09 أكتوبر 2024
برسم الباحثين عن وطن
قال لي، وفي نبرة صوته شيء من مناكدة ساخرة: "أرأيت؟ اخترعوا من أجلكم، أنتم جحافل المنفيين في الأرض الباحثين عن وطن، وطناً جديداً، يضمن لكم مواطنةً عادلة، بعد أن حرّم عليكم هذا العالم الشرير كل الحقوق التي أقرّت للبشر، حتى حق العودة إلى بلدانكم أصبح محرّماً عليكم. ولكي تحصلوا على حق المواطنة والسكن في الوطن الجديد، ليس عليكم سوى وضع أسمائكم على لائحة انتظار، الأسماء المجردة فقط، لا حاجة لتثبيت اللقب أو الدين أو المذهب أو العرق أو اسم العشيرة، أو حتى اسم البلاد التي تنكّرت لكم، أو أنكرت صلتكم بها، لا حاجة لحقائب سفر أيضاً. الشرط الوحيد هو أن تختموا على ذاكرتكم بالشمع الأحمر، وتحرقوا صوركم وأوراقكم، وتغلقوا صفحاتكم المفتوحة على "فيسبوك" أو "تويتر"، وتروّضوا أنفسكم على حياة جديدة، أو ربما موت جديد، من يدري.
قال ذلك، ودفع لي بخبر منقول من موقع صحيفة ديلي ميل البريطانية، يزفّ بشرى إنشاء دولةٍ مستقلةٍ يسمونها أسجارديا، هدفها نشر السلام في الفضاء الخارجي، ومنع انتقال عدوى الحروب إليه، وسيتم إطلاق القمر الصناعي الذي ستقام عليه الدولة العام المقبل. ويدعو الفريق العلمي الذي يشرف على تنفيذ الفكرة الراغبين إلى تسجيل أسمائهم عبر موقع المشروع على شبكة الإنترنت، لكي يصبحوا من مواطني الدولة الجديدة، والفرصة متاحة لأول مئة ألف فقط. ولا ينسى مخططو المشروع الإشارة إلى أن مواطني أسجارديا لن ينغمروا في صراعاتٍ سياسية، ولن ينشغلوا بأمور السلطة والحكم، كما لن يمارسوا التهديد ضد جيرانهم سكان الأرض، وإنما سيوجهون جل اهتمامهم لمراقبة النيازك والظواهر الفضائية وحماية الأرض من أخطارها. وعلى المدى الطويل، سيشكلون نواةً لاستكشاف الفضاء والكواكب الأخرى، وسوف تحظى دولتهم بمقعدٍ في هيئة الأمم المتحدة، ويكون لها إطارها الدستوري والقانوني وعلمها الخاص.
تأخذ أسجارديا اسمها من واحدةٍ من قصص الخيال العلمي الأميركية التي عرفها أطفال العالم منذ منتصف القرن الماضي، والتي تحكي مغامرات أمير مقاطعةٍ متخيلةٍ، يقوم بأدوار بطولية في إطار حماية العالم من مخاطر محتملة، وتلعب الفكرة على وتر تعاونٍ مأمولٍ بين القوى الكبرى التي تتنازع اليوم على ثرواتنا، تحكمها مفارقةٌ ساخرةٌ هي أنها ذات أصل أميركي، ابتكرتها دار نشر مارفيل الأميركية التي اشتهرت، منذ منتصف القرن، بقصص المغامرات، في حين أن المخطط لمشروع الدولة اليوم عالم روسي، هو أيغور أشوربيلي، مدير مركز الأبحاث في فيينا، يساعده فرنسيون وإنكليز. ومن يفترض أن يتقدم لاكتساب المواطنة فيها هم المنفيون من أوطانهم، الهائمون على وجوههم في أصقاع الأرض، والباحثون عن بلدٍ يؤويهم، ويقر بمواطنتهم، ويمنحهم حرية الخلاف والاختلاف، وهي على الرغم من طابعها التخيلي الافتراضي، تظل أمراً مثيراً للمنفيين أمثالنا، لكي يقنعوا أنفسهم بأن كوةً تنفتح أمامهم، تحيي فيهم الأمل في حصولهم على وطنٍ، بعدما قدّر للصوص والأفاقين وتجار الطوائف أن يتسيّدوا أوطانهم الأولى، وأن يصموا آذانهم عن سماع كل كلمة حقٍّ تقال في مواجهة سلطتهم الغاشمة.
ويوفر الحديث عن أسجارديا مناسبةً لرواية حكاية بعض منفيين عراقيين عالقين في هذا البلد أو ذاك، لا يمكنهم السفر، أو ربما حتى الخروج من المدينة- المنفى التي يقيمون فيها، لأنهم لا يملكون جوازات سفر عراقية صالحة، ما يجعلهم مخالفين شروط الإقامة في أيما بلد يصلون إليه. آخر جواز حملوه عند رحلة التيه التي عاشوها، بعد غزو بلدهم انتهت صلاحيته مع الزمن، ورفضت سفارات بلدهم في البلدان التي تؤويهم تجديد جوازاتهم أو تمديدها. واشترطت عودتهم إلى بغداد، مخفورين بجوازات مرور صالحةٍ لرحلة الذهاب فقط، واشتراط العودة كما قيل، هو لأغراض "التدقيق الأمني". وبعبارة أكثر وضوحاً التحقق من أن هؤلاء لا يشكلون خطراً على سلطة بغداد، وأنهم ليسوا "داعشيين" أو "صدّاميين"، أو "إرهابيين" نائمين أو مستيقظين، أو ربما للتأكد من أنهم لم يعودوا مشاكسين، أو أنهم، في أقل تقدير، علمتهم الغربة أن يكونوا أكثر تعقلا وحكمة.
