تغيرت ملامح الكرة العالمية في السنوات الأخيرة، ولم يعد هناك فريق كبير مرشح بقوة في كافة المحافل الدولية كالسابق، مع تراجع واضح لأعظم منتخبات اللعبة، البرازيل وإيطاليا في مهب الريح، بعد أن شهدت الملاعب صولات وجولات لا تُنسى لهذا الثنائي الفريد، خصوصا في بطولات المونديال، فراقصو السامبا هم أصحاب الرقم القياسي بخمس بطولات، ويأتي الأزوري رفقة الألمان في المركز الثاني بالرقم 4، في دليل حقيقي على تفرد هذه المنتخبات قاريا وعالميا.
الكلاسيكو العالمي
حصل نهائي المكسيك 70 بين البرازيل وإيطاليا على تغطية إعلامية غير مسبوقة، مباراة بين فريق يلعب كرة القدم بإمتاع، وآخر يجيد الناحية الدفاعية، مدعوماً بروح هيلينو هيريرا وتكتيك الكاتيناتشيو الناجح في الستينيات مع معظم الفرق الإيطالية، لذلك بعد انتصار البرازيل، خرجت الصحف اللاتينية بعنوان موحد، "فاز الفن على التحفظ الدفاعي".
بينما في 1982، نجحت "الزونا ميستا" الإيطالية في إبعاد الجيل الذهبي للبرازيل في المونديال، ليستمر الطليان حتى الفوز في النهائي أمام الألمان، كذلك يظل نهائي مونديال 1994 أيقونة أساسية لكل عشاق ومحبي اللعبة، بعد وصول المباراة إلى ركلات الجزاء، وتتحول ركلة باجيو الضائعة إلى أحد كلاسيكيات المستديرة على مر تاريخها.
لذلك يعتبر فريقا البرازيل وإيطاليا بمثابة قطبي الكرة في العالم، فريق يمثل الجانب الهجومي وآخر تتضاعف قيمته فيما يخص الشق الدفاعي، وكأن هذا الثنائي أشبه بمكونات توصل الدائرة الكروية، لكن في الفترة الأخيرة انقلبت الآية، وتغيرت خارطة التكتيك، لتصبح البرازيل بدون ملامح هجومية، وتستقبل شباك الأزرق أهدافا عديدة في أكثر من مباراة.
انقراض التسعة
انبهر كل متابعي الكرة بالمهاجم الفذ روماريو في مونديال 94، نتيجة جمعه بين السرعة والحسم في آن واحد، وتقديمه صيحة جديدة في عالم التكتيك، فهو ليس المهاجم الضخم أو قوي البنية، لكنه قصير مكير، يتلاعب بالدفاعات ويسجل الأهداف بكل الأوضاع، وتضاعف الإعجاب العالمي بمهاجمي البرازيل من خلال الصعود التاريخي للظاهرة رونالدو في منتصف التسعينيات، حينما انطلق "الرصاصة" دون توقف في كافة ملاعب أوروبا.
رونالدو هو النسخة الأكمل للمهاجم، لذلك يصنفه الخبراء كلاعب متكامل وليس فقط مهاجما عبقريا، وحتى بعد ابتعاد رونالدو عن الأضواء، استمر البرازيليون في تسجيل الأهداف لكن دون بريق حقيقي، مع لويس فابيانو في مونديال 2010، لينقرض المركز 9 في بلاد السامبا، ويختفي المهاجمون البارعون من الصورة، حتى وجدنا فريد أساسيا في كأس العالم، ثم أصبح الهجوم بدون صاحب بعد غياب نيمار أمام باراغواي.
من الصعب إلقاء اللوم فقط على دونغا، لأن المنتخب حقا لا يضم أي مهاجم مختلف، لدرجة أن معوض نيمار كان ريكاردو أوليفيرا، صاحب الـ 35 عاما، كذلك ليما وجوناس، كلها أسماء فوق الثلاثين، وبالتالي ندرت المواهب الهجومية في البلد بأكملها، لكن دون إغفال الرؤية السبلية لمعظم مدربي السيلساو في السنوات الأخيرة.
من كارلوس ألبرتو بيريرا إلى دونغا مرورا بسكولاري، كلهم بلا استثناء مدربون دفاعيون بامتياز، لا يهاجمون أبدا ولا يأخذون المبادرة، لذلك تحركت الكرة البرازيلية عكس اتجاه تاريخها وفلسفتها، وأصبحت كل الاختيارات تصب في صالح استدعاء اللاعبين أصحاب النزعة الدفاعية، مع إلقاء كافة المهام الهجومية على اللاعب المهاري في الأمام، لكن هذه الخلطة أثبتت فشلا حقيقيا، لأن الجماعية صارت الأساس، وغياب نيمار أو حتى وجوده لن يغير الكثير، فالبرازيل تحتاج إلى ثورة كروية شاملة، تعيد الفكر الهجومي إلى الواجهة، ومن ثم تبدأ مرحلة البحث عن منفذين!
