03 نوفمبر 2024
بوتفليقة.. الجيش ومستقبل الجزائر
على الرغم من تصاعد وتيرة الانتقادات الموجهة إلى الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، من خصومه السياسيين، إلا أن ذلك لا يمكنه أن ينسخ أو يطمس ما حققه الرجل في أثناء رئاسته هذا البلد الضخم والمهم في منطقة المغرب الكبير. ولعله من المفيد تنشيط الذاكرة، بالإشارة إلى أن بوتفليقة تسلم رئاسة الدولة في أعقاب الحرب الأهلية التي عصفت بالجزائر، والتي اندلعت بعد تدخل الجيش، وإقدامه على إلغاء الدورة الثانية من الانتخابات الديمقراطية البرلمانية الأولى من نوعها، وهو ما قضى على حلم الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الوصول إلى السلطة، وإعلانها إقامة دولتها الأيديولوجية.
كان الرد على ذلك الزلزال هو انتقال الجبهة من محاولة الوصول إلى الحكم عن طريق الآليات الانتخابية إلى حمل السلاح والصعود إلى الجبال، والسعي إلى السيطرة على السلطة بالقوة. وكان حصاد تلك الحرب مؤلما ورهيبا وثقيلا في الخسائر البشرية والمادية. وقد أدرك بوتفليقة أنه لا يمكن حسم ذلك الصراع الدموي عبر المعالجة الأمنية والعسكرية. لهذا اختار الحل السياسي من خلال مبادرة الوئام المدني، وهي المبادرة التي أدت إلى تخلي الأغلبية الواسعة من الجماعات المسلحة المنبثقة عن جبهة الإنقاذ، ما ترتب عنه تبخر الجبهة، بعد انقسام أهم مكوناتها. أما الإنجاز الآخر الذي يحسب لصالح بوتفليقة فإنه يخص قطع أظافر المؤسسة العسكرية، وإقامة مسافة بين الجيش والسلطة التنفيذية، وهو ما جعله ينفرد تقريبا بإدارة شؤون الدولة.
مع أهمية الاستقرار الأمني والسياسي الذي عرفته البلاد طوال المرحلة السابقة، بفضل الحيلولة دون تسرب التنظيمات الارهابية إلى داخل الجزائر، وهو ما وفر له شعبية واسعة في صفوف الجزائريين الذين أصبحوا مسكونين بما خلفته الحرب الأهلية من مآسٍ مرعبة، إلا أن حكم بوتفليقة تعرض لهزتين قويتين. تمثلت الأولى في انهيار أسعار برميل النفط، ما أثر بشكل درامي على مداخيل الدولة التي اعتمدت تاريخيا على اقتصاد ريعي وهش. وهو ما كشف عن خلل بنيوي، توارثته مختلف أجيال الطبقة الحاكمة في الجزائر، ويتعلق بعدم تهيئة البلاد حتى تتمكن من مواجهة لحظة نضوب الثروة النفطية، أو انتكاس أسعارها. وقد دقّت هذه اللحظة بقوة، ما جعل المواطنين في حالة فزع، وهو ما جعل القيادة المالية والسياسية في الجزائر تلجأ مرة أخرى إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي، بعد أن سبق للرئيس بوتفليقة أن دفع كل ديون الجزائر.
المعضلة الثانية التي أضرت بصورة الرئيس الجزائري، وكثفت من حجم السحب الداكنة التي تراكمت تدريجيا في سماء هذا البلد، أن المرض الذي ألم به، وأقعده على كرسي متحرّك، منعه من الظهور الاعلامي المتواصل، وحالت دون مخاطبته الجزائريين بشكل مباشر. فهم لم يروا رئيسهم، ولم يستمعوا له منذ ثلاث سنوات على الأقل.
تصدّع المنظومة الاقتصادية الريعية، وغياب بوتفليقة، وانقطاعه عن التواصل مع الشعب، وضع الجزائريين في حيرة من مستقبلهم، وجعل معارضين على عجلةٍ من أمرهم، وهو ما جعل بعضهم يتوجه إلى الجيش، ويطالبه بالتدخل مرة أخرى. متعللين في ذلك بما وصفوه عجز رئيس الجمهورية عن أداء مهامه، وهو ما يقتضي إزاحته من منصبه، وفتح المجال أمام تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها.
لم يتأخر رد فعل بوتفليقة على هذه التهديدات، حيث أعلن، في رسالةٍ موجهةٍ، إلى الشعب الجزائري أن "الجيش الوطني الشعبي يقوم بمهمته الدستورية في حماية الحدود، ولا بد من الإبقاء على هذه المؤسسة الجمهورية في منأىً عن المزايدات والطموحات السياسوية". ومن غير الوارد أن يستجيب الجيش لهذه الدعوة، لكنها تبقى دعوةً مستغربة، عندما تصدر عن أطرافٍ من المعارضة، حتى لو كانت مستقلة.
