04 يناير 2021
بعد اغتيال عمر النايف
عُثر على المناضل الفلسطيني عمر النايف مقتولاً في الفناء الخلفي لمبنى السفارة الفلسطينية في صوفيا التي التجأ إليها بعد قرار السلطات البلغارية الاستجابة لطلب إسرائيلي بتسليمه، وكانت تعلو جسدَه كدمات وجروح، تشي بأنه تعرّض للضرب بأدوات حادة، ما أفضى إلى وفاته.
النايف بطل فلسطيني، اعتقله الاحتلال في عام 1986، بتهمة تصفية مستوطن، وتمكّن من الهرب في عام 1990، بعد أن أُدخل إلى مستشفى في بيت لحم، إثر خوضه إضراباً عن الطعام، في عملية جريئة ونادرة، ومُذلة لإسرائيل، ثم استطاع أن يصل إلى أوروبا ويستقر في بلغاريا التي تزوّج وأنجب فيها. وكم هو مثير للغضب والسخط أن يقضي بطلٌ مثل عمر، بهذه الطريقة، وداخل سفارة فلسطين، بعد أن مارس عليه السفير أحمد المذبوح ضغوطاً كبيرة ليسلم نفسه للسلطات البلغارية، بحسب ما نقل عنه أفراد أسرته وأصدقاؤه والجبهة الشعبية التي كان مناضلاً فيها.
ومع أن أصابع الاتهام وُجِّهت مباشرة نحو إسرائيل، صاحبة المصلحة الأولى في التخلص من المناضلين الفلسطينيين، خصوصاً الذين آلموها وأذلوها، وكان الشهيد المغدور منهم؛ إلاّ أن لهذه الجريمة ما يميّزها عن عمليات اغتيال سابقةٍ نفذتها إسرائيل. فأولاً ملابسات الحادث وظروفه غامضة، فلم يسبق أن اغتالت إسرائيل شخصاً باستخدام سلاحٍ أبيض، أو ضرباً حتى الموت، كما حصل مع النايف. وبحسب حالاتٍ سابقة، عادة ما تحرص إسرائيل على ترك بصماتها، حتى وإن لم تعلن عن عملياتها في الخارج، لتصل الرسالة من العملية، وهي رسالة مزدوجة، تهدف إلى إرهاب الشعب الفلسطيني ومقاومته، وطمأنة المجتمع الصهيوني، ورفع معنوياته. كما أن الروايات بعد الحادث مباشرة جاءت متضاربة، ففي وقتٍ زعم فيه السفير أن النايف كان حياً، حين عَثر عليه طاقم السفارة مُلقى في فناء مبناها الخلفي، قبل أن يفارق الحياة في الطريق إلى المستشفى؛ أكّد أقارب الشهيد أن أحد موظفي السفارة عثر عليه جثةً، حين وصل صباحاً إلى مبنى السفارة الذي كان خالياً من أي موظف أو رجال أمن وحماية.
وبعيداً عمّن ارتكب الجريمة البشعة، وبعيداً عن ظروفها، لا يجوز تناولها بمعزل عمّا سبقها من سلوك مشين من القيادة الفلسطينية المتنفذة وسفارتها في صوفيا تجاه الشهيد، وهو سلوك يحمل دلالة كبيرة. أظهر إلى أي مدى أضحت الطبقة السياسية الفلسطينية، أكثر من أي وقت مضى، منفصلة عن قضية فلسطين التي نعرفها، وناضل نُصْرَة لها مئات الآلاف من فلسطينيين وعرب وأُمَمِيين، وقضى آلافٌ منهم شهداء. قضية فلسطين التي نعرفها هي غير التي زيّفَتْهَا الطبقة السياسية الفلسطينية المتنفّذة منذ دخولها في مسيرة التسوية، واختزلتها إلى مجرد إقامة دولة، صديقة لإسرائيل ومندمجة في المنظومة الدولية الأميركية، ضمن حدود 1967.
كان عمر النايف يستحق التكريم والتمجيد والحماية بكل السُبل، من أي قيادةٍ تحترم شعبها، وتضحيات مناضليه، وما زالت تؤمن بالأهداف الوطنية التي حملتها الثورة الفلسطينية المعاصرة، لا أن يُحاصَر داخل السفارة. كان حرياً بذلك السفير، إن كانت له فعلاً مرجعية وطنية، لا أن يفتح أبواب سفارته التي يُفترض أن تكون سفارة الشعب الفلسطيني، لعمر النايف وحسب؛ بل أن يعتصم معه داخلها، وأن يعمل، هو والجهاز الدبلوماسي الفلسطيني الذي يتبعه، على تحويل قضية عمر إلى ساحة للنضال، وقضية رأي عام في بلغاريا وأوروبا كلها، مهما كانت التبعات.
بعد الجريمة النكراء، ما عاد مقبولاً أبداً الصمت على انحراف هذه الطبقة السياسية المُتنفّذة، والتي تُنسّق أمنياً مع الاحتلال، وتقف موقف المتفرج من جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، ولا تستحي من التصدّي لانتفاضة هذا الشعب ومقاومته الاحتلال، وهو حق مشروع وأصيل، خصوصاً في ظل الفشل الذريع والبائن لمشروعها السياسي الهابط.
على محمود عباس الرحيل، هو وكل الطبقة السياسية التي يمثلها، وإنْ لم يفعلوا فقد بات عَزْل هذه القيادة وفضحها واجباً وطنياً، وما عاد مقبولاً من أحد إسباغ شرعية عليها، وقد أضحت، بكل وضوح، عبئاً يُثقل كاهل الشعب الفلسطيني إلى جانب الاحتلال، لا معيناً له، وبالتأكيد لا تمثله، ولا تمثل قضيته.
