16 ابريل 2017
بومبيدو.. السنوات الذهبية تحت الجمهورية الفرنسية الخامسة
لا يمكن الحديث عن جورج بومبيدو رئيساً للجمهورية الفرنسية، وعاملاً في الشأن السياسي، ورافعة للتيار الديغولي، في مرحلة ما بعد استقالة الجنرال (وقبلها)، من دون العودة إلى جذوره الأهلية والتربية العائلية التي تلقاها، لأنّ الرجل سيصبح رئيس البلاد الوحيد القادم من محيط شعبي، عمالي ونقابي، لا خلفية عسكرية أو أيديولوجية تحكم مساره السياسي، وتدرّجه من مستشار بيداغوجي في مكتب شارل ديغول إلى رئيس للوزراء في أول ولاية رئاسية تحت الجمهورية الخامسة، وصولا إلى انتخابه رئيسا صيف 1969.
والباحث في بيوغرافيا بومبيدو، يمكنه العودة بسهولة إلى المجتمع الأهلي الذي نشأ فيه ابن "الكانتال" في "أوفرن"، فجده كان مزارعا ونقابيا معجبا بالاشتراكي العنيد جان جوريس، ووالداه اللذان كان يعملان مدرّسين في ثانويات مدينة مونبوديف نشطا في القسم الفرنسي للعمالية الدولية (SFIO) الذي أصبح لاحقا الحزب الاشتراكي الفرنسي. وليست مصادفةً أن ينشأ بومبيدو يسارياً في ظل الجو السائد في عائلته ومدينته، الأمر الذي ترك فيه بصمة واضحة في أثناء مزاولته الحكم رئيساً يمينياً جمهورياً، تغلب عليه الطبعة الاشتراكية.
كتب إريك روسيل، في أغسطس/ آب الماضي، في صحيفة لونوفيل أوبسرفاتور مادة عنونها "ماكرون.. بومبيدو الجديد"، قارب فيها ظروف نشأة وزير الاقتصاد السابق والمرشح الحالي لرئاسيات 2017، في أسرة اشتراكية، وفي محيط صقل فيه وعياً يسارياً وثقافة كبيرة، بظروف نشأة بومبيدو، وخياراته اللاحقة. والحال أنّ التشابه لا يمكن أن يكون تفصيلا، كما تقول كلير غالوا في إحدى مقالاتها في "لوبوان"، صيف 2016. لأن الثقافة والإرث الأدبي الكبير سمحا لكل من ماكرون وبومبيدو في تسخير الذاكرة الاشتراكية الأهلية في التعاطي مع مكونات سياسية، لا تتقاطع مع تلك التجربة اليسارية.
انتخابات 1969.. وأزمة اليسار
عندما شغل بومبيدو منصب رئاسة الحكومة في عهد ديغول، كان الجميع يعلم أنّه الوريث الشرعي للجنرال، وأنّه الوحيد القادر على تمكين الديغولية تياراً جمهورياً له خلفية في المقاومة والثقافة والحاضر السياسي. تعامل بومبيدو بحنكة شديدة مع ثورة 1968 الطلابية، وأشرف على ملف الانتخابات التشريعية، ليقود الديغوليين إلى فوز كبير في 30 يونيو/ حزيران 1968.
بعد استقالة ديغول عشية التصويت بـ"لا" على القانون الذي طرحه حول المحافظات وإصلاح مجلس الشيوخ، شغل رئيس المجلس، وفقا للدستور، آلان بوهر، منصب رئيس الجمهورية، وتمت الدعوة إلى انتخابات رئاسية مطلع يونيو/ حزيران. دبّ الخلاف في الأوساط الديغولية حول عدد من الأسماء، برز من بينها اسم رينيه كابيتان الذي مثّل التيار اليساري عند الديغوليين، وهو الذي دفع بديغول إلى طرح مشروع القانون الإصلاحي على الاستفتاء الشعبي، لكنّ كابيتان سرعان ما انسحب من سباق الترشيحات، لأسبابٍ صحية بالدرجة الأولى، ولالتزامه بخط صديقه ديغول.
