06 نوفمبر 2024
انقسامات إدارة ترامب
الأزمة الخليجية الراهنة، في جوهرها، ذات منشأ إقليمي، وأسبابها تعتمل تحت الرماد، منذ سنوات، إلا أن وصول الرئيس، دونالد ترامب، إلى السلطة في الولايات المتحدة، وزيارته المنطقة، كانت بمثابة الفتيل الذي أدى إلى تفجّرها. وحيث أن العامل الأميركي يمثل المتغير الرئيس الذي أيقظ "الفتنة النائمة"، فمن الطبيعي إذًا أن يتم البحث عن وسائل إطفائها في واشنطن. لا يقلل هذا من أهمية الوساطة الكويتية، لكنها وساطة لن تنجح من دون التعامل مع محرّك الأزمة والفاعل الرئيس فيها. من هنا، الزيارة التي يقوم بها لواشنطن حالياً وزير الدولة الكويتي لشؤون مجلس الوزراء، محمد العبدالله الصباح. فما الذي يجده الناظر في واشنطن اليوم؟ يجد دخان انقسام سميك حول الأزمة الخليجية داخل إدارة ترامب، يكاد يحجب ما خلفه، لا بل يطغى هذا الانقسام أحياناً ليغدو موضوع البحث الرئيس، بدلاً من الأزمة نفسها، ويذهب بعضنا إلى المبالغة في قراءة أهميته إلى درجة القول إن مواقف ترامب غير مهمة، "لأن أميركا دولة مؤسسات"، ويغيب عنا أنه للسبب ذاته، أي "لأن أميركا دولة مؤسسات"، فإن الانقسام والاختلاف فيها هو الحالة الطبيعية، والتماهي والانسجام بين أجنحة السلطة هو الاستثناء. الدستور الأميركي نفسه يحرص على توازن السلطات من خلال نظام (Checks and Balances)، حتى لا يطغى جناحٌ على آخر في الحكومة (بمعناها الواسع).
ومثلما هو الحال بشأن بقية السياسات، هناك تنوّع في الآراء داخل فريق صنع السياستين، الخارجية والأمنية. لكن من المهم أن نلاحظ هنا أن الترجمة العربية لا تفيد في شرح علاقة الرئيس بفريقه، فما يجري ترجمته إلى العربية على أنه "وزير"، يعني حرفياً بالإنكليزية سكرتيراً (Secretary). هنا يغدو كل من نسميهم بالعربية وزراء، بمن فيهم وزيرا الخارجية والدفاع، مجرد سكرتاريا للرئيس، ومن ثم فإن مهامهم الفعلية مساعدة الرئيس وتنفيذ أوامره. يستتبع من ذلك القول، إن من المضلل الحديث عن صراع بين الرئيس ووزرائه، فالصراع يحدث بين أنداد (المساعدين في هذه الحالة) لا بين الرئيس ومساعديه. من هنا، ينبغي، على أهميتها، عدم قراءة كثير في الاختلافات في الرؤى والتصريحات بين الرئيس ووزرائه.
وإذا كانت صلاحيات الرئيس مقيّدة في مجال صنع السياسات الداخلية بوجود الكونغرس، الذي يمارس سلطاته من خلال سيطرته على المال العام، فضلاً عن الصلاحيات الواسعة لحكام الولايات وبرلماناتها، إلا أن الرئيس صاحب الكلمة الأخيرة في السياستين الخارجية والأمنية، لا ينازعه في ذلك منازع. ولنأخذ أمثلة من سياسات ترامب، ونحاول من خلالها تكوين فهم لطريقة عمل هذا الرجل وتفكيره، فعلى الرغم من معارضة ابنته التي يقال، إن لها تأثيراً كبيراً عليه، وكان عينّها بوظيفة مساعد له، وعلى الرغم من معارضة وزير الخارجية، إلا أن ترامب أصر على الانسحاب من اتفاقية باريس للتغير المناخي. وفي مثال آخر، رفض ترامب، على الرغم من إصرار وزارتي الخارجية والدفاع، الالتزام بالمادة الخامسة من ميثاق حلف الأطلسي، عندما حذف الفقرة الخاصة بالتزام واشنطن الدفاع عن حلفائها من خطابه أمام زعماء الحلف الشهر الماضي. وفي مثال أخير، ما زال ترامب يحارب لتمرير قانون سنّه يوم تنصيبه بمنع مواطني ست دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة، على الرغم من الموقف الرافض للقضاء وأجهزة وزارة العدل.