تحتاج الجزائر إلى التفكير بهدوء، وأن يتمسك الجميع بأعصابهم، وأن يجنبوا البلد هزّة سياسية، من شأنها أن تضع البلاد أمام المجهول. فالقادم أصعب، وإذا لم يتم التعامل مع كل الاحتمالات الواردة بعقلانية وحكمة، فإن تداعيات ذلك لن تقف فقط عند حدود الجزائر.
كان الرد على ذلك الزلزال هو انتقال الجبهة من محاولة الوصول إلى الحكم عن طريق الآليات الانتخابية إلى حمل السلاح والصعود إلى الجبال، والسعي إلى السيطرة على السلطة بالقوة. وكان حصاد تلك الحرب مؤلما ورهيبا وثقيلا في الخسائر البشرية والمادية. وقد أدرك بوتفليقة أنه لا يمكن حسم ذلك الصراع الدموي عبر المعالجة الأمنية والعسكرية. لهذا اختار الحل السياسي من خلال مبادرة الوئام المدني، وهي المبادرة التي أدت إلى تخلي الأغلبية الواسعة من الجماعات المسلحة المنبثقة عن جبهة الإنقاذ، ما ترتب عنه تبخر الجبهة، بعد انقسام أهم مكوناتها. أما الإنجاز الآخر الذي يحسب لصالح بوتفليقة فإنه يخص قطع أظافر المؤسسة العسكرية، وإقامة مسافة بين الجيش والسلطة التنفيذية، وهو ما جعله ينفرد تقريبا بإدارة شؤون الدولة.
مع أهمية الاستقرار الأمني والسياسي الذي عرفته البلاد طوال المرحلة السابقة، بفضل الحيلولة دون تسرب التنظيمات الارهابية إلى داخل الجزائر، وهو ما وفر له شعبية واسعة في صفوف الجزائريين الذين أصبحوا مسكونين بما خلفته الحرب الأهلية من مآسٍ مرعبة، إلا أن حكم بوتفليقة تعرض لهزتين قويتين. تمثلت الأولى في انهيار أسعار برميل النفط، ما أثر بشكل درامي على مداخيل الدولة التي اعتمدت تاريخيا على اقتصاد ريعي وهش. وهو ما كشف عن خلل بنيوي، توارثته مختلف أجيال الطبقة الحاكمة في الجزائر، ويتعلق بعدم تهيئة البلاد حتى تتمكن من مواجهة لحظة نضوب الثروة النفطية، أو انتكاس أسعارها. وقد دقّت هذه اللحظة بقوة، ما جعل المواطنين في حالة فزع، وهو ما جعل القيادة المالية والسياسية في الجزائر تلجأ مرة أخرى إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي، بعد أن سبق للرئيس بوتفليقة أن دفع كل ديون الجزائر.
المعضلة الثانية التي أضرت بصورة الرئيس الجزائري، وكثفت من حجم السحب الداكنة التي تراكمت تدريجيا في سماء هذا البلد، أن المرض الذي ألم به، وأقعده على كرسي متحرّك، منعه من الظهور الاعلامي المتواصل، وحالت دون مخاطبته الجزائريين بشكل مباشر. فهم لم يروا رئيسهم، ولم يستمعوا له منذ ثلاث سنوات على الأقل.
تصدّع المنظومة الاقتصادية الريعية، وغياب بوتفليقة، وانقطاعه عن التواصل مع الشعب، وضع الجزائريين في حيرة من مستقبلهم، وجعل معارضين على عجلةٍ من أمرهم، وهو ما جعل بعضهم يتوجه إلى الجيش، ويطالبه بالتدخل مرة أخرى. متعللين في ذلك بما وصفوه عجز رئيس الجمهورية عن أداء مهامه، وهو ما يقتضي إزاحته من منصبه، وفتح المجال أمام تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها.
لم يتأخر رد فعل بوتفليقة على هذه التهديدات، حيث أعلن، في رسالةٍ موجهةٍ، إلى الشعب الجزائري أن "الجيش الوطني الشعبي يقوم بمهمته الدستورية في حماية الحدود، ولا بد من الإبقاء على هذه المؤسسة الجمهورية في منأىً عن المزايدات والطموحات السياسوية". ومن غير الوارد أن يستجيب الجيش لهذه الدعوة، لكنها تبقى دعوةً مستغربة، عندما تصدر عن أطرافٍ من المعارضة، حتى لو كانت مستقلة.
تحتاج الجزائر إلى التفكير بهدوء، وأن يتمسك الجميع بأعصابهم، وأن يجنبوا البلد هزّة سياسية، من شأنها أن تضع البلاد أمام المجهول. فالقادم أصعب، وإذا لم يتم التعامل مع كل الاحتمالات الواردة بعقلانية وحكمة، فإن تداعيات ذلك لن تقف فقط عند حدود الجزائر.