05 نوفمبر 2024
بترايوس ثانية يا ناس العراق
يعود مدير الاستخبارات الأميركية المركزية السابق ديفيد بترايوس "الثعلب"، ليلعب دورا جديدا في العراق، وإن كان بتفاصيله، قديماً، يعود إلى سنوات خلت، لم يتغير فيه أكثر من خلع بزّة المحارب وارتداء بزّة السياسي، خصوصاً أنه يستعد، على ما يبدو، لتسلّم منصب سياسي في إدارة دونالد ترامب الجديدة، بحسب جديد التسريبات.
في جنيف، وبدعوة من معهد أوروبي، وبرعاية أميركية يتصدرها بترايوس، اجتمع عدد من ساسة سنة العراق، لتدارس واقع أهل السنّة في العراق، عقب تحرير مدنهم من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية. هذا هو المعلن، أما غير المعلن، فلا يبدو أنه سيكون مختلفاً عما فعله بترايوس في العراق، عقب توليه مهمة قائد القوات الأميركية عام 2007 خلفا للجنرال جورج كايسي.
شارك بترايوس في عملية احتلال العراق وغزوه، وكان وقتها قائدا للفرقة 101 المحمولة جوا، والتي كانت مهمتها احتلال مدينة الموصل ومحافظة نينوى، قبل أن يعود إلى واشنطن، ثم يعود إلى العراق قائدا للقوات الأميركية هناك، في محاولة من واشنطن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعدما غرقت في مستنقع العراق، بفعل المقاومة العراقية التي أذاقت المحتل درسا لم ولن ينساه.
دخل بترايوس العراق، وهو يعرف تماما ماذا يريد، فكانت أولى مهامه الإيقاع بين المقاومة العراقية وحاضنتها، فمن غير الثانية لا يمكن أن تستمر الأولى، وهي مهمة لم تكن سهلة، ولكن الثعلب جاء وفي ذهنه خطة محكمة. وصل إلى العراق عقب أقل من عام على تفجيرات سامراء، والتي أدت إلى انفجار الوضع في العراق، فبدلا من أن يوجه العراقيون بنادقهم إلى صدر المحتل، وبدلا من أن يواصل المقاومون حربهم ضد هذا المحتل، كان التفجير فرصة مناسبةً لحرب سنية شيعية، وبدعم أميركي واضح للمليشيات الشيعية التابعة لأحزاب السلطة، فمَن غيرها يمكن أن يكفي الأميركان عناء التصدي للمقاومة العراقية.
يومها، شهدت بغداد مجازر طائفية أعادت إلى الأذهان مجازر هولاكو يوم احتلاله بغداد سنة 656 هجرية، الأمر الذي دفع العرب السنة إلى البحث عن بديل للخروج من هذا المأزق. وهنا كان بترايوس الثعلب ينتظر تلك الفرصة، فدخل العراق بفكرة الصحوات، والتي كانت بدايتها تشكيل مجاميع من أهالي السنة في بغداد، لحماية أحيائهم من هجمات المليشيات الشيعية، قبل أن تمتد الفكرة لتصل إلى مدن المقاومة السنية في الموصل والأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك، ولكن بحجة مختلفة عن تلك الصحوات التي تشكلت في بغداد.
كانت الحجة وقتها محاربة تنظيم القاعدة، أما الهدف الأميركي فكان محاربة كل الفصائل العراقية المقاومة، وإبطال مفعول تلك المقاومة التي أرهبت وأرهقت قوات الغزو الأميركي، وهو ما تم ونجح فيه بترايوس.
لم يقض على تنظيم القاعدة، والمقاومة العراقية بمختلف فصائلها، إلا تلك الصحوات، بعد أن عجزت أميركا بعدّتها وعتادها عن إنجاز تلك المهمة، حتى أن قائد القوات الأميركية، ريكاردو سانشيز، قال في العام 2005 "ربما فقدنا الأنبار إلى الأبد"، في إشارة إلى السيطرة المستحكمة لتنظيم القاعدة على مركز محافظة الأنبار.