النايف بطل فلسطيني، اعتقله الاحتلال في عام 1986، بتهمة تصفية مستوطن، وتمكّن من الهرب في عام 1990، بعد أن أُدخل إلى مستشفى في بيت لحم، إثر خوضه إضراباً عن الطعام، في عملية جريئة ونادرة، ومُذلة لإسرائيل، ثم استطاع أن يصل إلى أوروبا ويستقر في بلغاريا التي تزوّج وأنجب فيها. وكم هو مثير للغضب والسخط أن يقضي بطلٌ مثل عمر، بهذه الطريقة، وداخل سفارة فلسطين، بعد أن مارس عليه السفير أحمد المذبوح ضغوطاً كبيرة ليسلم نفسه للسلطات البلغارية، بحسب ما نقل عنه أفراد أسرته وأصدقاؤه والجبهة الشعبية التي كان مناضلاً فيها.
ومع أن أصابع الاتهام وُجِّهت مباشرة نحو إسرائيل، صاحبة المصلحة الأولى في التخلص من المناضلين الفلسطينيين، خصوصاً الذين آلموها وأذلوها، وكان الشهيد المغدور منهم؛ إلاّ أن لهذه الجريمة ما يميّزها عن عمليات اغتيال سابقةٍ نفذتها إسرائيل. فأولاً ملابسات الحادث وظروفه غامضة، فلم يسبق أن اغتالت إسرائيل شخصاً باستخدام سلاحٍ أبيض، أو ضرباً حتى الموت، كما حصل مع النايف. وبحسب حالاتٍ سابقة، عادة ما تحرص إسرائيل على ترك بصماتها، حتى وإن لم تعلن عن عملياتها في الخارج، لتصل الرسالة من العملية، وهي رسالة مزدوجة، تهدف إلى إرهاب الشعب الفلسطيني ومقاومته، وطمأنة المجتمع الصهيوني، ورفع معنوياته. كما أن الروايات بعد الحادث مباشرة جاءت متضاربة، ففي وقتٍ زعم فيه السفير أن النايف كان حياً، حين عَثر عليه طاقم السفارة مُلقى في فناء مبناها الخلفي، قبل أن يفارق الحياة في الطريق إلى المستشفى؛ أكّد أقارب الشهيد أن أحد موظفي السفارة عثر عليه جثةً، حين وصل صباحاً إلى مبنى السفارة الذي كان خالياً من أي موظف أو رجال أمن وحماية.
وبعيداً عمّن ارتكب الجريمة البشعة، وبعيداً عن ظروفها، لا يجوز تناولها بمعزل عمّا سبقها من سلوك مشين من القيادة الفلسطينية المتنفذة وسفارتها في صوفيا تجاه الشهيد، وهو سلوك يحمل دلالة كبيرة. أظهر إلى أي مدى أضحت الطبقة السياسية الفلسطينية، أكثر من أي وقت مضى، منفصلة عن قضية فلسطين التي نعرفها، وناضل نُصْرَة لها مئات الآلاف من فلسطينيين وعرب وأُمَمِيين، وقضى آلافٌ منهم شهداء. قضية فلسطين التي نعرفها هي غير التي زيّفَتْهَا الطبقة السياسية الفلسطينية المتنفّذة منذ دخولها في مسيرة التسوية، واختزلتها إلى مجرد إقامة دولة، صديقة لإسرائيل ومندمجة في المنظومة الدولية الأميركية، ضمن حدود 1967.
كان عمر النايف يستحق التكريم والتمجيد والحماية بكل السُبل، من أي قيادةٍ تحترم شعبها، وتضحيات مناضليه، وما زالت تؤمن بالأهداف الوطنية التي حملتها الثورة الفلسطينية المعاصرة، لا أن يُحاصَر داخل السفارة. كان حرياً بذلك السفير، إن كانت له فعلاً مرجعية وطنية، لا أن يفتح أبواب سفارته التي يُفترض أن تكون سفارة الشعب الفلسطيني، لعمر النايف وحسب؛ بل أن يعتصم معه داخلها، وأن يعمل، هو والجهاز الدبلوماسي الفلسطيني الذي يتبعه، على تحويل قضية عمر إلى ساحة للنضال، وقضية رأي عام في بلغاريا وأوروبا كلها، مهما كانت التبعات.
بعد الجريمة النكراء، ما عاد مقبولاً أبداً الصمت على انحراف هذه الطبقة السياسية المُتنفّذة، والتي تُنسّق أمنياً مع الاحتلال، وتقف موقف المتفرج من جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، ولا تستحي من التصدّي لانتفاضة هذا الشعب ومقاومته الاحتلال، وهو حق مشروع وأصيل، خصوصاً في ظل الفشل الذريع والبائن لمشروعها السياسي الهابط.
على محمود عباس الرحيل، هو وكل الطبقة السياسية التي يمثلها، وإنْ لم يفعلوا فقد بات عَزْل هذه القيادة وفضحها واجباً وطنياً، وما عاد مقبولاً من أحد إسباغ شرعية عليها، وقد أضحت، بكل وضوح، عبئاً يُثقل كاهل الشعب الفلسطيني إلى جانب الاحتلال، لا معيناً له، وبالتأكيد لا تمثله، ولا تمثل قضيته.