بدأت قبل أيام عروض مسرحية "بتقتُل"، وهي اقتباس مسرحي لجو قديح عن رواية للبلجيكي ايمانويل شميت. لكن محاولة قديح هذه المرة تأتي مغايرة لواقع النصّ الأصلي، عبر إسقاطات خاصة اختارها لارتباطه فنيّاً مع الممثلين برناديت حديب وطلال الجردي، في عمل أقرب إلى الأعمال النخبوية.
يجد قديح أن تفاهمه الفنّي مع برناديت حديب منذ تعاونهما السابق في مسرحية "غرام وانتقام" هو السبب وراء اختيار حديب التي طالبته بزميلها طلال الجردي، لتقديم المسرحية، نظراً للكيمياء التي تربط بين الجردي وحديب بعد لقائهما في فيلم "لما حكيت مريم"، قبل سنوات مع المخرج أسد فولادكار، والنجاح الذي حققاه في هذا الفيلم. والواضح أن هذه الكيمياء حضرت بقوة في "بتقتُل".
ليلى (برناديت حديب) زوجة عاشقة لزوجها الكاتب والرسّام فريد (طلال الجردي) الذي يدّعي فقدانه الذاكرة بعد حادثة تعرّض لها، ويعمل على معرفة لماذا تسببت زوجته "ليلى" بالحادث، بعد أن يخرج من المستشفى.
مسرح بسيط، لغرفة جلوس، أشبه بمكتبة يقضي فيها فريد وليلى معظم أوقاتهما، وسط غابة من الكتب، واللوحات التي شهدت على الخلافات الزوجية، وأسئلة كثيرة تُطرح دائماً في هذه المؤسسة.
تصورٌ جيد، لشخصين تزوجا وهما من بيئة مختلفة، فالمرأة اللعوب الواثقة بأنوثتها، وشغفها في الحياة إلى أقصى درجة، والرجل الكاتب لروايات بوليسية غارق فيها، لكنه كان سعيداً بهذا الزواج، ولو أنه مبني بحسب ما توضح ليلى، على الإهمال، فهو لا يذهب معها للتسوق، ولا يتدخل في اختيار صديقاتها، وهذا ما يدفعها إلى الشك به، والبحث، عن تفاصيل صغيرة، للتخلص منه.
يطرح قديح في المسرحية جدلية العلاقة بين أي امرأة وزوجها، مهما كان الاختلاف جوهرياً ثمة أفق آخر بحسب "بتقتُل" يُبيّن مجدداً مساحة قليلة، من حب يطفو على مؤسسة الزواج ويجعله متجدداً.
يهرب جو قديح، في نصّه، وحتى في طريقة إخراجه، من الإشارات المباشرة، ويُشرّح بعض العلاقات معتمداً على علم النفس، تضيع معها بعض المواقف لوفرة الاحداث، ومرات البطء في استعراضها أو حتى تكرارها.
تفتح "ليلى" النافذة على الماضي تحاول تذكير "فريد" بما ترتّب بعد لقائهما الأول من شعور، لقاء تمّ في حفل زفاف عادي، لم يخل من "الاكشن" العاطفي، لكن فريد لا يلبث أن يعترف هو أيضاً بإعجابه بها، والهروب إلى الكحول للبوح بذلك.
يوميات، تنقل شريط أحداث مرت خلال خمسة عشر عاماً: هروب "ليلى" من حال الروتين، إلى الكحول، والبحث عن حل لمشاكل تراكمت، لكتب تحيط بها، لزواجها بكاتب روايات بوليسية، يفصل شخوصه على ذوقه وخياله، ومواقف كثيرة تدفعها للشك بهذا الشريك البارد وتتساءل هل يكون خائناً، تخبئ ليلى قناني النبيذ بين اهتماماته، في جارور المكتب، ووراء الكتب المصفوفة على الرفوف.
مراراً تحاول "ليلى" الهروب من قبضة الوحدة، والكتب واللوحات، وحتى الكنبة النبيذية التي تحتاج إلى تنجيد، لكنها تقع أسيرة حب بهذا الروائي البعيد، من دون إرادة منها، حتى تضطر لتنفيذ جريمتها، تحت قاعدة، "ومن الحب ما قتل"، تحاول النيل منه لكنه ينجو من الحادثة، تضيع هي أكثر، لكنها تهدأ عندما تكتشف أنه فاقد للذاكرة بعد الحادث.
يحاول " فريد" اللعب على مبدأ كاتب روايات بوليسية بعد عودته من المستشفى، ويتخذ من نفسه دور المحقق الذي يقع مرات في فخ الخروج عن الدور، بكلمات تكشفه جيداً أمام ليلى، والتي تدرك أنه ليس فاقداً للذاكرة، وأن كل ما يفعله هو وضع الحقائق أمام المرايا دون مواربة أو هروب كما هي حاله قبل الحادث ودخوله المستشفى.
رؤية جيدة، في القصة، والسيناريو، والحوار، وتطويل كان بالإمكان تفاديه، لكن الغلبة في العمل كاملاً تعود إلى العفوية والبعد عن التنظير والوعظ.