ثريا الفرشيشي، بنت القصرين الثّائرة على القهر والظّلم، عانت مطولاً من البطالة ومن مماطلات المسؤولين، أصيبت أيام الثورة التونسية وخضعت لعملية جراحية، لكن الثورة لم تنصفها فكانت من جرحاها، كما لم تنصفها الاحتجاجات التي خاضتها لتنال حظها في التشغيل، حالها حال عديد الشبان المتخرجين من الجامعة، الذين كلّوا من الاعتصامات المتتالية في عدة مناطق بالقصرين، فانتقلوا إلى العاصمة على أمل إيصال صوتهم، لكن من دون جدوى.
تتحدّر ثريا (34 عاماً)، من أسرة فقيرة، تتكون من ثلاث شابات عاطلات من العمل، توفي والدهن فتكفلت والدتهن المسنة برعايتهن، ولكن أجرها الزهيد لا يسد رمق الأسرة. وكانت ثريا قد تزوجت في سن مبكرة على أمل أن تتحسن ظروفها، ولكن الطلاق كان سريعاً، فعادت إلى بيت أهلها وفي كفالتها فتى يبلغ من العمر حاليا 16 عاما.
مضى على اعتصام الفرشيشي في العاصمة تونس، خمسة أشهر، بلا مأوى ولا مال، تاركة ابنها في القصرين، على أمل إيصال صوتها للمسؤولين، علّهم يرفعون عنها بعض المظالم التي طاولتها قبل الثورة وبعدها. ولكن تمضي الأيام، من دون أن تحمل أي جديد سوى لامبالاة المسؤولين ونظرتهم المتعالية للمعطلين عن العمل.
إرهاق الصيام، وأسئلة ابنها المحرجة، وأمله في أن تحصل والدته على شغل ليتمكن من شراء ما حُرم منه طيلة السنوات الماضية، وأن يعيش كأترابه، يزيد شعورها بالقهر والظلم.
أسباب عديدة دفعتها، في لحظة يأس، إلى قطع شرايين يدها، محاولةً الانتحار، بعد أن كرهت ثريا الحياة، ويئست من مماطلات وتجاهل المسؤولين، نزفت كثيراً، ولولا مساعي الكوادر الطبية لكانت فارقت الحياة.
تقول ثريا، لـ"العربي الجديد"، إن كرامتها لا تسمح لها بالنوم في الشارع، وترك ابنها وحيداً في محافظة القصرين، ومع ذلك تحدّت الظروف ومكثت في العاصمة قرابة الخمسة أشهر، على أمل أن تنصت إليها سلطة الإشراف، وتفتح ملفها. معتبرة أن مطالبها مختلفة، فهي لا تريد وظيفة عمومية، بل كل ما تأمله رفع المظالم والتضييق الذي ما فتئت تتعرض له، لتتمكن من العمل في أي مجال، أو تنشئ مشروعاً خاصاً.
وتضيف أن لديها تكويناً في الإعلام، وشاركت في عدة دورات في الصحافة، ثم عملت كمراسلة في صحيفة محلية يومية، مبينة أن مقالاتها المنتقدة لشبكات الفساد في جهتها، ولسوء أداء السلطات المحلية، كان سبباً في تضييق الخناق عليها، وإيصاد كل الأبواب في وجهها.
وتعتبر المتحدثة أنّ أكثر ما يؤلمها هو صمت وزارة الإشراف، وتجاهل أغلب المسؤولين ملف شباب القصرين، فلا أحد يهتم بآلامهم ومعاناتهم التي تتفاقم يوماً بعد يوم. شباب مفقر، لا يملك أبسط الاحتياجات في شهر رمضان، رغم أنه شهر التآزر والمحبة، فلا أحد يزورهم، وهم في فضاء لا شيء فيه يقيهم حرارة الشمس الساطعة.
بعد أن خرجت ثريا من المستشفى عادت مجدداً إلى الشارع، وإلى مقر الاعتصام أمام وزارة التشغيل، حيث توجد شقيقتها المعتصمة منذ أشهر، وتُدعي يمينة. وتؤكد ثريا أنها رغم الآلام وجروحها التي لم تندمل بعد، تحاول أن تظل صامدة، خاصة أن جرحها الأعمق اسمه البطالة.
تحتاج ثريا إلى أدوية وإلى مضادات حيوية لتتمكن من الشفاء، ولكن قلة ذات اليد جعلتها تحصل فقط على نصف الأدوية، كما تحتاج إلى أغذية تساعدها في الشفاء، ولكن ما يتوفر لديهم من طعام بالكاد يسد الرمق، رغم طول ساعات الصيام.