ويقول ماهر عثمان (46 عاماً): "عدنا أمس إلى مدينتنا نوى بعد إبلاغنا أن هناك هدنة فيها ستفضي إلى تسوية قد تكون خلاصنا من التشرد والبقاء في الخيام، والمعاناة نحن وأطفالنا من جوع وعطش قرب محيط بلدة الرفيد، لتكون الفاجعة هي نهاية ما شهدناه في المدينة".
ويتابع عثمان حديثه، لـ"العربي الجديد"، "بدأت الطائرات بالإغارة على المدينة والمروحيات تقصفها بالبراميل المتفجرة، لتقضي على أربعة عشر شخصا على الفور، ويبدأ الناس على إثرها بالخروج منها مباشرة والعودة إلى أماكن نزوحهم". ويضيف "ختمنا ليلة دامية بتوديع ثلاثين من أهالي مدينتنا، أصبحت أجساد غالبيتهم أشلاء، ومنهم من دُفن تحت أنقاض بيته. كنا نعلم أنه لا أمان للأسد وروسيا، لكن أمل العودة أثار الأهالي، فكانت النتيجة أقسى مما تخيلنا".
ويقول: "الدرس كان قاسياً ودامياً ومأساوياً بكل معنى الكلمة، تسبب في صدمة للأهالي، ونسأل الله الخلاص مما وقعنا فيه".
أما بيان خوالدة، فتوضح أن "ما حصل أمس في نوى يفوق الوصف، وعاشت النساء والأطفال خلاله خوفا حقيقيا. وكل ما قيل عن هدنة كان كذبا ولعباً بمشاعر الناس". وتقول: "لم نكن نعرف كيف سننجو وننقذ الأطفال، كانت الغارات مفاجئة وكثيفة، الأرض والمنازل اهتزت بنا ومن تحتنا، وبدأ الناس بالجري بلا وعي للخروج من المدينة والعودة إلى محيط بلدة الرفيد".
وتشير الثلاثينية خوالدة، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أن "العودة باتت مستحيلة، ولو قدمت لنا كل الدول ضمانات. نفضل معيشة التشرد والنزوح هنا على عودة بطعم الموت، تحت قصف طائرات لا ترحم طفلا ولا امرأة ولا شيخا، نرجو أن نخرج بأسرع وقت إلى اشمال السوري، مهجرين أفضل من موتى تحت أنقاض منازلنا، أو حاملين أشلاء أطفالنا بين أيدينا ونحن نبكي".
وأما الخمسيني علي أبو محمود، فيقول لـ"العربي الجديد": "كنت أعلم أنها خدعة للإيقاع بالناس، ورفضت مطلب عائلتي بالعودة إلى مدينة نوى، وبالفعل بقيت في الخيمة، ففي الأصل لم يعد لدي منزل أعود إليه، فهل أجلس على أنقاضه منتظرا أن تقتلني الطائرات؟ الناس ظنوا أن النظام بهذه السهولة سيتركهم يعودون، لكنهم أخطأوا وحصل ما حصل".
ويضيف أبو محمود "الآن صار قرار العودة بلا شك تحت مسميات الهدنة، والمصالحة بعد ما جرى باتت أمراً مستحيلاً وغير ممكن، وبقي أمامنا خياران هو البقاء نازحين هنا، وأعتقد أنه من غير الممكن أن نبقى سالمين، والخيار الآخر هو التهجير والانتقال إلى الشمال السوري لنهرب مع آلامنا وآمالنا بحياة جديدة قد نعيشها هناك".
وبالنسبة لأمين عزام، فإنه أراح نفسه من التفكير في المصالحة منذ مغادرته بلدته بريف درعا الشرقي وهو بانتظار التهجير للشمال. ويوضح الثلاثيني، لـ"العربي الجديد"، أنه "لم يعد هناك مجال للحياة الكريمة تحت ظل نظام بذل مئات الآلاف أرواحهم في سبيل إسقاطه".