يميناً، استقرت الترشيحات على اسم جورج بومبيدو، ليكون مرشح التيار الديغولي، وكان من الطبيعي جداً أن يعلن آلان بوهر (يمين الوسط)، رئيس مجلس الشيوخ سابقاً، رغبته في الوصول إلى الإليزيه، خصوصاً بعد الاستطلاعات التي كشف عنها الـ IFOP حول قدرة بوهر على الحصول على نسبة 39% من الأصوات في الدور الأول، ليحل خلف بومبيدو مباشرة، ويتفوق عليه لاحقاً مع أصوات اليسار التي ستصب لصالحه في الدور الثاني، مع نسبة تقارب 56%.
على اليسار، كانت الأمور، هذه المرة، أشد تعقيدا، وكان اسم بيير منديس فرانس الأكثر إغراء، ذلك أنّ اليساري العتيق أصبح مثالا لدى جيلٍ واسع من اليساريين، وألهم تجارب اشتراكية عديدة، مثل تجربة ميشال روكار، أو سواه ممن وجدوا فيه معلّما سياسيا، صاحب مبادئ يلتزم بها، حتى لو كانت خاطئة أحيانا.
في السيرة الذاتية التي سطّرها إريك روسيل (دار غاليمار، 2007) عن بيير منديس فرانس، يقول إنّ الرجل لم يكن يريد الترشّح للانتخابات عام 1969، لكنّه كان مرنا في قبول منصب رئاسة الحكومة، في حال وصول مرشح يساري إلى الرئاسة. يضيف روسيل "استقرّ الخيار على غاستون ديفير مرشح الـ SFIO (واقتراح مينديس فرانس رئيسا للحكومة في حال فوز ديفير)، لكنّ الرجل كان مكروها من المتيرانيين والشيوعيين الذين سارعوا إلى ترشيح جاك دوكلو، فيما أعلن ميشال روكار ترشحه عن الحزب الاشتراكي الموحد (PSU)، كما شهدت تلك الانتخابات مشاركة الرابطة الشيوعية (LC)، عبر الشاب آلان كريفين الذي أصبح لاحقا وجها تاريخيا لليسار الراديكالي في فرنسا".
أطلق مرشح الحزب الشيوعي الفرنسي، جاك دوكلو، جملته، عشية الدور الأول "الشخصيتان لا تختلفان أبدا في البرنامج والأهداف والأفكار التي تحملانها"، وكان دوكلوس عالما بصعوبة تجاوز الدور الأول، على الرغم من الحملة الانتخابية الممتازة التي تمكّن الحزب من إنجازها في أقل من شهر، لأسبابٍ عديدةٍ، في مقدمتها تشتت اليسار ووجوده في الانتخابات، عبر أربعة مرشحين، في مقابل وحدة اليمين ويمين الوسط حول بومبيدو وبوهير.
وبالفعل، نجح بومبيدو بتصدّر الدور الأول بنسبة 44%، وجاء بوهير خلفه مباشرة (23%)، مع فارق بسيط عن مرشح الحزب الشيوعي دوكلو (21,3%)، وخروج مدوٍّ لغاستون ديفير (5%) أمام روكار (3,6%) وكيرفين (1%).
رفض الحزب الشيوعي الفرنسي المشاركة في الدور الثاني، ودعا أنصاره إلى المقاطعة نظرا لـ "تطابق في الرؤية والبرنامج لدى كلا المرشحين اللذين تجاوزا الدور الأول".
قضية ماركوفيتش والموت المفاجئ
ليس خافياً أنّ عهد جورج بومبيدو يعد الأفضل في تاريخ الجمهورية الخامسة، من حيث الازدهار والرخاء الاقتصادي، وتميّز عهده باهتمام كبير في قطاع الصناعة. لذلك استحق لقب "رافعة التطور الصناعي الفرنسي"، وهو الرئيس الأول الذي شهد عهده انطلاقة القطار السريع (TGV)، وبناء أوتسترادات جديدة (حتى في داخل باريس، خط سور- بيرج)، وتحديثا في قطاع الاتصالات الذي سجّل نقلةً نوعيةً في حكومة جاك شابان دلماس. ولأنّ بومبيدو كان محبا للأدب والثقافة، فقد أنشأ مركزا للفن المعاصر في باريس، يحمل اليوم اسم "مركز جورج بومبيدو الوطني للفن والثقافة".
