13 نوفمبر 2024
بعض الظنّ إثم
تظنّ بعض القوى السياسية العربيّة الفاعلة في إسرائيل، وإن كان بعض الظن إثماً، أن الجنرال بيني غانتس، زعيم تحالف "أزرق أبيض" الصهيوني الذي فاز بمكانة الحزب الأكبر في انتخابات الكنيست الـ22 التي جرت يوم 17 سبتمبر/ أيلول الحالي، سيكون بمثابة المُنقذ من حُكم بنيامين نتنياهو المستمر منذ عقد.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن زعيم إحدى تلك القوى قوله، في معرض تسويغ مبرّر توصية ثلاثة من أحزاب القائمة المشتركة الأربعة بتكليف غانتس مهمة تأليف الحكومة المقبلة خلال اللقاء مع رئيس الدولة الإسرائيلية: "شهدنا الانتخابات الأصعب منذ عام 1948 من حيث التحريض ضد مواطني إسرائيل العرب. لقد تم تحويلنا إلى جماعة غير مشروعة في السياسة الإسرائيلية".
لديّ من الأسباب ما يكفي لكي أرجّح أن هذه المقولة لم تصدر من منطلق عزل تلك الانتخابات عن سياق إسرائيل بوصفها دولة احتلال، ولا عن كينونتها العامة المؤدلجة بالصهيونية، فكراً وممارسة، ولكنها حتى في خضم عدم احتكامها إلى هذا المنطلق قد نأت عنه، نظراً إلى أن ذلك التحريض هو أحد البراهين على أن العنصرية في إسرائيل بنيوية. وهي كذلك حتى وفقاً لأدوات قياسٍ تصدر عن منظمات وشخصيات إسرائيلية عديدة.
على سبيل المثال، حين دافع إسرائيليون كثيرون عن هذه العنصرية قبل أعوام، من خلال الإشارة إلى أن العرب يتعرّضون أيضاً للتمييز العنصري في فرنسا أو ألمانيا، وإسرائيل ليست أسوأ من هاتين الدولتين؛ حاججتهم عالمة الاجتماع الإسرائيلية، إيفا إيلوز، بأن العنصرية التي مصدرها السكان تختلف جذرياً عن العنصرية التي مصدرها قوانين الدولة، أي العنصرية البنيوية، حيث إنه بعد مأسسة العنصرية والمصادقة عليها من الكيان الأقوى (الدولة) فإن القيم العامة ضد العنصرية تضعف كثيراً. وبرأيها، بينما تبدو معارضة العنصرية وحماية حقوق الإنسان في إسرائيل "مواقف يسارية متطرفة"، فإنها في الدول الليبرالية فعلاً قيم أساسية مشتركة لليسار واليمين على حدّ سواء. وبالإمكان قياس مستوى العنصرية في إسرائيل بطُرق أخرى، مثلاً من خلال فحص منظومة الإنكار.
وقبل محاججة إيلوز هذه، قال المؤرخ شلومو ساند إن العنصرية موجودة في كل مكان من العالم تقريباً، لكنها في إسرائيل غدت بنيويةً، بروح القوانين التي جرى ويجري سنّها منذ تأسيسها، ونظراً إلى أنها تُدرّس في جهاز التربية والتعليم، ومنتشرة على نطاق كبير في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، غير أن الأمر المروّع أكثر من أي شيء، في قراءته، هو أن العنصريين في إسرائيل لا يعرفون أو ينكرون أنهم كذلك، ولا يشعرون أبداً بوجوب الاعتذار.
يحيل هذا الواقع إلى أمور كثيرة، أبرزها وجود مفهومٍ مشوّه للديمقراطية، كما تظهر استطلاعات الرأي العام المتعلقة بنشاط منظمات حقوق الإنسان. ففي استطلاع، أجري قبل أعوام، قال نحو 58% من السكان اليهود إنه يجب عدم السماح للمنظمات التي تكشف عن ممارسات إسرائيلية غير أخلاقية بمزاولة نشاطها بحرية، فيما رأى نحو 52% أن في إسرائيل حرية للتعبير عن الرأي أكثر مما ينبغي. وظهر منه أيضاً أن غالبية السكان اليهود تؤيد معاقبة مواطنين يعبّرون عن تأييدهم فرض عقوبات على إسرائيل، ومعاقبة صحافيين ينشرون تقارير تكشف عن ممارساتٍ سلبيةٍ تنفذها الأجهزة الأمنية. وفي حينه، رأى المختص في علم النفس السياسي، دانيئيل بار – طال، أن جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي يدرّس التلاميذ عن سلطات الحكم وعن أنظمة الانتخابات، ولكنه لا يبذل أي جهد معمّق من أجل تكريس القيم الديمقراطية واستيعابها، فهذا الموضوع برمته يعتبر كما لو أنه "شأن خاص لليسار". وأفاد بأن حجم الجمهور الديمقراطي في إسرائيل لا يتعدى الـ 20% في مقابل نسبة مضاعفة في الغرب "الذي نريد أن نتشبه به"، متوقعاً أن تشهد هذه النسبة مزيداً من التراجع، على خلفية نشوء جيلٍ أصبحت القيم الديمقراطية غريبة تماماً بالنسبة إليه.
