وإذا كان هناك من قواسم مشتركة فهي من فرط عشوائيتها، لم تتوضح بعد، وإن كان من الجليّ، رغم أنهم يتمايزون أدبياً، يتشارك الموهوبون منهم الهدف نفسه، وهو ترجمة رواياتهم إلى اللغات الأجنبية، فهم يكتبون للآخر، وهو أمر مشروع، فتشييد الجسور مدخل إلى الفهم والتفاهم، ويشتركون أيضاً في إلغاء غيرهم، أي الآخر الذي هو مثيلهم.
يتبدّى اتفاقهم في الاستخفاف بالقضايا الكبرى، وإهمال البناء الروائي، وعدم العناية باللغة؛ وهذا شأنهم.
من هذا المنظار، تبدو الرواية التي تمثلهم، رواية محدودة بمكانها الضيق وزمانها المفلوش، مهما نفخ فيهما الخيال، الأمر الذي أنتج رواية لا تعني غير الذين يكتبونها، وصحافة تروّج لأي جديد.
كان من الأفضل مكافأة الروائيين الجدد بعدم استثناء تجاربهم من النقد الحقيقي، وتقييّمها بقدر ما تضيفه من اتساع إلى رواية ما زال في طور البزوغ، وهو ليس ساراً إلا من ناحية الكم لا النوع.
نحن نعاصر مرحلة بائسة، يسيطر عليها إعلام قد يوصل الكثيرين إلى الشهرة، وهي مؤقتة، بقدر ما هي ضارة. ولا يمكن الوثوق بلجان التحكيم، فنحن لا ندري هل تقرأ؟ وكيف تقرأ؟ وجرائد يومية، لا تزيد الثقافة فيها عن صفحات بلا زبائن، فتسعى لتحويلها إلى صفحات منوعات مثيرة، وقنوات تلفزيونية، لا تميز الجيد من الرخيص، فالبث على مدار 24 ساعة لا يرحم، يُحتم جذب جمهور يجد في مسابقات الأغاني والمسلسلات التافهة تسلية هادفة، تضمن قتل الوقت والعقل معاً.
المجد الحقيقي، أن يكتب روائيونا الشبّاب روايات جيدة. المؤسف أن غياب الرؤية لديهم أمر يفتخرون به، تحت زعم رفض الايديولوجية، مع أنها منظومة من الأفكار، لا يشترط أن تكون سياسية، قد تجيّر لأية ثنائية، كالخير والشر، والحق والباطل، والعدالة والظلم، حسب رأيهم باتت تمت الى عصر مضى يجهلونه، مع أنهم يعانون من الشر والباطل والظلم. ولم يتعلموا بعد، أنه من المكابرة الادعاء أن لديهم القدرة على الكتابة من فراغ.
الرواية في أحد وجوهها، البحث عن المعنى، واللامبالاة تسهم في تبديده تحت زعم أن "المضمون" على عداء مع الفن الطليق. ما يُتداول عن الرواية ويروّج عن عالميتها، لا يُكتسب بعيداً عن محليتها، فهي تفتقر الى وطن وبشر. لن يكون المنجز الروائي العربي جزءاً من نسيج الرواية في العالم، إلا بإثبات مقدرتنا على الكتابة عن أنفسنا، ليتعرف الآخر علينا. هذا هو الجسر الحقيقي الى العالم.