يميل رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، ووزيرة الداخلية تيريزا ماي، إلى اتباع حلول وإجراءات متشدّدة، تجاه "الجهاديين" البريطانيين، الذين التحقوا بالقتال في سورية والعراق، ويخططون للعودة إلى بريطانيا، أو ينوون الالتحاق حديثاً. وتندرج في إطار هذه الإجراءات، منح سلطات جديدة لشرطة الحدود، تخوّلها مصادرة جوازات سفر المشتبه فيهم ومنعهم من السفر، ومنع المواطنين البريطانيين (الجهاديين) من العودة إلى البلاد، إلا وفق شروط تحدّدها الجهات الأمنية المختصة.
في المقابل، تشكّك منظمات حقوقيّة في جدوى أو إمكانيّة تطبيق مثل هذه الإجراءات، التي قد تتعارض مع قواعد القوانين الدوليّة، وأحكام التشريعات المحليّة، عدا عن احتمال تعارض هذه الإجراءات مع حقوق الأفراد والحريّات العامة، والتكلفة المالية المرتفعة لتطبيق هذه الإجراءات الأمنية.
وفي موازاة إطلاع رئيس لجنة الاستخبارات والأمن في مجلس العموم، السير مالكولم ريفكيند، الحكومة البريطانيّة على مجمل القيود القانونيّة والماليّة التي تواجه هذه المهمة، تتّجه الحكومة للتفكير بحلول أكثر جذريّة، انطلاقاً من أنّ حلّ المشكلة الحقيقيّة لا يكمن في التضييق على الإرهابيين أو حتّى اعتقالهم، لأنّ المشكلة تكمن في تفشّي "الفكر الإرهابي"، الذي يتسلّل إلى الشبان عن طريق المؤسّسات التعليميّة والدينيّة، ووسائل الإعلام الجديد. وبالتالي، فإنّ المعالجة الأنسب ينبغي أن تركّز على استئصال منابع الفكر الإرهابي.
وعلى هذا الأساس، تنحو الحكومة البريطانيّة إلى إجراءات أكثر ميلاً إلى "إعادة تأهيل" العائدين من جبهات القتال، بدلاً من إقصائهم، على اعتبار أنّ هذا النهج قد أثبت جدواه في تجارب دول أخرى كالدنمارك والسويد.
وكانت وزيرة الداخليّة البريطانيّة، تيريزا ماي، قد أعلنت الشهر الماضي، مباشرة الحكومة بتطبيق برنامج يسمى "القناة"، وهو جزء من استراتيجيّة حكوميّة لمكافحة التطرّف، ويهدف إلى إبعاد الناس عن التطرّف بجميع أنواعه. ومع أنّ نتائج هذه البرامج نادراً ما تثمر في "إعادة تأهيل" المتشدّدين، لكنّها تبدو فعالة بالنسبة إلى الأشخاص "المغرّر بهم"، أو الذين يشعرون بـ "الخطأ" أو "الندم"، وعادوا بعد تعرّضهم للصدمة، بعد أن تورطوا بالذهاب إلى الحرب في سورية والعراق.
وتنتهج بريطانيا، في تطبيق هذه الاستراتيجيّة، مسار بعض الدول التي طبّقت الأسلوب ذاته، في مواجهة ظاهرة التطرّف بين الشبّان، على غرار التجارب الألمانيّة والسويديّة والدنماركيّة التي تركّز على معالجة "التطرّف" من جذوره الاجتماعية، والتي تدفع الشبان للانضمام إلى صفوف المنظمات المتطرّفة.
ويرى المتحمّسون لهذا النهج، أنّ علاج المشكلة من جذورها، يحول دون تفشّي الأفكار المتطرّفة بين الأوساط الاجتماعيّة أو الدينيّة، كما أنّه يحول دون انتقال هذه الأفكار من جيل إلى جيل. كما يرى هؤلاء أنّ السجن وفرض الإقامة الجبريّة والمنع من السفر وغيرها من الإجراءات الأمنيّة، لا تمنع انتشار الأفكار المتطرّفة، خصوصاً مع توفّر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، بل إنّها قد تزيد المتطرفين تطرّفاً، وتخلق المزيد من المتعاطفين مع الجماعات المتطرّفة، التي تتقن فنون التحريض والدعاية، باستخدام قنوات الإعلام الجديد وأدواته المتعدّدة.
وأوفدت الحكومة البريطانية أخيراً، خبراء للاطلاع على تجربة مدينة آرهوس الدنماركية، التي انتهجت أسلوباً جديداً في إعادة تأهيل مقاتلي "داعش"، العائدين إلى الدنمارك. وتلاقي التجربة نجاحاً لافتاً، خلافاً للأساليب الصارمة المتّبعة في مناطق أخرى. في عام 2012، غادر المدينة التي يبلغ عدد سكانها 325 ألف نسمة، 31 رجلاً تتراوح أعمارهم بين 18 و25 متجهين للقتال في سورية، في حين أنّه لم يغادر المدينة، منذ تطبيق برنامج إعادة التأهيل في مسجد المدينة، سوى شاب واحد فقط.
وعلى الرغم من انطلاق البرنامج هذا العام فقط، لكنّه يعتمد على أسلوب دنماركي راسخ ومتكامل في مكافحة الجريمة، تطبّقه الحكومة منذ ثلاثين سنة، ويقوم على تنسيق دائم بين الشرطة وخدمات الرعاية الاجتماعيّة والمدارس، بهدف إدماج الشباب في المجتمع، عبر برامج تدريب وورش عمل، تُخرج المشاركين من عزلتهم الاجتماعية، التي قد تتفاقم وتشكل بالتالي تربة خصبة لاستقطابهم من قبل عصابات الجريمة والتنظيمات المتطرّفة.