وقد سبق أن أعلن أوباما عن دعمه لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي المطروح أمام المواطنين البريطانيين للتصويت عليه بنعم أو كلا من خلال الاستفتاء المقرّر في يونيو/ حزيران المقبل. ويتطابق موقف الرئيس الأميركي من عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي مع تحذيرات أطلقها ثمانية وزراء خزانة أميركيون سابقون في رسالة مفتوحة، اعتبروا فيها أن خروج بريطانيا من الاتحاد سيكون "رهاناً محفوفاً بالمخاطر"، وأنّ "بريطانيا قوية ضمن الاتحاد الأوروبي، وهو السبيل الأفضل لضمان مستقبل بريطانيا عبر إنشاء أوروبا أكثر ازدهاراً، وعبر حماية اقتصاد عالمي قوي وفي وضع جيد".
وربما شجعت هذه الدعوة المعسكر المؤيد لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على رفض تصريحات أوباما، إذ اتهم عمدة لندن، بوريس جونسون، الرئيس الأميركي بـ"النفاق" بسبب دعمه أنصار بقاء بريطانيا عضواً في الاتحاد الأوروبي. كما وصف زعيم حزب "الاستقلال" البريطاني، نايجل فاراج، أوباما بـ"أكثر رئيس أميركي معادٍ لبريطانيا". كذلك وقّع أكثر من 100 نائب معارض لأوروبا رسالة تدعو الرئيس الأميركي إلى عدم التدخل في النقاشات حول الاستفتاء.
في المقابل، دافع وزير الخارجية البريطاني السابق، اللورد وليام هيغ، عمّا سمّاه "حق" الرئيس الأميركي في دعم معسكر بقاء بريطانيا في الاتحاد، لما في ذلك من مصلحة للولايات المتحدة. وكتب هيغ في صحيفة الـ"ديلي تليغراف"، أخيراً، أنّ "للرئيس الأميركي الحق لشرح ما هو في مصلحة الولايات المتحدة. ولأنّ الأخيرة هي حليفتنا التي لا غنى عنها، وأكبر شريك تجاري لنا، والضامن النهائي لأمننا، فإن مصالحها مسألة تهم الجميع في بريطانيا سواء أحببنا ذلك أم لا". ويضيف هيغ أنّ "تصريحاته (أوباما) تعكس تحليل كل مستشار سياسي أجنبي لهذه الإدارة، وهو ما يعني أنه من صالح الولايات المتحدة بشكل لا لبس فيه أن تبقى بريطانيا في الاتحاد الأوروبي".
ويؤكد مختصون في العلاقات الدولية أنّ الولايات المتحدة اعتمدت في إدارتها للنظام العالمي على وجود تحالف قوي على ضفّتَي الأطلسي، مدعوماً بركيزتَين أساسيّتَين، هما حلف شمال الأطلسي "الناتو"، والاتحاد الأوروبي. وعلى ضوء ذلك، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمثّل تهديداً مباشراً لركيزة أساسية في علاقات الولايات المتحدة بأوروبا. فالولايات المتحدة تعوّل كثيراً على دور بريطانيا ومكانتها داخل المنظومة الأوروبية، وبالتالي، فإنّها لا تنظر إليها كشريك فقط ولكن كدولة صديقة يمكن الاعتماد عليها لدعم مواقف تتفق مع المصالح الأميركية في العاصمة البلجيكية بروكسل. فهي ترى أن دور بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي أهم بالنسبة لها من دورها خارجه، وهو ما يعني أن خروج بريطانيا يمثل تراجعاً لهذا الدور الهام، ما يؤثر سلباً على العلاقات البريطانية ـ الأميركية. وهذا ما أكده وزير الخارجية الأميركي جون كيري، خلال مؤتمر الأمن في ميونيخ، في فبراير/ شباط الماضي، قائلاً إنّ "من مصلحة الولايات المتحدة أن يصوّت البريطانيون لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء المقبل".
كما يرى الأميركيون في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تراجعاً لمكانة الأخير على الساحة العالمية، نظراً إلى الثقل السياسي والاقتصادي والعسكري لبريطانيا داخل القارة الأوروبية، فضلاً عن أنه قد يفتح المجال لانسحابات جديدة من عضوية الاتحاد. وهو الأمر الذي يؤثر سلباً على المصالح الأميركية، وتوازن المجتمع الدولي، خصوصاً خلال تلك المرحلة الحرجة التي يواجه فيها الغرب تهديدات اقتصادية وأمنية جديدة، لا تقتصر على روسيا، ولا تنتهي عند الصين.
وتتضح أهمية "الأطلسي" والاتحاد الأوروبي بالنسبة للولايات المتحدة، بشكل واضح، في النسخة المعدلة لاستراتيجية قيادة القوات الأميركية في أوروبا التي نُشرت في يناير/ كانون الثاني الماضي. وتركّز الاستراتيجية على ردع "روسيا الانتقامية" والتعامل مع قضيتَي الهجرة والإرهاب. وتضمنت الاستراتيجية المعدلة 6 أولويات للقوات الأميركية على المسرح الأوروبي، بالإضافة إلى الأهداف التي يجب إحرازها على تلك الاتجاهات في غضون ثلاث إلى خمس سنوات. ومن بين هذه الأولويات: ردع العدوان الروسي، وتفعيل علاقات التحالف في "الأطلسي"، والحفاظ على علاقات الشراكة الاستراتيجية التي تربط الولايات المتحدة مع الحلفاء، والتصدي للمخاطر العابرة للقارات. وجاء في الوثيقة، أن الوضع الأمني في أوروبا تغيّر جذرياً خلال السنوات الأخيرة الماضية.
وفي هذا السياق، تحدثت القيادة الأوروبية في الجيش الأميركي عن مخاطر تهدد القارة الأوروبية من 3 اتجاهات: الشمال، والشرق، والجنوب. وتعتبر قيادة القوات الأميركية في أوروبا أنّ روسيا هي السبب الرئيسي وراء القلق المتعلق بالوضع على الاتجاهين الشمالي والشرقي، وذلك بسبب "تصرفاتها العدوانية" في شمال أوروبا وعسكرة القطب الشمالي. وعلى الاتجاه الجنوبي، تواجه أوروبا، بحسب الوثيقة، خطر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).