وربما تصبح مناشدة المشرفين على مشروع أسجارديا، من قبلنا، أن يمنحوا الأولوية في اكتساب حق المواطنة في الدولة الجديدة لهذه الشريحة من المنفيين مطلوبة أكثر من أي شيء آخر.
قال ذلك، ودفع لي بخبر منقول من موقع صحيفة ديلي ميل البريطانية، يزفّ بشرى إنشاء دولةٍ مستقلةٍ يسمونها أسجارديا، هدفها نشر السلام في الفضاء الخارجي، ومنع انتقال عدوى الحروب إليه، وسيتم إطلاق القمر الصناعي الذي ستقام عليه الدولة العام المقبل. ويدعو الفريق العلمي الذي يشرف على تنفيذ الفكرة الراغبين إلى تسجيل أسمائهم عبر موقع المشروع على شبكة الإنترنت، لكي يصبحوا من مواطني الدولة الجديدة، والفرصة متاحة لأول مئة ألف فقط. ولا ينسى مخططو المشروع الإشارة إلى أن مواطني أسجارديا لن ينغمروا في صراعاتٍ سياسية، ولن ينشغلوا بأمور السلطة والحكم، كما لن يمارسوا التهديد ضد جيرانهم سكان الأرض، وإنما سيوجهون جل اهتمامهم لمراقبة النيازك والظواهر الفضائية وحماية الأرض من أخطارها. وعلى المدى الطويل، سيشكلون نواةً لاستكشاف الفضاء والكواكب الأخرى، وسوف تحظى دولتهم بمقعدٍ في هيئة الأمم المتحدة، ويكون لها إطارها الدستوري والقانوني وعلمها الخاص.
تأخذ أسجارديا اسمها من واحدةٍ من قصص الخيال العلمي الأميركية التي عرفها أطفال العالم منذ منتصف القرن الماضي، والتي تحكي مغامرات أمير مقاطعةٍ متخيلةٍ، يقوم بأدوار بطولية في إطار حماية العالم من مخاطر محتملة، وتلعب الفكرة على وتر تعاونٍ مأمولٍ بين القوى الكبرى التي تتنازع اليوم على ثرواتنا، تحكمها مفارقةٌ ساخرةٌ هي أنها ذات أصل أميركي، ابتكرتها دار نشر مارفيل الأميركية التي اشتهرت، منذ منتصف القرن، بقصص المغامرات، في حين أن المخطط لمشروع الدولة اليوم عالم روسي، هو أيغور أشوربيلي، مدير مركز الأبحاث في فيينا، يساعده فرنسيون وإنكليز. ومن يفترض أن يتقدم لاكتساب المواطنة فيها هم المنفيون من أوطانهم، الهائمون على وجوههم في أصقاع الأرض، والباحثون عن بلدٍ يؤويهم، ويقر بمواطنتهم، ويمنحهم حرية الخلاف والاختلاف، وهي على الرغم من طابعها التخيلي الافتراضي، تظل أمراً مثيراً للمنفيين أمثالنا، لكي يقنعوا أنفسهم بأن كوةً تنفتح أمامهم، تحيي فيهم الأمل في حصولهم على وطنٍ، بعدما قدّر للصوص والأفاقين وتجار الطوائف أن يتسيّدوا أوطانهم الأولى، وأن يصموا آذانهم عن سماع كل كلمة حقٍّ تقال في مواجهة سلطتهم الغاشمة.
ويوفر الحديث عن أسجارديا مناسبةً لرواية حكاية بعض منفيين عراقيين عالقين في هذا البلد أو ذاك، لا يمكنهم السفر، أو ربما حتى الخروج من المدينة- المنفى التي يقيمون فيها، لأنهم لا يملكون جوازات سفر عراقية صالحة، ما يجعلهم مخالفين شروط الإقامة في أيما بلد يصلون إليه. آخر جواز حملوه عند رحلة التيه التي عاشوها، بعد غزو بلدهم انتهت صلاحيته مع الزمن، ورفضت سفارات بلدهم في البلدان التي تؤويهم تجديد جوازاتهم أو تمديدها. واشترطت عودتهم إلى بغداد، مخفورين بجوازات مرور صالحةٍ لرحلة الذهاب فقط، واشتراط العودة كما قيل، هو لأغراض "التدقيق الأمني". وبعبارة أكثر وضوحاً التحقق من أن هؤلاء لا يشكلون خطراً على سلطة بغداد، وأنهم ليسوا "داعشيين" أو "صدّاميين"، أو "إرهابيين" نائمين أو مستيقظين، أو ربما للتأكد من أنهم لم يعودوا مشاكسين، أو أنهم، في أقل تقدير، علمتهم الغربة أن يكونوا أكثر تعقلا وحكمة.
وربما تصبح مناشدة المشرفين على مشروع أسجارديا، من قبلنا، أن يمنحوا الأولوية في اكتساب حق المواطنة في الدولة الجديدة لهذه الشريحة من المنفيين مطلوبة أكثر من أي شيء آخر.