وأدّت مجموعة الاستقالات البرلمانية التي شهدها الحزبان البريطانيان الأسبوع الماضي إلى توجيه مسار بريكست بطريقة غير مباشرة، إذ تحركت قيادات العمال والمحافظين لمنع مزيد من الاستقالات من الحزبين من خلال التجاوب مع المطالب التي أدت إلى استقالة 12 نائباً من الطرفين.
وقالت رئيسة الوزراء وزعيمة المحافظين، تيريزا ماي، في كلمة أمام مجلس العموم، إن الحكومة مستعدة لمنح البرلمان التصويت على تأجيل موعد بريكست في حال لم تنجح صفقتها لبريكست في تجاوز امتحان التصويت البرلماني.
وأضافت أنها تتعهد بثلاثة أمور، أولها أنها ستضع صفقتها المعدلة أمام البرلمان لتصويت ملزم يوم الثلاثاء 12 مارس/ آذار. وثانيها أنه في حال خسارة الحكومة لهذا التصويت، فإنها ستتقدم بمقترح التصويت البرلماني على مدى شعبية الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق في موعد أقصاه 13 مارس/ آذار.
ثالثاً، في حال رفض البرلمان للخيارين السابقين، فإنها ستمنح البرلمان حق التصويت على تمديد موعد بريكست لفترة قصيرة ومحدودة لمرة واحدة فقط، في موعد أقصاه 14 مارس/ آذار. في حال حصل الاقتراح على الأغلبية فإن ماي ستطلب الأمر رسمياً من الاتحاد الأوروبي.
ولكن ماي أكدت في كلمتها أنها لا ترغب في تمديد موعد بريكست، لأنه في حال تمديده إلى ما بعد يونيو/ حزيران فإن بريطانيا ستضطر للدخول في انتخابات البرلمان الأوروبي.
ويأتي اقتراح ماي طرح التصويت على تأجيل موعد بريكست على البرلمان، في انعطافة كبيرة في سياستها التي أصرّت فيها على الخروج في الموعد المحدد في نهاية الشهر المقبل.
وتسعى ماي من وراء هذه الخطوة إلى إرضاء معارضي بريكست من دون اتفاق من حزبها، ومنهم أربعة وزراء هددوا بالاستقالة من الحكومة في حال وقوعه. بينما تعي ماي أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق سيؤدي إلى مزيد من الاستقالات من الحزب، وانضمام كثير من المستقيلين إلى المجموعة البرلمانية المستقلة، والتي أصبحت نقطة تجمع لمعارضي النهج السياسي الحالي حول بريكست.
ومدفوعاً بالمخاوف ذاتها، أعلن حزب "العمال" دعمه الرسمي للاستفتاء الثاني على بريكست، وأن هذا الاستفتاء يجب أن يشمل خيار البقاء في الاتحاد الأوروبي، وليس الخروج من دون اتفاق.
وأكد كير ستارمر، وزير بريكست في حكومة العمال المعارضة، صباح اليوم في تصريح للبي بي سي، أنه في حال تبنى البرلمان البريطاني خطة ماي، فإن سياسة العمال ستكون في الدفع نحو استفتاء ثانٍ، يكون البقاء في الاتحاد الأوروبي خياره الثاني.
وقال "لقد اتفقنا يوم أمس، كحزب العمال، أنه في حال تم إقرار صفقة رئيسة الوزراء في البرلمان، فإنها يجب أن تكون مشروطة بتصويت شعبي، وفقاً لما قاله جيريمي يوم أمس".
وكان جيريمي كوربن، زعيم "العمال"، قد رمى بثقل حزبه وراء الاستفتاء الثاني، في حال فشل حزب "العمال" في الدفع بخطته الخاصة بالبريكست خلال التصويت المقرر يوم غد الأربعاء. وقال إنه سيدعم الاستفتاء الثاني كخطوة أخيرة "في وجه البريكست المحافظ الضار المفروض على البلاد".
وتأتي هذه الخطوة بعد ضغوط مارسها كل من ستارمر وطوم واطسون، نائب كوربن، بهدف درء مزيد من الاستقالات من الحزب لصالح المجموعة المستقلة، والتي تضم تسعة من نواب العمال السابقين.
إلا أن دعم قيادة "العمال" للاستفتاء الثاني لا ينال دعم جميع نوابه، إذ قالت النائب عن الحزب، لوسي باول، إن هناك نحو 25 نائباً عن العمال مستعدون للتصويت ضد دعم الاستفتاء الثاني. كما لا يحظى الاستفتاء الثاني بدعم أكثر من 10 نواب في صفوف المحافظين، ما يعقّد من احتمالات تطبيقه.
ومن جانبها قالت إيميلي ثورنبيري، وزيرة الخارجية في الحكومة العمالية المعارضة، إنها وجيريمي كوربن سيدعمان خيار البقاء في الاتحاد الأوروبي في حال وقوع الاستفتاء الثاني.
وقالت مساء أمس الاثنين للقناة الرابعة "سأدعم خيار البقاء في الاتحاد بالتأكيد"، وأضافت أن كوربن يدعم وجهة النظر هذه "إذا كان الخيار بين بريكست محافظ كارثي أو الخروج من اتفاق، أو البقاء في الاتحاد، فإن ذلك ما يجب علينا فعله".
وستكون الخطوة التالية يوم غد الأربعاء عندما يدفع حزب "العمال" برؤيته الخاصة بالبريكست، والتي حددتها رسالة كوربن لماي قبل أسبوعين، والتي يشترط فيها كوربن عضوية في اتحاد جمركي مع أوروبا. إلا أنه من المتوقع هزيمة هذا المقترح البرلماني لعدم امتلاك "العمال" الأغلبية المطلوبة.
ويتبع ذلك، وفقاً لسياسة العمال الجديدة، "الالتزام بتقديم أو دعم تعديل لصالح الاستفتاء الثاني لوقف البريكست المحافظ الكارثي"، إلا أن موعد التصويت المقبل هو 12 مارس/ آذار، عندما تطرح رئيسة الوزراء صفقتها مجدداً في تصويت ملزم أمام البرلمان.
إلا أن "العمال" قد يدعم عدداً من المقترحات الأخرى، والتي تقدم بها نواب من الصفوف الخلفية من الحزبين الرئيسيين، ومنها دعم تسوية كايل-ويلسون، والتي يدعم العمال بموجبها صفقة ماي مقابل طرحها على استفتاء شعبي.
ولكن مثل هذه التسوية تواجه معارضة في صفوف العمال، وقد لا يلتزم العديد من نواب الحزب بتوجيهات قيادته، وهو ما يجعل احتمال تمريرها في البرلمان محط شك.