ويشغل راكان الجبوري، وهو من المكون العربي، منصب محافظ محافظة كركوك بالوكالة، منذ نهاية عام 2017، إثر اجتياح القوات العراقية مدينة كركوك واستعادة السيطرة عليها وطرد قوات "البشمركة" الكردية منها، عقب تداعيات تنظيم أربيل استفتاء للانفصال عن العراق شمل المدينة ومدناً أخرى مختلطة قومياً، خاضعة للمادة 140 من الدستور التي تتعلق بالمدن المختلف على إدارتها، إذ كان المنصب قبل هذا التاريخ محتكراً على المكون الكردي دون العربي والتركماني.
وتضم مدينة كركوك ثلاثة مكونات قومية رئيسة هي العربية والتركمانية والكردية، وتنشط أحزاب وحركات قومية فيها على عكس باقي المدن العراقية التي تتسع فيها دائرة الأحزاب والقوى السياسية ذات البعد الديني أو الطائفي.
ومساء أمس الأربعاء، طالب حزب "تركمان إيلي"؛ أحد أبرز الأحزاب التركمانية بالمدينة، بمنصب محافظ كركوك معتبراً أنه "من حصة المكون التركماني حصراً".
ودعا المتحدث باسم الحزب، في مؤتمر صحافي، عقده ليل الأربعاء، في المحافظة، رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، إلى "التدخل، وعزل المحافظ راكان الجبوري عن إدارة المنصب"، مؤكداً أن "المنصب يُشغل بالوكالة منذ ثلاث سنوات، وأن الإدارة المحلية فشلت ولم تتمكن من تحقيق توازن بين مكوناتها بشفافية".
وأشار إلى أن "عمل المحافظ وكالةً قد انتهى من الـ 25 من سبتمبر/ أيلول 2019، وفقاً للمادة 58 من قانون موازنة العام 2018، والتي حددت التاريخ المذكور كآخر موعد لجواز إدارة المناصب بالوكالة، وأن أي إجراء بعد ذلك يعد باطلاً ومخالفة قانونية تستوجب المساءلة القضائية"، داعياً إلى"إنهاء إدارة المنصب بالوكالة وتكليف شخصية تركمانية مقبولة ونائبين من المكون العربي والكردي، وفقاً للدستور، وتطبيقاً للعدالة الاجتماعية".
في المقابل، وصف عضو "الاتحاد الوطني الكردستاني" شوان كركوكلي، المنصب بأنّه "استحقاق التحالف الكردستاني" على ضوء نتائج الانتخابات المحلية التي أجريت في المحافظة وحاز الأكراد فيها على غالبية مقاعد مجلس المحافظة على حساب القوى السياسية التركمانية والعربية، معتبراً، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، أنّ "أي تسوية بشأن منصب محافظ كركوك يجب أن تتم من خلال الكتلة الفائزة بالانتخابات المحلية"، في إشارة إلى انتخابات مجالس المحافظات عام 2013.
وشدد على أنه "وفقاً للانتخابات الأخيرة، فإن المنصب من استحقاقنا، ويجب على الكاظمي ألا يقبل باستمرار هذا الخرق، وأن يعمل على ترسيخ الاستقرار بكركوك من خلال إعادة الحقوق لأصحابها وفقاً للدستور".
مسؤولون في المحافظة أكدوا أن الخلافات عادت مجدداً بين المكونات بشأن منصب المحافظ، بالتزامن مع الجدل والخلافات القائمة حالياً بين القوى السياسية ورئيس الحكومة على المناصب الاتحادية في بغداد، معتبرين أن ذلك سينعكس سلباً على استقرار المدينة.
وفاز المحافظ الحالي للمدينة راكان الجبوري بمقعد في البرلمان، وفق الانتخابات الأخيرة عام 2018، وكان من المفترض أن يتخلى عن المنصب ويردد القسم البرلماني كعضو في البرلمان، إلا أنه لغاية الآن لم يلتحق بالبرلمان ولم يؤدِ اليمين الدستورية، وهو مستمر في عمله كمحافظ لكركوك بالوكالة.
وبحسب مسؤول محلي في المدينة، فإن الوضع الراهن غير مناسب تماماً لأي مشكلة سياسية بالمحافظة، لاسيما وسط وباء كورونا وتصاعد تهديدات تنظيم "داعش" الإرهابي، والأزمة المالية التي أثرت على سير مشاريع وجوانب مهمة بالمدينة.
وقال المسؤول الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "المطالبات بالمنصب الآن تقف خلفها رغبات بالسلطة والسيطرة، وهناك توافق سني شيعي في بغداد على رفض أي محاولات من القوى الكردية الانفراد بقرار كركوك الأمني أو الإداري".
وعلى خلاف هذه المواقف، علّق عضو "الجبهة العربية في كركوك" محمد الجبوري، على عودة ما أسماها "أصوات المناصب"، للحديث عن منصب المحافظ، واصفاً إياها بأنها "معيبة"، مضيفاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المحافظ يحقق نجاحاً في إدارته ملف الخدمات والأمن والإعمار بالمحافظة وهذه تعود بالنفع على جميع سكان كركوك، وأثبت أنه عراقي قبل أن يكون عربياً وهذا يكفي"، معتبراً أن "تلك الدعوات يجب أن تؤجل لحين اجتياز العراق محنة جائحة كورونا والأزمة المالية واحتواء تهديدات داعش".
ويؤكد مراقبون أن الأوضاع في كركوك لا تتحمل تفجر أزمة جديدة، وعلى بغداد أن تتدخل لأجل حسم الخلاف الدائر وتهدئة الأوضاع. وقال الخبير في الشأن السياسي خالد البياتي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأوضاع الحالية في كركوك، والتي تشهد توتراً أمنياً وتصاعداً بأعمال العنف، تحتم اللجوء إلى التهدئة وعدم إثارة الملفات الحساسة، للحفاظ على استقرار المحافظة".
وشدد على "ضرورة تدخل رئيس الحكومة بشأن هذا الملف، وعدم السماح لأي طرف بالتصعيد السياسي بشأنه، ومنع جرّ المحافظة نحو خلافات مكوّناتية لا تخدم أي طرف منها".