اقــرأ أيضاً
بلد الدفاع
الدفاع قرار، هذا ما يؤكده الإيطالي الكبير مارشيلو ليبي، بعد تتويجه بمونديال 2006 بعد تخطي فرنسا في النهائي. يضع المدرب العجوز اهتماما خاصا بالجوانب الدفاعية، مثله مثل معظم مدربي بلاد الباستا، لأنهم يدركون تماما أن هذه الطريقة هي من جلبت الألقاب، فالطليان يمارسون كرة القدم بعقولهم فقط، ولا دخل أبدا للقلوب بهذه اللعبة.
يختلف كونتي بعض الشيء عن شيوخ المدرسة التدريبية الإيطالية، فهو رجل لا يهمل الدفاع لكنه أيضا لا يركز عليه بشكل مضاعف، وبالتالي يبحث دائما عن استراتيجيات هجومية متنوعة، ويلجأ إلى استخدام أكثر من رسم خططي خلال المباراة الواحدة، وستكون يورو 2016 هي الحكم النهائي على خلاصة أعماله رفقة الأزوري.
ويدرك المتابع الجيد للكرة الإيطالية أنها افتقدت في السنوات الماضية إلى المدافع القائد، لم يعد هناك مالديني جديد أو فرانكو باريزي آخر، وجاءت فكرة اللعب بثلاثي خلفي صريح من أجل التغطية المستمرة على أخطاء قلوب الدفاع، لكن من الواضح أن الكرة الإيطالية تحتاج إلى تطوير حقيقي في قادم المواعيد.
وبالعودة إلى النتائج الأخيرة القوية، سنجد أن الأزوري خسر بالأربعة في نهائي يورو 2012، واهتزت شباك اليوفي بالثلاثة في نهائي عصبة الأبطال 2015، كذلك خرج الفريق من الأليانز أرينا مستقبلا أربعة أهداف، لذلك زادت النتائج الثقيلة مما يعني انخفاض الحس الدفاعي لدى كافة المدافعين الطليان، وبالتالي يحتاج أنطونيو إلى تحسين خطوطه الهجومية قبل البطولة الأوروبية، لأن دفاع الجميع على قدر المساواة، وعملية صناعة الفرص هي من ستضع الفارق الرئيسي، خصوصا أن الرسميات تختلف عن الوديات، وإيطاليا بأكملها تعرف ذلك.
الكلاسيكو العالمي
حصل نهائي المكسيك 70 بين البرازيل وإيطاليا على تغطية إعلامية غير مسبوقة، مباراة بين فريق يلعب كرة القدم بإمتاع، وآخر يجيد الناحية الدفاعية، مدعوماً بروح هيلينو هيريرا وتكتيك الكاتيناتشيو الناجح في الستينيات مع معظم الفرق الإيطالية، لذلك بعد انتصار البرازيل، خرجت الصحف اللاتينية بعنوان موحد، "فاز الفن على التحفظ الدفاعي".
بينما في 1982، نجحت "الزونا ميستا" الإيطالية في إبعاد الجيل الذهبي للبرازيل في المونديال، ليستمر الطليان حتى الفوز في النهائي أمام الألمان، كذلك يظل نهائي مونديال 1994 أيقونة أساسية لكل عشاق ومحبي اللعبة، بعد وصول المباراة إلى ركلات الجزاء، وتتحول ركلة باجيو الضائعة إلى أحد كلاسيكيات المستديرة على مر تاريخها.
لذلك يعتبر فريقا البرازيل وإيطاليا بمثابة قطبي الكرة في العالم، فريق يمثل الجانب الهجومي وآخر تتضاعف قيمته فيما يخص الشق الدفاعي، وكأن هذا الثنائي أشبه بمكونات توصل الدائرة الكروية، لكن في الفترة الأخيرة انقلبت الآية، وتغيرت خارطة التكتيك، لتصبح البرازيل بدون ملامح هجومية، وتستقبل شباك الأزرق أهدافا عديدة في أكثر من مباراة.
انقراض التسعة
انبهر كل متابعي الكرة بالمهاجم الفذ روماريو في مونديال 94، نتيجة جمعه بين السرعة والحسم في آن واحد، وتقديمه صيحة جديدة في عالم التكتيك، فهو ليس المهاجم الضخم أو قوي البنية، لكنه قصير مكير، يتلاعب بالدفاعات ويسجل الأهداف بكل الأوضاع، وتضاعف الإعجاب العالمي بمهاجمي البرازيل من خلال الصعود التاريخي للظاهرة رونالدو في منتصف التسعينيات، حينما انطلق "الرصاصة" دون توقف في كافة ملاعب أوروبا.
