ثلاثون سنةً مرّت على اعتلائه خشبة الدورة الأولى من "المهرجان الوطني لموسيقى الراي" في وهران. حينها، حاز الجائزة الأولى مناصفةً مع مغنٍّ شاب اسمُه خالد حاج ابراهيم. ولعلّ أحداً لم يتوقّع أن تلك المحطّة ستكون بدايةً لغياب طويل، بينما يسطع نجم الثاني ويُصبح مغنّي الراي الأكثر شهرةً، المتوّج بـ"العالمية"، تحت اسم "الشاب خالد".
كانت سنوات الغياب تلك كفيلةً بإدخال اسم بلقاسم بوثلجة طيّ النسيان. لكنه عاد مؤخّراً من خلال صوره التي تناقلتها بعض الصحف الجزائرية وصفحات الشبكات الاجتماعية، وفيها ظهر نحيلاً بسبب مرض السرطان، وقد فعلت به السنين فعلها. لم يجد بدّاً من توجيه نداء استغاثة إلى وزارة الثقافة والسلطات المحليّة في مدينة وهران من أجل مساعدته. وقبل أن يتحرّك أحدهم، جاء خبر رحيله أمس، عن 68 عاماً.
يمثّل جيل بوثلجة (1947 - 2015) حلقة وصل بين جيلين من مغنّيي الراي: جيل المؤسّسين وأبرز وجوهه الشيخة الريميتي، وجيلُ الشاب خالد والشاب مامي الذي أتى لاحقاً؛ إذ يُحسب له، إلى جانب أسماء أخرى، مثل بوطيبة الصغير وقويدر بن سعيد، إخراج أغنية الراي من الهامش وإعطاؤها بُعداً جديداً، من خلال إدخال آلاتٍ عصرية عليها، حتّى أنه لُقّب بـ "أب الراي". وقد أعطى تعاونه مع المغني مسعود بلمّو نقلةً نوعية في موسيقى الراي التي ستشق طريقها إلى العالمية في ما بعد.
زاوج بين الغناء وكتابة الكلمات، وتربّع على عرش الراي طيلة فترة منتصف الستينيات والسبعينيات؛ وحقّقت أغنياته وألحانه انتشاراً كبيراً، منذ أن قدّم، وعمره لم يتجاوز 13 عاماً، أغنيته "قاتلك زيزيا" (1965) التي استلهمها من التراث الشعبي المغربي، ثم تلتها أغانٍ ناجحة أخرى؛ مثل "ميلودة" و"سيدي القاضي" و"يا بنتي" و"يا لحمام".
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول الكاتب والباحث المهتم بموسيقى الراي محمد بن زيان: "إضافةً إلى تجديده في أغنية الراي، يتميّز بوثلجة بخامات صوته الاستثنائية، إذ يجمع بين الحزن والانكسار والتمرّد"، مضيفاً أنه "استلهم تمرّده من موسيقى الروك والبلوز، حيث انتشرت الكثير من الفرق المتأثّرة بالموسيقى الأميركية في وهران وبلعباس خلال تلك الفترة".
حظي بوثلجة بفرص كثيرة للعيش في فرنسا، مثل كثير من المغنّين الجزائريين، إلاّ أنه اختار البقاء في مدينته، رغم ظروفه المعيشية والصحية القاسية. هكذا، رحل قريباً من حي الحمري الشعبي، مسقط رأسه، مسدلاً الستار على جيل الروّاد في موسيقى الراي.