عامل أخير ينبغي الانتباه إليه، ولم يعرف عن وجوده في إدارات سابقة، هو أن ترامب يستمتع، لا بل يغذّي، الانقسامات في إدارته، لأن ذلك يساعده في تنفيذ استراتيجيته المفضلة، وهي إيجاد حالة من الغموض وعدم اليقين بشأن نياته ومواقفه وسياساته، حتى أن أحداً، بما في ذلك أقرب مساعديه، يفتقد القدرة على التنبؤ بتصرفاته وسلوكه. من هنا، يُحدث وجود هذا الرجل، في مثل هذا المنصب، حالةً من التوتر على مستوى النخب في واشنطن، وعلى مستوى العالم، ولا يبدو التوتر أكثر وضوحاً منه في ألمانيا. من هنا، ينبغي العمل على بناء استراتيجية عالمية لمواجهة ترامب واحتواء خطره، تضم أطرافاً من داخل الولايات المتحدة وخارجها، بدلاً من الانهماك في تحليل الانقسامات داخل إدارته، فهذه الانقسامات قد يفيد التركيز عليها لأسباب أكاديمية وبحثية خالصة، إنما ليس لوضع استراتيجية للمواجهة.
ومثلما هو الحال بشأن بقية السياسات، هناك تنوّع في الآراء داخل فريق صنع السياستين، الخارجية والأمنية. لكن من المهم أن نلاحظ هنا أن الترجمة العربية لا تفيد في شرح علاقة الرئيس بفريقه، فما يجري ترجمته إلى العربية على أنه "وزير"، يعني حرفياً بالإنكليزية سكرتيراً (Secretary). هنا يغدو كل من نسميهم بالعربية وزراء، بمن فيهم وزيرا الخارجية والدفاع، مجرد سكرتاريا للرئيس، ومن ثم فإن مهامهم الفعلية مساعدة الرئيس وتنفيذ أوامره. يستتبع من ذلك القول، إن من المضلل الحديث عن صراع بين الرئيس ووزرائه، فالصراع يحدث بين أنداد (المساعدين في هذه الحالة) لا بين الرئيس ومساعديه. من هنا، ينبغي، على أهميتها، عدم قراءة كثير في الاختلافات في الرؤى والتصريحات بين الرئيس ووزرائه.
وإذا كانت صلاحيات الرئيس مقيّدة في مجال صنع السياسات الداخلية بوجود الكونغرس، الذي يمارس سلطاته من خلال سيطرته على المال العام، فضلاً عن الصلاحيات الواسعة لحكام الولايات وبرلماناتها، إلا أن الرئيس صاحب الكلمة الأخيرة في السياستين الخارجية والأمنية، لا ينازعه في ذلك منازع. ولنأخذ أمثلة من سياسات ترامب، ونحاول من خلالها تكوين فهم لطريقة عمل هذا الرجل وتفكيره، فعلى الرغم من معارضة ابنته التي يقال، إن لها تأثيراً كبيراً عليه، وكان عينّها بوظيفة مساعد له، وعلى الرغم من معارضة وزير الخارجية، إلا أن ترامب أصر على الانسحاب من اتفاقية باريس للتغير المناخي. وفي مثال آخر، رفض ترامب، على الرغم من إصرار وزارتي الخارجية والدفاع، الالتزام بالمادة الخامسة من ميثاق حلف الأطلسي، عندما حذف الفقرة الخاصة بالتزام واشنطن الدفاع عن حلفائها من خطابه أمام زعماء الحلف الشهر الماضي. وفي مثال أخير، ما زال ترامب يحارب لتمرير قانون سنّه يوم تنصيبه بمنع مواطني ست دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة، على الرغم من الموقف الرافض للقضاء وأجهزة وزارة العدل.
عامل أخير ينبغي الانتباه إليه، ولم يعرف عن وجوده في إدارات سابقة، هو أن ترامب يستمتع، لا بل يغذّي، الانقسامات في إدارته، لأن ذلك يساعده في تنفيذ استراتيجيته المفضلة، وهي إيجاد حالة من الغموض وعدم اليقين بشأن نياته ومواقفه وسياساته، حتى أن أحداً، بما في ذلك أقرب مساعديه، يفتقد القدرة على التنبؤ بتصرفاته وسلوكه. من هنا، يُحدث وجود هذا الرجل، في مثل هذا المنصب، حالةً من التوتر على مستوى النخب في واشنطن، وعلى مستوى العالم، ولا يبدو التوتر أكثر وضوحاً منه في ألمانيا. من هنا، ينبغي العمل على بناء استراتيجية عالمية لمواجهة ترامب واحتواء خطره، تضم أطرافاً من داخل الولايات المتحدة وخارجها، بدلاً من الانهماك في تحليل الانقسامات داخل إدارته، فهذه الانقسامات قد يفيد التركيز عليها لأسباب أكاديمية وبحثية خالصة، إنما ليس لوضع استراتيجية للمواجهة.