بعد سيرته التي أعدّها للرئيس التشيلي السابق سلفادور أييندي وصدرت عام 2013، يعود المؤرخ والصحافي الإسباني ماريو أموروس (1973) بسيرة لأبرز شعراء أميركا اللاتينية في زمنه، والذي رحل أو قتل في 23 أيلول/ سبتمبر 1973.
بدأت القصة تأخذ منحى جدياً عام 2013، عندما فُتح قبر بابلو نيرودا في جزيرة نيغرا التشيلية، بطلب من القاضي الذي أنفق سنوات مع القضية بعدما تقدّم الحزب الشيوعي التشيلي بدعوى في هذا الشأن.
في كتابه "نيرودا أمير الشعراء" ("منشورات ب"، 2015) ، يعمق أموروس النقاش الدائر حول وفاة صاحب "النشيد الشامل" (1950). نقاش أذكاه صدور الكتاب، وتبعته تصريحات من الحكومة التشيلية بأن "من المحتمل جداً" أن الشاعر لم يمت بسبب السرطان وإنما قُتل، إذ وعدت المحكمة التشيلية المختصّة باستصدار حكم خلال 2016 استناداً إلى نتائج مقدّمة من خبراء كُلّفوا بفحص رفات الشاعر، الذي يعتقد بأن سبب موته الحقيقي كان حقنة في البطن، إبان علاجه في مستشفى خلال فترة الانقلاب الذي قاده الجنرال بينوتشي، من يعتقد بأنه أمر بتصفية شاعر بلاده حائز نوبل للآداب في عام 1971.
وصل أموروس إلى هذه النتائج التي ضمنها كتابه بعد بحث مطول استغرق أربعة أعوام، بين أرشيفات في تشيلي وإسبانيا وروسيا وبلدان أخرى، مع التركيز بشكل خاص على مراجع ومصادر ووثائق نادرة، ورسائل، ومقالات، وخطب، ومقابلات، وشهادات أصدقاء مقرّبين وحتى أعداء، وكذلك النساء اللواتي أحببنه أو جمعته بهن علاقة.
واعتماداً أيضاً على معلومات قدّمتها مؤسسة بابلو نيرودا، الموجودة في "تشاسكونا" (أحد المنازل الثلاثة التي كان يملكها الشاعر) الذي تحوّل اليوم إلى متحف في مدينة سانتياغو دي تشيلي. كل ذلك من أجل تجميع عناصر سيرة وافية ودقيقة، والمعنونة بعبارة استوحاها من الباحث المتخصص في نيرودا يوركييفيتش: "كان بابلو نيرودا أميراً للشعراء".
هذه "الإمارة الشعرية" كانت تنتظره منذ أصدر مجموعته "عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة" عام 1924، رغم ممانعة أبيه بأن يصبح أديباً. يأخذ أموروس قرّاءه إلى منطقة بارال، مسقط رأس الشاعر عام 1904، فور اختفاء الأم بعد شهرين من ولادته، والأب عامل السكك الحديدية القاسي، وأول قصائده الشعرية التي كتبها وهو لم يبلغ بعد عشر سنوات.
ومن طفولة الشاعر في تيموكو، مروراً بدراسته في الجامعة والحياة البوهيمية التي قضاها في سانتياغو دي تشيلي، ومن ثم الفترة الطويلة التي قضاها كدبلوماسي وقنصل في عدة مدن آسيوية وفي بوينوس آيرس ووصوله إلى إسبانيا، واستقراره في مدينة بالما دي مايوركا سنة 1934، وصداقاته العميقة التي جمعته بكل من فيديريكو غارثيا لوركا، ورفايل ألبيرتي، ومغيل إرنانديث. هذا إلى جانب وقفات عند عمله السياسي ورحلاته وإنتاجه الشعري الغزير.