرب والفلسطينيين وواجب على الحكومة الالتزام بقرارات مجلس النواب حيال الاتفاقية وعدم إتمامها كما أن الشارع الأردني برمته يضغط لإسقاطها".
وأضاف: "لقد أثبتت السنوات التي أعقبت توقيع اتفاقية السلام أن عدم التطبيع مع الاحتلال حقق نتائج كبيرة جعلته يعيش في عزلة على مستوى المنطقة، مشيرا إلى أن إسرائيل تسعى على كافة الصعد لإقامة علاقات اقتصادية طبيعية مع العالم العربي وهذا لن يحدث".
وقال هنطش إن الحجج التي تبديها الحكومة بشأن صعوبة إلغاء اتفاقية الغاز غير منطقية وخاصة الشق الجزائي، ذلك أن مثل هذه الاتفاقية تحتاج إلى موافقة مجلس النواب وقد رفضها مرتين.
ونبه إلى خطورة إكمال مشروع مد أنبوب الغاز الذي يجري في شمال الأردن وخاصة أن البلاد وصلت إلى مرحلة آمنة في مسألة التزود بالطاقة.
عرقلة اتفاقية الغاز
وقال النائب من كتلة الإصلاح داخل مجلس النواب والمحسوبة على التيار الإسلامي، صالح العرموطي، إنه من المستبعد أن تدخل اتفاقية الغاز مع الاحتلال الإسرائيلي حيز التنفيذ خلال الأسابيع الخمسة المقبلة، وخاصة أن العديد من الشروط الواجب توافرها بالاتفاقية لا يمكن أن تتحقق خلال هذه المدة القصيرة.
وأعرب عن أمله في تنفيذ الحكومة لقرارات النواب حاليا، وبالتالي إلغاء الاتفاقية قبل موعد دخولها حيز التنفيذ، مشيرا إلى وجود مذكرة خطية في مجلس النواب لمناقشة الاتفاقية ومن المتوقع أن تعرض خلال الدورة الحالية.
وقال العرموطي إن المادة 33 من الدستور تستوجب حصول الحكومة على موافقة المجلس لإتمام الاتفاقية كونها تحمل أعباء مالية على خزينة الدولة.
ومن جانبه، دعا رئيس المرصد العمالي الأردني، أحمد عوض، في تصريح لـ"العربي الجديد" الشركات الأردنية وخاصة العاملة في مجالات الصناعة والسياحة والبنوك لتوفير فرص شغل للأردنيين العاملين في منطقة إيلات بهدف تقليص التطبيع وإكمال عقد حلقات مقاومته.
وفي سياق متصل، عارضت مؤسسات المجتمع المدني من نقابات وأحزاب وجمعيات بالاضافة إلى مجلس النواب مشروع ناقل البحرين والذي يربط بين البحرين الأحمر والميت بمشاركة الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية حيث ما زال المشروع متعثرا حتى الآن.
وفي هذا الإطار، قال الخبير الاقتصادي، حسام عايش، لـ"العربي الجديد" إن مقاطعة إسرائيل اقتصاديا من أهم الأسلحة لرفض الاحتلال والاعتداءات المتكررة بحق الفلسطينيين.
ويشير إلى أن الاحتلال يبذل محاولات كثيرة بالظاهر والعلن لإقامة علاقات اقتصادية ليس مع الأردن فقط، بل مع مختلف الدول العربية، ونأمل ألا ترضخ بعض البلدان لأي ضغوطات.
وأضاف عايش أنه يجب توسيع دائرة المقاطعة للاحتلال لتشمل كافة البلاد العربية، مؤكدا على أهمية مقاطعة الشركات الدولية المتعاملة مع إسرائيل لزيادة الضغط عليها من أجل تقليص أعمالها مع الاحتلال.