ماذا حصل بعد أن أدت الصحوات هذا الدور؟ انسحبت القوات الأميركية من العراق عام 2010-2011، وقبل ذلك بعامين، سلمت تلك الصحوات إلى الحكومة العراقية، برئاسة نوري المالكي، التي لم تدخر جهدا في إبطال تلك المليشيات السنية وتفكيكها، خشية من أن تكون معادلا للمليشيات الشيعية، فقام المالكي باعتقال قادة تلك الصحوات واغتيالهم، كما قطع عنهم رواتبهم، ورفض دمجهم حتى في المؤسسة المدنية للدولة، ليعود سنّة العراق نهبا لسطوة السلطة الحاكمة.
جاء بترايوس إلى جنيف، وفي ذهنه تفاصيل دوره السابق في العراق إبّان الاحتلال الأميركي، فكل مراكز الأبحاث والدراسات العالمية تتحدّث عن مرحلة ما بعد "داعش"، وتحذّر من تطرف سني أشد ضراوةً من تطرّف "داعش" اليوم، إذا لم يحصل السنة على حقوقهم.
يريد بترايوس أن يقنع سنة العراق بدورهم في العملية السياسية، وحتما منحهم بعض الوعود، على أمل أن يسهم ذلك في منع ظهور الخطر القادم، ومن هذه الوعود إعادة إعمار المدن السنية، ودور أكبر في العملية السياسية، تماما، كما وعدهم يوم أن شكّل صحواتهم لمحاربة المقاومة، بحجة محاربة تنظيم القاعدة.
إذا كان بترايوس، ومن خلفه واشنطن جادة، فأعتقد أنها لا تحتاج إلى وعود بترايوس لبعض من يعتبرون أنفسهم يمثلون السّنّة، فهي لديها خارطة طريق واضحة لما يجب أن تفعله، ولعل أولى تلك المهام تغيير جذري للعملية السياسية في العراق، تبدأ أولا من تغيير الدستور إلى محاكمة المجرمين إلى إلغاء القوانين الظالمة التي أصدرها الحاكم المدني للعراق بول بريمر، إلى إجبار السلطة الحاكمة في بغداد على نزع سلاح المليشيات وقطع يد إيران في العراق.
المسألة اليوم أكبر من مجرد وعود يقدمها بترايوس، ومن خلفه رئيسه ترامب، لسنّة العراق. إنها ضرورة أن تقدم واشنطن أدلة جادة ومنطقية وفعلية وواقعية على نياتها. وبخلاف ذلك، لا أعتقد أن هناك مؤمنا يلدغ من جحر مرتين، فهل يعي سنة العراق، أو من شارك منهم في جنيف ذلك؟
في جنيف، وبدعوة من معهد أوروبي، وبرعاية أميركية يتصدرها بترايوس، اجتمع عدد من ساسة سنة العراق، لتدارس واقع أهل السنّة في العراق، عقب تحرير مدنهم من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية. هذا هو المعلن، أما غير المعلن، فلا يبدو أنه سيكون مختلفاً عما فعله بترايوس في العراق، عقب توليه مهمة قائد القوات الأميركية عام 2007 خلفا للجنرال جورج كايسي.
شارك بترايوس في عملية احتلال العراق وغزوه، وكان وقتها قائدا للفرقة 101 المحمولة جوا، والتي كانت مهمتها احتلال مدينة الموصل ومحافظة نينوى، قبل أن يعود إلى واشنطن، ثم يعود إلى العراق قائدا للقوات الأميركية هناك، في محاولة من واشنطن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعدما غرقت في مستنقع العراق، بفعل المقاومة العراقية التي أذاقت المحتل درسا لم ولن ينساه.
دخل بترايوس العراق، وهو يعرف تماما ماذا يريد، فكانت أولى مهامه الإيقاع بين المقاومة العراقية وحاضنتها، فمن غير الثانية لا يمكن أن تستمر الأولى، وهي مهمة لم تكن سهلة، ولكن الثعلب جاء وفي ذهنه خطة محكمة. وصل إلى العراق عقب أقل من عام على تفجيرات سامراء، والتي أدت إلى انفجار الوضع في العراق، فبدلا من أن يوجه العراقيون بنادقهم إلى صدر المحتل، وبدلا من أن يواصل المقاومون حربهم ضد هذا المحتل، كان التفجير فرصة مناسبةً لحرب سنية شيعية، وبدعم أميركي واضح للمليشيات الشيعية التابعة لأحزاب السلطة، فمَن غيرها يمكن أن يكفي الأميركان عناء التصدي للمقاومة العراقية.