ويعدّ "خطاب شيكاغو" الذي ألقاه بومبيدو في فبراير/ شباط 1970، حول البيئة والمناخ خطابا تأسسيا، نظرا للاقتراحات التي قدّمها حول معالجة مسألة التلوث والنفايات الصناعية
والنفايات النووية، كما توعّد بأن يجعل من فرنسا نموذجا للرخاء والازدهار، كما السويد "مع شمسٍ أكثر من اسكندنافيا". ويتحسّر الفرنسيون على سنوات بومبيدو الذهبية، العهد الذي لم يتجاوز فيه عدد العاطلين 200 ألف مواطن. وبقي الوضع الاقتصادي مستقرا حتى اندلاع الحرب العربية-الإسرائيلية في أكتوبر/ تشرين الأول 1973، وتأثر فرنسا بأزمة النفط، فانتكس قطاع الصناعة وارتفعت نسبة البطالة.
ومع كل انتخابات رئاسية، يعود الحديث عن الشائعات التي طبعت حياة رؤساء الجمهورية الخامسة، وتبقى "قضية ماركوفيتش" الحدث الإجرامي الأبرز الذي حاول بعضهم استخدامه، لتلويث سمعة بومبيدو، المرشح الأبرز لتولي رئاسة الجمهورية، ذات خريف من عام 1968.
في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1968، وجدت جثة الشاب اليوغوسلافي، ستيفان ماركوفيتش، في كيس مرمي في حاوية للنفايات في إيلانكور في إحدى ضواحي إيفلين الباريسية. وكان الحارس الشخصي للنجم السينمائي، آلان ديلون، وكان تربطه علاقة غرامية قصيرة بزوجة ديلون. في مركز الشرطة، حضر شقيق ماركوفيتش، وعرّف عن نفسه أنه ضابط في البحرية اليوغوسلافية وقال إنّ شقيقه بعث إليه رسائل منذ أسبوعين مكتوبة بالكرواتية والصربية، تتضمن إشارة واضحة إلى "آلان، وزوجته، وفرانسوا مارك أنتوني، رجل أعمال وصديق ديلون الشخصي".
في كتابه "قضية ماركوفيتش الدنيئة" (بيغماليون، باريس 2007، ص 233)، يشرح جان باكس ميفري أنّ شهادة شاب، اسمه بوريس أفوك، هي التي غيّرت كل شيء. الشهادة التي نشرتها صحيفة اليمين المتطرف (Minute) تكشف حوارا بين ماركوفيتش وأكوف في إحدى السهرات الليلية الماجنة "أترى تلك السيدة الشقراء الجالسة في الزاوية؟ إنها زوجة رئيس الحكومة". خرج اسم كلود بومبيدو، زوجة رئيس الحكومة والمرشح للرئاسة، إلى العلن، وتوجّهت أصابع الاتهام فورا إلى مجموعةٍ دسّها بومبيدو، للتخلص من ماركوفيتش. لكنّ بومبيدو كان يعلم أنّ المتربصين به كثيرون، من رينيه كابيتان إلى مستشاره الذي عينه ديغول، موريس كوف دو مورفيل، وراجت شائعات كثيرة عن يدٍ خفية لديغول، لتشويه سمعة بومبيدو.
لا أحد يعلم كيف تمت لفلفة قضية ماركوفيتش، حتى القضاء لم يقفل الملف الذي فتحه عقب الجريمة، ولا أحد يعلم أين ذهب مارك أنتوني، الذي يعتقد كثيرون أنّ له اليد الطولى في القصة، ووحده بومبيدو يحتفظ بدفتر صغير كتب عليه أسماء الذين تآمروا عليه.
