بشار الأسد.. خليفة داعش المتقاعد
للراية التي تحمل عنوان التوحيد بريقها الجاذب، وتنوعت الفصائل، وبايعت "تنظيم الدولة". عاطفياً، خاف الناس من السلفية، والإخوان، وبالمجمل خافوا من الإسلام. عاطفياً، فضل الناس نظام الأسد خوفاً من بطشه، وقراءةً خاطئةً للمستقبل. الخوف، والعاطفة جزء مساعدٌ في إدارة التوحش، وعاملٌ في تثبيت المستبد فوق الرؤوس.
إذا عدنا إلى بدايات الثورة السورية، وبدايات نشوء تنظيم الدولة "داعش"، كنا أمام حالةٍ مشابهة، لا تكاد تميزها، إلا في التسمية، بل ربما تشترك حتى في هذا التوصيف، فالاثنان سمى نفسه "دولة"، وأضفى على نفسه الشرعية، بدافعٍ عرقي قومي، أو بدافعٍ ديني.
وانقسم الناس بين الرايتين، وبقي طرفٌ ثالث مجهولٌ، يعمل بصمت. عندما حاول النظام السوري وداعش إدارة الواقع، وإنزال الناس تحت رايتهما استخدما الأسلوب نفسه، الاستقطاب الطائفي في مرحلة، وفي مرحلة التوحش.
شخصياً، اعتقد أن الغلو الذي مارسه الأسد طائفياً، عبر السنوات، ساهم في ذلك الاستقطاب المضاد له، فقوةٌ توازي قوة، والغريق، كما يقال، يتمسك بالقشة. كلاهما أراد أن يدير توحشه البشري، فعمدا إلى قطع الرؤوس، ولعل الأسد كان سباقاً، وهي حقيقة يجب أن تذكر، في الحولة، وبانياس، ولمّا أرادا قذف الرعب في صدورنا، علق هذه الرؤوس على الأعمدة، فيما نشر نظام الأسد صور الفيديو لمليشياته، عندما ارتكبت المجازر، وعندما أراد أن يُثْبِت لنا كم هو قادر على ممارسة ما هو أبعد من التوحش، أحرق جثثنا أحياء، وأما الأسد فكان السباق بقتلنا بالكيماوي.
وجهان لعملةٍ واحدة تحت قناعٍ ديني، لا يمكن أن ننكر مشروعهما، وإن كان واضحاً لدى أحدهما، فيما بقي مستوراً لدى الثاني. بلغ الطرفان الحدود القصوى بالعنف، كل ما يمكن أن تتخيله ويزيد، وكلما قلت إنه بلغ الذروة فاجأك بالجديد، حتى تنامت إلى ذهنك صور أفلام الرعب الأميركية.
لم تعد أداة إدارة الرعب عند الطرفين مجرد أداةٍ ترهب بها مناوئيها فحسب، بل تحولت إلى نهجٍ بعد أن توحش القتلة، وتلذذوا ثم أدمنوا ما فعلوا، وصارت ممارسةً على سبيل التمكين. تاريخياً، لا يمكن أن يقارن قطعاً لمؤرخٍ أن يجد المصطلحات المناسبة لوصف المرحلة.
لم يعد مجدياً أن تسأل من صنع النظام السوري، أو داعش، ومن أي بطنٍ ولدا، لم يعد إنسانياً أن نسأل الضحية بأي ذنبٍ قتلت؟
ليس مهماً أن نسأل لماذا هم متوحشون، وأي فكرٍ يعتنقون، أعتقد أن الأهم أن نوقف القتل وإراقة الدماء.
سلوكٌ شاذ، بعيدٌ عن الإنسانية، لكن الشذوذ في التفرج وتبلد المشاعر، أو الاكتفاء بالبكاء ومن ثم الرقص والغناء، فتلك جريمة المشاركة الخفية.
لسنا بحاجةٍ لمن يبرر سلوك الوحش، أو يوصف الجريمة، فالمفروض أمام صراخ الضحايا، وانسكاب الدماء أنهاراً أننا بحاجةٍ إلى قسطٍ من الحياة لمن تبقى.
السيناريو الغائب بين ثأر الضحية لنفسها وإنجازها أو انتصارها، هو الكلمة الختام في مسرحيةٍ طالت فصولها، يقول أبطالها مقولة شكسبير "الذئب ما كان ليكون ذئباً لو لم تكن الخراف خرافاً".