في "مواطن الدرجة الثانية" و"مسرّات الأمومة" و"ثمن العروس" وصولاً إلى آخر رواية صدرت لها عام 2000 بعنوان "القبيلة الجديدة"، ظلّ سؤال الكاتبة النيجيرية البريطانية بوشي إمشاتا (1944-2017)، التي رحلت في لندن مؤخراً، هو كيف يمكن للمرأة النجاة في صراعها مع الثقافة والتقاليد والمجتمع، وما يُتوقع منها، وما يفترض فيها أن تفعل، وما يحظر عليها أن تقوم به.
كانت المرأة المهمّشة التي تحاول العبور إلى مساحة من الضوء بطلة مألوفة في أعمالها. وربما يكون في رحيلها يوم 25 كانون الثاني/ يناير الماضي، وغياب خبر وفاتها عن الصحافة وعدم تناقله إلا متأخراً حتى في الصحافة البريطانية، أحد أشكال التهميش التي ناضلت ضدّها، فقد نسيت المرأة الكاتبة الأفريقية التي لم تكن نجمة بالمعنى الصحافي، وعاشت سنواتها الأخيرة تعاني من فقدان الذاكرة والخرف والشلل، وكذلك نسي العالم الضجة التي أحدثتها روايتها "مواطن الدرجة الثانية" عند صدورها سنة 1974.
هذه الرواية وكذلك تلك التي سبقتها -"المنبوذة" (1972)- كانتا توثيقاً لحياتها، وفيها قدّمت شخصية الأم العزباء التي تعيش في ضواحي شمال لندن الفقيرة، واستمرت في تقديم هذه الشخصية وهذه الحياة المريرة في الفقر والعنف في رواية حملت عنواناً ساخراً وهو "مسرّات الأمومة"، ولكنها نقلت الأحداث لتدور هذه المرة في المجتمع النيجيري في الحقبة الكولونيالية.
شخصيات إمشاتا مثلها عنيدات يصارعن حتى الموت، ويقاومن ويدفعن حياتهن ثمناً للحرية التي ينشدنها، المرأة السوداء في صراع مركّب لديها بين التحرر من العبودية التي تفرض عليها كعرق ثم القيود التي لا تقل تعقيداً والتي تقع عليها كجندر.
يمكن وصف إمشاتا بالرائدة في الأدب الأفريقي بالنسبة إلى جيلها، كافحت من أجل حقّها في الكتابة بعد أن أحرق زوجها -الذي تزوجته وهي طفلة- مسودة أول رواية لها، فهجرته متحدّية ومنحازة إلى الكتابة ومفضّلة هذا المصير الأدبي لنفسها، تركته بعد أنجبت خمسة أطفال أعالتهم وحدها، عملت نهاراً ودرست ليلاً إلى أن حصلت على درجة الأستاذية في علم الاجتماع من جامعة لندن.
قصة إمشاتا مليئة بالتفاصيل التي روتها في سيرتها "الرأس فوق الماء"، حيث كانت تؤكد في كل تفصيل على أن خلاص المجتمعات المتأخرة لا يمكن تحقيقه من دون استقلال المرأة.