في قمة مشتركة مع الرئيس الأميركي، ريتشارد نيكسون، في العاصمة الأيسلندية ريكيافيك، في مايو/ أيار 1973، بدا الرئيس الفرنسي متعبا مع وجه منتفخ (نتيجة علاج الكورتيزون)، وفيما غابت الصحافة الفرنسية عن الحدث، كانت صورة الرئيس المريض على الصفحة الأولى لكل الصحف الأميركية. وعشية 3 إبريل/ نيسان 1974، قطعت وسائل الإعلام بث برامجها، لتعلن وفاة الرئيس بومبيدو عن عمر ناهز 63 عاما، لنعلم لاحقا أنه كان مصاباً بمرض فالدنشتروم (مرض ورمي في الخلايا اللمفاوية)، وكان على علم بمرضه الذي تم تشخيصه بعد 13 شهراً من استلامه الحكم، ليرحل من دون أن ينهي ولايته المحددة بسبع سنوات.
والباحث في بيوغرافيا بومبيدو، يمكنه العودة بسهولة إلى المجتمع الأهلي الذي نشأ فيه ابن "الكانتال" في "أوفرن"، فجده كان مزارعا ونقابيا معجبا بالاشتراكي العنيد جان جوريس، ووالداه اللذان كان يعملان مدرّسين في ثانويات مدينة مونبوديف نشطا في القسم الفرنسي للعمالية الدولية (SFIO) الذي أصبح لاحقا الحزب الاشتراكي الفرنسي. وليست مصادفةً أن ينشأ بومبيدو يسارياً في ظل الجو السائد في عائلته ومدينته، الأمر الذي ترك فيه بصمة واضحة في أثناء مزاولته الحكم رئيساً يمينياً جمهورياً، تغلب عليه الطبعة الاشتراكية.
كتب إريك روسيل، في أغسطس/ آب الماضي، في صحيفة لونوفيل أوبسرفاتور مادة عنونها "ماكرون.. بومبيدو الجديد"، قارب فيها ظروف نشأة وزير الاقتصاد السابق والمرشح الحالي لرئاسيات 2017، في أسرة اشتراكية، وفي محيط صقل فيه وعياً يسارياً وثقافة كبيرة، بظروف نشأة بومبيدو، وخياراته اللاحقة. والحال أنّ التشابه لا يمكن أن يكون تفصيلا، كما تقول كلير غالوا في إحدى مقالاتها في "لوبوان"، صيف 2016. لأن الثقافة والإرث الأدبي الكبير سمحا لكل من ماكرون وبومبيدو في تسخير الذاكرة الاشتراكية الأهلية في التعاطي مع مكونات سياسية، لا تتقاطع مع تلك التجربة اليسارية.
انتخابات 1969.. وأزمة اليسار
عندما شغل بومبيدو منصب رئاسة الحكومة في عهد ديغول، كان الجميع يعلم أنّه الوريث الشرعي للجنرال، وأنّه الوحيد القادر على تمكين الديغولية تياراً جمهورياً له خلفية في المقاومة والثقافة والحاضر السياسي. تعامل بومبيدو بحنكة شديدة مع ثورة 1968 الطلابية، وأشرف على ملف الانتخابات التشريعية، ليقود الديغوليين إلى فوز كبير في 30 يونيو/ حزيران 1968.
بعد استقالة ديغول عشية التصويت بـ"لا" على القانون الذي طرحه حول المحافظات وإصلاح مجلس الشيوخ، شغل رئيس المجلس، وفقا للدستور، آلان بوهر، منصب رئيس الجمهورية، وتمت الدعوة إلى انتخابات رئاسية مطلع يونيو/ حزيران. دبّ الخلاف في الأوساط الديغولية حول عدد من الأسماء، برز من بينها اسم رينيه كابيتان الذي مثّل التيار اليساري عند الديغوليين، وهو الذي دفع بديغول إلى طرح مشروع القانون الإصلاحي على الاستفتاء الشعبي، لكنّ كابيتان سرعان ما انسحب من سباق الترشيحات، لأسبابٍ صحية بالدرجة الأولى، ولالتزامه بخط صديقه ديغول.
