03 نوفمبر 2024
بين المغرب والجزائر شعرة معاوية
ما الذي يحول دون فتح الحدود بين المغرب والجزائر؟ لا شيء سوى غياب الإرادة السياسية لدى الطرفين. هذا ما أثبتته الوقائع منذ تم غلق هذه الحدود في 1994. ومنذ ذلك التاريخ، والشعبان معزولان عن بعضهما في انتظار عودة الوعي.
حصلت، أخيرا، حادثتان أعادتا الأمل في احتمال تحقيق تسوية سياسية لهذا الملف الإقليمي الذي ساهم في تعطيل قيام اتحاد مغاربي حقيقي وفعال. لقد دعا ملك المغرب، محمد السادس، الجزائر إلى فتح الحدود بين البلدين، وتشكيل لجنة حوار تتداول جميع الخلافات، وتسعى إلى وضع حلول توافقية من دون شروط مسبقة. وفي المقابل، صافح الوزير الأول الجزائري، أحمد أويحيى، ملك المغرب عند التقاط صورة جماعية لمن شاركوا في قمة باريس للسلام التي نظمت بمناسبة مرور مائة عام على انتهاء الحرب العالمية الأولى.
على الرغم من رمزية الحدثين، إلا أنهما ليسا كافيين للتفاؤل بمستقبل العلاقات بين البلدين، إذ هناك عوامل عديدة تحول دون تحقيق تقدم فعلي في هذا الاتجاه، من أهمها البعدان التاريخي والنفسي. لقد توارثت الأجيال المتتالية في كل من البلدين حالة من الشك المتبادل، فالأوساط المغربية المختلفة لا تزال مسكونة بالخوف من جزائر قوية، تؤمن بأنها الأولى في قيادة المنطقة عسكريا واقتصادية، بحكم اتساع رقعة البلد، وتمتعه بثروة نفطية، وبمخزون ضخم من الغاز، إلى جانب التاريخ النضالي ضد الاستعمار، والذي خلف وراءه مليون شهيد. أما الجزائريون فلم يقبلوا القرار الانفرادي الذي اتخذه المغرب لضم جزء مهم من الأراضي التي كانت تحت سيطرة الاستعمار الإسباني، وقرّروا في المقابل الوقوف إلى جانب الصحراويين، وساندوهم بقوة في مطالبتهم بتقرير المصير. ومنذ ذلك التاريخ، والدولتان في حالة نزاع، استنفد طاقاتهما الاقتصادية والسياسية من أجل إثبات صحة وجهة نظر كل منهما. وهو ما أثر على نفسيتي الشعبين ومزاجيهما، وأجهض مبادراتٍ عديدة قامت بها أطراف مختلفة من أجل طي صفحة الخلاف بين البلدين.
اختلفت الأوضاع اليوم، وأصبح الجميع يشعرون بالحاجة الى استشراف مستقبلٍ مختلف عن هذا الواقع الاقليمي المفكّك. ولعل هذا الشعور هو الذي دفع الملك محمد السادس إلى مبادرته أخيرا، وجعله يعتقد بضرورة غلق ملف التنازع والاشتباك المتجدّد من حين الى آخر مع الجارة الجزائر.
وقد ترتبت خسائر عديدة عن هذا النزاع الذي يكاد يشبه حرب البسوس، فقد أثبتت الدراسات العلمية أن كل سنة يؤجل فيها مشروع الاتحاد المغاربي تخسر كل واحدةٍ من دول هذه المنطقة نسبة نمو تقدر بـ1%. وبسبب استمرار الخلاف الجزائري المغربي، لم تتوفر الأرضية الملائمة لقيام تفاوضٍ أنجع مع الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك معالجة الملفات المشتركة مع فرنسا. وهو ما جعل العلاقة ثنائية بين الهياكل الأوروبية وكل دولة مغاربية على حدة، وما يترتب عن ذلك من تضارب المصالح وفقدان القدرة على الضغط وتحسين شروط التفاوض. كما يستمر تأجيل أغلبية المشاريع المشتركة التي أقرت واستكملت دراساتها بسبب تقلب السياسات، وما ينجر عنه من تغير الظروف والتقديرات المالية الخاصة بالدراسات التي تم إعدادها. واستمرار غلق الحدود بين الجارتين يترتب عنه أن من شأن فقدان الشعبين فرصا عديدة أن تنمي التجارة البينية، وتفتح آفاقا مهمة بينهما.
قد يرى بعضهم أن الجيل القديم الذي واكب هذه الأزمة منذ بدايتها، ولعب دورا فاعلا في إدارتها خلال المرحلة السابقة، لا يزال هو المؤثر بأشكال متعدّدة، وليس مستعدا للإقدام على تنازلاتٍ يرى أنها قد تمس من الكرامة والرجولة. لكن في المقابل هناك أطراف من هذا الجيل القديم قد تكون أكثر قدرةً على تحمل المسؤولية، والقيام بخطوات جريئة، من شأنها إنهاء هذا الخلاف، وفتح الباب امام الأجيال الجديدة التي ستكون قادرةً على صناعة مستقبل مغاير للشعبين، وأيضا لجميع دول المنطقة.