لديّ من الأسباب ما يكفي لكي أرجّح أن هذه المقولة لم تصدر من منطلق عزل تلك الانتخابات عن سياق إسرائيل بوصفها دولة احتلال، ولا عن كينونتها العامة المؤدلجة بالصهيونية، فكراً وممارسة، ولكنها حتى في خضم عدم احتكامها إلى هذا المنطلق قد نأت عنه، نظراً إلى أن ذلك التحريض هو أحد البراهين على أن العنصرية في إسرائيل بنيوية. وهي كذلك حتى وفقاً لأدوات قياسٍ تصدر عن منظمات وشخصيات إسرائيلية عديدة.
على سبيل المثال، حين دافع إسرائيليون كثيرون عن هذه العنصرية قبل أعوام، من خلال الإشارة إلى أن العرب يتعرّضون أيضاً للتمييز العنصري في فرنسا أو ألمانيا، وإسرائيل ليست أسوأ من هاتين الدولتين؛ حاججتهم عالمة الاجتماع الإسرائيلية، إيفا إيلوز، بأن العنصرية التي مصدرها السكان تختلف جذرياً عن العنصرية التي مصدرها قوانين الدولة، أي العنصرية البنيوية، حيث إنه بعد مأسسة العنصرية والمصادقة عليها من الكيان الأقوى (الدولة) فإن القيم العامة ضد العنصرية تضعف كثيراً. وبرأيها، بينما تبدو معارضة العنصرية وحماية حقوق الإنسان في إسرائيل "مواقف يسارية متطرفة"، فإنها في الدول الليبرالية فعلاً قيم أساسية مشتركة لليسار واليمين على حدّ سواء. وبالإمكان قياس مستوى العنصرية في إسرائيل بطُرق أخرى، مثلاً من خلال فحص منظومة الإنكار.
وقبل محاججة إيلوز هذه، قال المؤرخ شلومو ساند إن العنصرية موجودة في كل مكان من العالم تقريباً، لكنها في إسرائيل غدت بنيويةً، بروح القوانين التي جرى ويجري سنّها منذ تأسيسها، ونظراً إلى أنها تُدرّس في جهاز التربية والتعليم، ومنتشرة على نطاق كبير في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، غير أن الأمر المروّع أكثر من أي شيء، في قراءته، هو أن العنصريين في إسرائيل لا يعرفون أو ينكرون أنهم كذلك، ولا يشعرون أبداً بوجوب الاعتذار.
يحيل هذا الواقع إلى أمور كثيرة، أبرزها وجود مفهومٍ مشوّه للديمقراطية، كما تظهر استطلاعات الرأي العام المتعلقة بنشاط منظمات حقوق الإنسان. ففي استطلاع، أجري قبل أعوام، قال نحو 58% من السكان اليهود إنه يجب عدم السماح للمنظمات التي تكشف عن ممارسات إسرائيلية غير أخلاقية بمزاولة نشاطها بحرية، فيما رأى نحو 52% أن في إسرائيل حرية للتعبير عن الرأي أكثر مما ينبغي. وظهر منه أيضاً أن غالبية السكان اليهود تؤيد معاقبة مواطنين يعبّرون عن تأييدهم فرض عقوبات على إسرائيل، ومعاقبة صحافيين ينشرون تقارير تكشف عن ممارساتٍ سلبيةٍ تنفذها الأجهزة الأمنية. وفي حينه، رأى المختص في علم النفس السياسي، دانيئيل بار – طال، أن جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي يدرّس التلاميذ عن سلطات الحكم وعن أنظمة الانتخابات، ولكنه لا يبذل أي جهد معمّق من أجل تكريس القيم الديمقراطية واستيعابها، فهذا الموضوع برمته يعتبر كما لو أنه "شأن خاص لليسار". وأفاد بأن حجم الجمهور الديمقراطي في إسرائيل لا يتعدى الـ 20% في مقابل نسبة مضاعفة في الغرب "الذي نريد أن نتشبه به"، متوقعاً أن تشهد هذه النسبة مزيداً من التراجع، على خلفية نشوء جيلٍ أصبحت القيم الديمقراطية غريبة تماماً بالنسبة إليه.