يومها، شهدت بغداد مجازر طائفية أعادت إلى الأذهان مجازر هولاكو يوم احتلاله بغداد سنة 656 هجرية، الأمر الذي دفع العرب السنة إلى البحث عن بديل للخروج من هذا المأزق. وهنا كان بترايوس الثعلب ينتظر تلك الفرصة، فدخل العراق بفكرة الصحوات، والتي كانت بدايتها تشكيل مجاميع من أهالي السنة في بغداد، لحماية أحيائهم من هجمات المليشيات الشيعية، قبل أن تمتد الفكرة لتصل إلى مدن المقاومة السنية في الموصل والأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك، ولكن بحجة مختلفة عن تلك الصحوات التي تشكلت في بغداد.
كانت الحجة وقتها محاربة تنظيم القاعدة، أما الهدف الأميركي فكان محاربة كل الفصائل العراقية المقاومة، وإبطال مفعول تلك المقاومة التي أرهبت وأرهقت قوات الغزو الأميركي، وهو ما تم ونجح فيه بترايوس.
لم يقض على تنظيم القاعدة، والمقاومة العراقية بمختلف فصائلها، إلا تلك الصحوات، بعد أن عجزت أميركا بعدّتها وعتادها عن إنجاز تلك المهمة، حتى أن قائد القوات الأميركية، ريكاردو سانشيز، قال في العام 2005 "ربما فقدنا الأنبار إلى الأبد"، في إشارة إلى السيطرة المستحكمة لتنظيم القاعدة على مركز محافظة الأنبار.
ماذا حصل بعد أن أدت الصحوات هذا الدور؟ انسحبت القوات الأميركية من العراق عام 2010-2011، وقبل ذلك بعامين، سلمت تلك الصحوات إلى الحكومة العراقية، برئاسة نوري المالكي، التي لم تدخر جهدا في إبطال تلك المليشيات السنية وتفكيكها، خشية من أن تكون معادلا للمليشيات الشيعية، فقام المالكي باعتقال قادة تلك الصحوات واغتيالهم، كما قطع عنهم رواتبهم، ورفض دمجهم حتى في المؤسسة المدنية للدولة، ليعود سنّة العراق نهبا لسطوة السلطة الحاكمة.
جاء بترايوس إلى جنيف، وفي ذهنه تفاصيل دوره السابق في العراق إبّان الاحتلال الأميركي، فكل مراكز الأبحاث والدراسات العالمية تتحدّث عن مرحلة ما بعد "داعش"، وتحذّر من تطرف سني أشد ضراوةً من تطرّف "داعش" اليوم، إذا لم يحصل السنة على حقوقهم.
يريد بترايوس أن يقنع سنة العراق بدورهم في العملية السياسية، وحتما منحهم بعض الوعود، على أمل أن يسهم ذلك في منع ظهور الخطر القادم، ومن هذه الوعود إعادة إعمار المدن السنية، ودور أكبر في العملية السياسية، تماما، كما وعدهم يوم أن شكّل صحواتهم لمحاربة المقاومة، بحجة محاربة تنظيم القاعدة.
إذا كان بترايوس، ومن خلفه واشنطن جادة، فأعتقد أنها لا تحتاج إلى وعود بترايوس لبعض من يعتبرون أنفسهم يمثلون السّنّة، فهي لديها خارطة طريق واضحة لما يجب أن تفعله، ولعل أولى تلك المهام تغيير جذري للعملية السياسية في العراق، تبدأ أولا من تغيير الدستور إلى محاكمة المجرمين إلى إلغاء القوانين الظالمة التي أصدرها الحاكم المدني للعراق بول بريمر، إلى إجبار السلطة الحاكمة في بغداد على نزع سلاح المليشيات وقطع يد إيران في العراق.
المسألة اليوم أكبر من مجرد وعود يقدمها بترايوس، ومن خلفه رئيسه ترامب، لسنّة العراق. إنها ضرورة أن تقدم واشنطن أدلة جادة ومنطقية وفعلية وواقعية على نياتها. وبخلاف ذلك، لا أعتقد أن هناك مؤمنا يلدغ من جحر مرتين، فهل يعي سنة العراق، أو من شارك منهم في جنيف ذلك؟