هناك أشخاص يضعهم القدر في موقع يسمح لهم بدخول التاريخ من أوسع أبوابه. فهل يكون الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والملك محمد السادس من بين هؤلاء؟
حصلت، أخيرا، حادثتان أعادتا الأمل في احتمال تحقيق تسوية سياسية لهذا الملف الإقليمي الذي ساهم في تعطيل قيام اتحاد مغاربي حقيقي وفعال. لقد دعا ملك المغرب، محمد السادس، الجزائر إلى فتح الحدود بين البلدين، وتشكيل لجنة حوار تتداول جميع الخلافات، وتسعى إلى وضع حلول توافقية من دون شروط مسبقة. وفي المقابل، صافح الوزير الأول الجزائري، أحمد أويحيى، ملك المغرب عند التقاط صورة جماعية لمن شاركوا في قمة باريس للسلام التي نظمت بمناسبة مرور مائة عام على انتهاء الحرب العالمية الأولى.
على الرغم من رمزية الحدثين، إلا أنهما ليسا كافيين للتفاؤل بمستقبل العلاقات بين البلدين، إذ هناك عوامل عديدة تحول دون تحقيق تقدم فعلي في هذا الاتجاه، من أهمها البعدان التاريخي والنفسي. لقد توارثت الأجيال المتتالية في كل من البلدين حالة من الشك المتبادل، فالأوساط المغربية المختلفة لا تزال مسكونة بالخوف من جزائر قوية، تؤمن بأنها الأولى في قيادة المنطقة عسكريا واقتصادية، بحكم اتساع رقعة البلد، وتمتعه بثروة نفطية، وبمخزون ضخم من الغاز، إلى جانب التاريخ النضالي ضد الاستعمار، والذي خلف وراءه مليون شهيد. أما الجزائريون فلم يقبلوا القرار الانفرادي الذي اتخذه المغرب لضم جزء مهم من الأراضي التي كانت تحت سيطرة الاستعمار الإسباني، وقرّروا في المقابل الوقوف إلى جانب الصحراويين، وساندوهم بقوة في مطالبتهم بتقرير المصير. ومنذ ذلك التاريخ، والدولتان في حالة نزاع، استنفد طاقاتهما الاقتصادية والسياسية من أجل إثبات صحة وجهة نظر كل منهما. وهو ما أثر على نفسيتي الشعبين ومزاجيهما، وأجهض مبادراتٍ عديدة قامت بها أطراف مختلفة من أجل طي صفحة الخلاف بين البلدين.
اختلفت الأوضاع اليوم، وأصبح الجميع يشعرون بالحاجة الى استشراف مستقبلٍ مختلف عن هذا الواقع الاقليمي المفكّك. ولعل هذا الشعور هو الذي دفع الملك محمد السادس إلى مبادرته أخيرا، وجعله يعتقد بضرورة غلق ملف التنازع والاشتباك المتجدّد من حين الى آخر مع الجارة الجزائر.
وقد ترتبت خسائر عديدة عن هذا النزاع الذي يكاد يشبه حرب البسوس، فقد أثبتت الدراسات العلمية أن كل سنة يؤجل فيها مشروع الاتحاد المغاربي تخسر كل واحدةٍ من دول هذه المنطقة نسبة نمو تقدر بـ1%. وبسبب استمرار الخلاف الجزائري المغربي، لم تتوفر الأرضية الملائمة لقيام تفاوضٍ أنجع مع الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك معالجة الملفات المشتركة مع فرنسا. وهو ما جعل العلاقة ثنائية بين الهياكل الأوروبية وكل دولة مغاربية على حدة، وما يترتب عن ذلك من تضارب المصالح وفقدان القدرة على الضغط وتحسين شروط التفاوض. كما يستمر تأجيل أغلبية المشاريع المشتركة التي أقرت واستكملت دراساتها بسبب تقلب السياسات، وما ينجر عنه من تغير الظروف والتقديرات المالية الخاصة بالدراسات التي تم إعدادها. واستمرار غلق الحدود بين الجارتين يترتب عنه أن من شأن فقدان الشعبين فرصا عديدة أن تنمي التجارة البينية، وتفتح آفاقا مهمة بينهما.
قد يرى بعضهم أن الجيل القديم الذي واكب هذه الأزمة منذ بدايتها، ولعب دورا فاعلا في إدارتها خلال المرحلة السابقة، لا يزال هو المؤثر بأشكال متعدّدة، وليس مستعدا للإقدام على تنازلاتٍ يرى أنها قد تمس من الكرامة والرجولة. لكن في المقابل هناك أطراف من هذا الجيل القديم قد تكون أكثر قدرةً على تحمل المسؤولية، والقيام بخطوات جريئة، من شأنها إنهاء هذا الخلاف، وفتح الباب امام الأجيال الجديدة التي ستكون قادرةً على صناعة مستقبل مغاير للشعبين، وأيضا لجميع دول المنطقة.
هناك أشخاص يضعهم القدر في موقع يسمح لهم بدخول التاريخ من أوسع أبوابه. فهل يكون الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والملك محمد السادس من بين هؤلاء؟