يميناً، استقرت الترشيحات على اسم جورج بومبيدو، ليكون مرشح التيار الديغولي، وكان من الطبيعي جداً أن يعلن آلان بوهر (يمين الوسط)، رئيس مجلس الشيوخ سابقاً، رغبته في الوصول إلى الإليزيه، خصوصاً بعد الاستطلاعات التي كشف عنها الـ IFOP حول قدرة بوهر على الحصول على نسبة 39% من الأصوات في الدور الأول، ليحل خلف بومبيدو مباشرة، ويتفوق عليه لاحقاً مع أصوات اليسار التي ستصب لصالحه في الدور الثاني، مع نسبة تقارب 56%.
على اليسار، كانت الأمور، هذه المرة، أشد تعقيدا، وكان اسم بيير منديس فرانس الأكثر إغراء، ذلك أنّ اليساري العتيق أصبح مثالا لدى جيلٍ واسع من اليساريين، وألهم تجارب اشتراكية عديدة، مثل تجربة ميشال روكار، أو سواه ممن وجدوا فيه معلّما سياسيا، صاحب مبادئ يلتزم بها، حتى لو كانت خاطئة أحيانا.
في السيرة الذاتية التي سطّرها إريك روسيل (دار غاليمار، 2007) عن بيير منديس فرانس، يقول إنّ الرجل لم يكن يريد الترشّح للانتخابات عام 1969، لكنّه كان مرنا في قبول منصب رئاسة الحكومة، في حال وصول مرشح يساري إلى الرئاسة. يضيف روسيل "استقرّ الخيار على غاستون ديفير مرشح الـ SFIO (واقتراح مينديس فرانس رئيسا للحكومة في حال فوز ديفير)، لكنّ الرجل كان مكروها من المتيرانيين والشيوعيين الذين سارعوا إلى ترشيح جاك دوكلو، فيما أعلن ميشال روكار ترشحه عن الحزب الاشتراكي الموحد (PSU)، كما شهدت تلك الانتخابات مشاركة الرابطة الشيوعية (LC)، عبر الشاب آلان كريفين الذي أصبح لاحقا وجها تاريخيا لليسار الراديكالي في فرنسا".
أطلق مرشح الحزب الشيوعي الفرنسي، جاك دوكلو، جملته، عشية الدور الأول "الشخصيتان لا تختلفان أبدا في البرنامج والأهداف والأفكار التي تحملانها"، وكان دوكلوس عالما بصعوبة تجاوز الدور الأول، على الرغم من الحملة الانتخابية الممتازة التي تمكّن الحزب من إنجازها في أقل من شهر، لأسبابٍ عديدةٍ، في مقدمتها تشتت اليسار ووجوده في الانتخابات، عبر أربعة مرشحين، في مقابل وحدة اليمين ويمين الوسط حول بومبيدو وبوهير.
وبالفعل، نجح بومبيدو بتصدّر الدور الأول بنسبة 44%، وجاء بوهير خلفه مباشرة (23%)، مع فارق بسيط عن مرشح الحزب الشيوعي دوكلو (21,3%)، وخروج مدوٍّ لغاستون ديفير (5%) أمام روكار (3,6%) وكيرفين (1%).
رفض الحزب الشيوعي الفرنسي المشاركة في الدور الثاني، ودعا أنصاره إلى المقاطعة نظرا لـ "تطابق في الرؤية والبرنامج لدى كلا المرشحين اللذين تجاوزا الدور الأول".
قضية ماركوفيتش والموت المفاجئ
ليس خافياً أنّ عهد جورج بومبيدو يعد الأفضل في تاريخ الجمهورية الخامسة، من حيث الازدهار والرخاء الاقتصادي، وتميّز عهده باهتمام كبير في قطاع الصناعة. لذلك استحق لقب "رافعة التطور الصناعي الفرنسي"، وهو الرئيس الأول الذي شهد عهده انطلاقة القطار السريع (TGV)، وبناء أوتسترادات جديدة (حتى في داخل باريس، خط سور- بيرج)، وتحديثا في قطاع الاتصالات الذي سجّل نقلةً نوعيةً في حكومة جاك شابان دلماس. ولأنّ بومبيدو كان محبا للأدب والثقافة، فقد أنشأ مركزا للفن المعاصر في باريس، يحمل اليوم اسم "مركز جورج بومبيدو الوطني للفن والثقافة".