رونالدو هو النسخة الأكمل للمهاجم، لذلك يصنفه الخبراء كلاعب متكامل وليس فقط مهاجما عبقريا، وحتى بعد ابتعاد رونالدو عن الأضواء، استمر البرازيليون في تسجيل الأهداف لكن دون بريق حقيقي، مع لويس فابيانو في مونديال 2010، لينقرض المركز 9 في بلاد السامبا، ويختفي المهاجمون البارعون من الصورة، حتى وجدنا فريد أساسيا في كأس العالم، ثم أصبح الهجوم بدون صاحب بعد غياب نيمار أمام باراغواي.
من الصعب إلقاء اللوم فقط على دونغا، لأن المنتخب حقا لا يضم أي مهاجم مختلف، لدرجة أن معوض نيمار كان ريكاردو أوليفيرا، صاحب الـ 35 عاما، كذلك ليما وجوناس، كلها أسماء فوق الثلاثين، وبالتالي ندرت المواهب الهجومية في البلد بأكملها، لكن دون إغفال الرؤية السبلية لمعظم مدربي السيلساو في السنوات الأخيرة.
من كارلوس ألبرتو بيريرا إلى دونغا مرورا بسكولاري، كلهم بلا استثناء مدربون دفاعيون بامتياز، لا يهاجمون أبدا ولا يأخذون المبادرة، لذلك تحركت الكرة البرازيلية عكس اتجاه تاريخها وفلسفتها، وأصبحت كل الاختيارات تصب في صالح استدعاء اللاعبين أصحاب النزعة الدفاعية، مع إلقاء كافة المهام الهجومية على اللاعب المهاري في الأمام، لكن هذه الخلطة أثبتت فشلا حقيقيا، لأن الجماعية صارت الأساس، وغياب نيمار أو حتى وجوده لن يغير الكثير، فالبرازيل تحتاج إلى ثورة كروية شاملة، تعيد الفكر الهجومي إلى الواجهة، ومن ثم تبدأ مرحلة البحث عن منفذين!
بلد الدفاع
الدفاع قرار، هذا ما يؤكده الإيطالي الكبير مارشيلو ليبي، بعد تتويجه بمونديال 2006 بعد تخطي فرنسا في النهائي. يضع المدرب العجوز اهتماما خاصا بالجوانب الدفاعية، مثله مثل معظم مدربي بلاد الباستا، لأنهم يدركون تماما أن هذه الطريقة هي من جلبت الألقاب، فالطليان يمارسون كرة القدم بعقولهم فقط، ولا دخل أبدا للقلوب بهذه اللعبة.
يختلف كونتي بعض الشيء عن شيوخ المدرسة التدريبية الإيطالية، فهو رجل لا يهمل الدفاع لكنه أيضا لا يركز عليه بشكل مضاعف، وبالتالي يبحث دائما عن استراتيجيات هجومية متنوعة، ويلجأ إلى استخدام أكثر من رسم خططي خلال المباراة الواحدة، وستكون يورو 2016 هي الحكم النهائي على خلاصة أعماله رفقة الأزوري.
ويدرك المتابع الجيد للكرة الإيطالية أنها افتقدت في السنوات الماضية إلى المدافع القائد، لم يعد هناك مالديني جديد أو فرانكو باريزي آخر، وجاءت فكرة اللعب بثلاثي خلفي صريح من أجل التغطية المستمرة على أخطاء قلوب الدفاع، لكن من الواضح أن الكرة الإيطالية تحتاج إلى تطوير حقيقي في قادم المواعيد.
وبالعودة إلى النتائج الأخيرة القوية، سنجد أن الأزوري خسر بالأربعة في نهائي يورو 2012، واهتزت شباك اليوفي بالثلاثة في نهائي عصبة الأبطال 2015، كذلك خرج الفريق من الأليانز أرينا مستقبلا أربعة أهداف، لذلك زادت النتائج الثقيلة مما يعني انخفاض الحس الدفاعي لدى كافة المدافعين الطليان، وبالتالي يحتاج أنطونيو إلى تحسين خطوطه الهجومية قبل البطولة الأوروبية، لأن دفاع الجميع على قدر المساواة، وعملية صناعة الفرص هي من ستضع الفارق الرئيسي، خصوصا أن الرسميات تختلف عن الوديات، وإيطاليا بأكملها تعرف ذلك.