لا أكترث ولم أكترث، يوماً، أن أمارس طقوس الكلام على ورق الحقيقة لفضح المنافقين، لم ولن أكترث يوماً إن صرخ الجلاد في وجهي، فالأحلام بالنسبة لي باتت حقائق، ولا يهم كثرةُ الجلادين.
بعد سنواتٍ أربع، نخلص إلى أن النظام لم يسقط والثورة لم تنتهِ، لكنها في المقابل اليوم تتنامى، نتيجة الإصرار على متابعة المسير، وتشكل تحولاتها إلى المنحى الإسلامي، بحسب طبيعة المنطقة، خطراً ليس على الأسد، وإنما على المجتمع الدولي.
نقسم الناس بين طرفين، شط منهم في فهمه، وأحجم آخرون في حب أوطانهم، فبعضهم يرى حب الوطن من أركان الإيمان، وغالى فيه وأزبد وأرعد. ويرى آخرون أن حب الوطن شركٌ ووثنية، وبين هذا وذاك يأتي الطرف الوسط.
السيناريو الغائب بين ثأر الضحية لنفسها وإنجازها أو انتصارها، هو الكلمة الختام في مسرحيةٍ طالت فصولها، يقول أبطالها مقولة شكسبير "الذئب ما كان ليكون ذئباً لو لم تكن الخراف خرافاً".
يعبّر المشهد السوري، اليوم، عن ملهاةٍ تراجيدية من العيار "الشكسبيري" الثقيل، لكنها، في النهاية، تعيش مرحلة المخاض، والمخاض لا بد منه، بعد أن عاش الناس كروبوتات رديئة الصنع، لا تعرف الطريق سوى "بكبسة زر".
هذا الخروج تمليه اعتبارات إنسانية وتاريخية، تصب في مصلحة الدولة السورية، تخلع ذل السنوات الطويلة من الجهل، وتحقق معادلة الشراكة الوطنية والدولة الناجحة، وتعتبر الضامن للمجتمع المدني السوري السليم.
هناك قراءة قاصرة أو سطحية لتاريخ الإسلام، وتطور بنية مفاهيمه وحدوده، وكل ما يتعلق به، وصولاً إلى بيئته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
جوهر الدين بالنسبة للناس مرتبط بالعبادات والفرائض والشعائر التي انتقلت إلى مرحلة العادات والموروث الاجتماعي.
ما تختزنه المأساة السورية، اليوم، من آثار البؤس الوجداني، وأصداء آهاته المترامية في الأنحاء يفوق أضعاف ما يختزنه تاريخ البشرية من آثار البؤس الاقتصادي والاجتماعي.
نحن أمام شبكة عوامل متداخلة، ناتجة عن طول بقاء النظام، ساهمت وتحت فكرة "الدولة العميقة" في تأخير قطف الثمرة، مع ارتباط المجتمع وسلوكياته بإرث النظام المستبد القائم على البنية العسكرية الأمنية "المخابراتية"، ذائعة الصيت والمنتشرة بكثافة على طول البلاد وعرضها.