ويعدّ "خطاب شيكاغو" الذي ألقاه بومبيدو في فبراير/ شباط 1970، حول البيئة والمناخ خطابا تأسسيا، نظرا للاقتراحات التي قدّمها حول معالجة مسألة التلوث والنفايات الصناعية
ومع كل انتخابات رئاسية، يعود الحديث عن الشائعات التي طبعت حياة رؤساء الجمهورية الخامسة، وتبقى "قضية ماركوفيتش" الحدث الإجرامي الأبرز الذي حاول بعضهم استخدامه، لتلويث سمعة بومبيدو، المرشح الأبرز لتولي رئاسة الجمهورية، ذات خريف من عام 1968.
في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1968، وجدت جثة الشاب اليوغوسلافي، ستيفان ماركوفيتش، في كيس مرمي في حاوية للنفايات في إيلانكور في إحدى ضواحي إيفلين الباريسية. وكان الحارس الشخصي للنجم السينمائي، آلان ديلون، وكان تربطه علاقة غرامية قصيرة بزوجة ديلون. في مركز الشرطة، حضر شقيق ماركوفيتش، وعرّف عن نفسه أنه ضابط في البحرية اليوغوسلافية وقال إنّ شقيقه بعث إليه رسائل منذ أسبوعين مكتوبة بالكرواتية والصربية، تتضمن إشارة واضحة إلى "آلان، وزوجته، وفرانسوا مارك أنتوني، رجل أعمال وصديق ديلون الشخصي".
في كتابه "قضية ماركوفيتش الدنيئة" (بيغماليون، باريس 2007، ص 233)، يشرح جان باكس ميفري أنّ شهادة شاب، اسمه بوريس أفوك، هي التي غيّرت كل شيء. الشهادة التي نشرتها صحيفة اليمين المتطرف (Minute) تكشف حوارا بين ماركوفيتش وأكوف في إحدى السهرات الليلية الماجنة "أترى تلك السيدة الشقراء الجالسة في الزاوية؟ إنها زوجة رئيس الحكومة". خرج اسم كلود بومبيدو، زوجة رئيس الحكومة والمرشح للرئاسة، إلى العلن، وتوجّهت أصابع الاتهام فورا إلى مجموعةٍ دسّها بومبيدو، للتخلص من ماركوفيتش. لكنّ بومبيدو كان يعلم أنّ المتربصين به كثيرون، من رينيه كابيتان إلى مستشاره الذي عينه ديغول، موريس كوف دو مورفيل، وراجت شائعات كثيرة عن يدٍ خفية لديغول، لتشويه سمعة بومبيدو.
لا أحد يعلم كيف تمت لفلفة قضية ماركوفيتش، حتى القضاء لم يقفل الملف الذي فتحه عقب الجريمة، ولا أحد يعلم أين ذهب مارك أنتوني، الذي يعتقد كثيرون أنّ له اليد الطولى في القصة، ووحده بومبيدو يحتفظ بدفتر صغير كتب عليه أسماء الذين تآمروا عليه.
في قمة مشتركة مع الرئيس الأميركي، ريتشارد نيكسون، في العاصمة الأيسلندية ريكيافيك، في مايو/ أيار 1973، بدا الرئيس الفرنسي متعبا مع وجه منتفخ (نتيجة علاج الكورتيزون)، وفيما غابت الصحافة الفرنسية عن الحدث، كانت صورة الرئيس المريض على الصفحة الأولى لكل الصحف الأميركية. وعشية 3 إبريل/ نيسان 1974، قطعت وسائل الإعلام بث برامجها، لتعلن وفاة الرئيس بومبيدو عن عمر ناهز 63 عاما، لنعلم لاحقا أنه كان مصاباً بمرض فالدنشتروم (مرض ورمي في الخلايا اللمفاوية)، وكان على علم بمرضه الذي تم تشخيصه بعد 13 شهراً من استلامه الحكم، ليرحل من دون أن ينهي ولايته المحددة بسبع سنوات.
مقالات أخرى
13 ابريل 2017
11 ابريل 2017
05 ابريل 2017