13 نوفمبر 2024
تأصيل حرب إسرائيل على اللغة العربيّة
تنصّ الصيغة الجديدة لـ"مشروع قانون القومية"، الذي يرسّخ كون إسرائيل "الدولة القومية للشعب اليهودي"، ضمن قانون أساس دستوري، والتي أقرّتها لجنة برلمانية خاصة في الكنيست أخيرًا، على منح اللغة العبرية مكانة عليا، باعتبارها لغة الدولة، وعلى أن تكون للغة العربية مكانة أدنى من لغة رسمية.
تأتي هذه الصيغة على ركام محاولات تسعى إلى إلغاء المكانة الرسمية للغة العربية، أو إضعاف مكانتها هذه، ترافق دولة الاحتلال منذ أيامها الأولى، كما تستعيد دراسة جديدة نشرها ثلاثة باحثين إسرائيليين قبل عام تحت عنوان "رسمية لكن غير معترف بها". وفي مقدمهم الباحث يونتان مندل، الذي كتب، قبل فترة وجيزة، مقالة بعنوان "في كل إسرائيلي مُستعرب صغير!"، لمّح فيها إلى أن تعلّم اللغة العربية، موضوعا اختياريا، أضحى مقتصرًا، في الآونة الأخيرة، على الراغبين بالاندماج في خدمة مؤسسة الاستخبارات، وتوقف عند وقائع تجذّر مفهوم "الاستعراب" داخل المجتمع الإسرائيلي في شتى المستويات، وفي طليعتها المستوى الثقافي المؤدلج بالصهيونية، والمستوى الأمني الساعي إلى عسكرة كل مجالات الحياة المدنية.
توضح الدراسة، في هذا الشأن، أنه، منذ أول اجتماع عقده أعضاء "لجنة الحِصص المدرسية" في وزارة التربية والتعليم، لتحديد المواضيع وعدد الساعات التعليمية للتلامذة اليهود في المدارس الإسرائيلية الابتدائية، في يناير/ كانون الثاني 1949، ظهر الاستخفاف الكبير باللغة العربية.
في هذا الاجتماع، قال المفتش الرئيسي للتعليم الرسمي في حينه، إنه بالنسبة إليه ينبغي التأكيد على حصص الرياضة البدنية أكثر مما على تعليم اللغة العربية، إذ "إننا دائما سنظلّ الأقلّ عدديًا بالنسبة إلى الدول العربية من حولنا [...] وعليه، من الأفضل أن يعتادوا هم [العرب] علينا وأن يتعلّموا العبرية [...] علينا التحرّر من الدونية الدياسبوريّة". وفي عام 1955، طالبت نائبة من حيِروت بإلغاء مكانة اللغة العربية وجعل إسرائيل دولة أحادية اللغة، من دون العربية في رموزها وقوانينها. وبمرور الوقت، طُرحت المزيد من الاقتراحات لإلغاء أو تعديل مكانة اللغة العربية، بما في ذلك اقتراحات من وزارة التعليم نفسها، بدعوى قلة شعبيتها، كما حدث عام 1964، عندما اقتُرح إلغاء امتحان التوجيهي باللغة العربية.
وتعزّز الاتجاه إلى إضعاف اللغة العربية بدءًا من عام 2001، وبدأت تظهر اقتراحات بإلغاء مكانتها أو إضعاف هذه المكانة بوتيرة أسرع. وتعزو الدراسة ذلك إلى الوضع السياسي والعلاقات المتوتّرة التي تفاقمت بين الإسرائيليين والفلسطينيين عمومًا، وبين المواطنين اليهود والعرب في إسرائيل خصوصا، في أعقاب تفجّر انتفاضة الأقصّى عام 2000، وعلى خلفية تقديم طلب التماسٍ، يلزم السلطات المختصة باستعمال اللغة العربية في لافتات الطرق.
تخلص الدراسة إلى أن المسّ باللغة ينطوي على رسالة. وبناء على ذلك، كل مسّ بالمكانة الرسمية للغة العربية هو بمثابة رسالة تقول بتكريس الغبن بحق المجتمع العربي واللغة والثقافة العربية في البلد، وعدم رغبة إسرائيل في تصحيح ذلك.
وبقدر ما إن هذه الرسالة موجهة إلى المجتمع العربي فهي تكشف عن جوهر أصحابها.
وليس هذا الجوهر وليد الأمس، بل يرجع إلى زوايا ماضٍ ظلاميّ، مع بدء تجسيد الفكرة الصهيونية التي تعاملت باستعلاء عنصري إزاء سكان فلسطين الأصلانيين. فقد أقيم الأساس الصهيوني في الأرض الفلسطينية، من حيث التجسيد العملي، بواسطة عناصر ونشطاء صهيونيين من أوروبا الشرقية، وبحلول أواخر القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين، دُعِّم بنظريات صهيونية أوروبية غربية، استقت منابعها الفكرية من المبادئ العامة للكولونيالية.
وإلى جانب الاستعلاء العنصريّ، جرى تمجيد البلطجة والقوة. ولم يعد سرًّا أنه في نطاق التعليم الإسرائيلي الرسمي، في أول أعوام دولة الاحتلال، ضخّت التربية المُجندة جرعاتٍ منشطة للاستعلاء والبلطجة والقوة، فقد جُيّشت مناهج التعليم من جهة، وبرامج العمل غير المنهجية من جهة أخرى، لصالح تحسين وتنمية الـ"نحن"، وتحطيم الـ"هم"، أو شرعنة الـ"نحن" وشيطنة الـ"هم" (الفلسطينيون والعرب). وهذا ما هيأ البنية التحتية الجاهزة لأي جرعاتٍ لاحقة، ولا يزال يوفر هذه البنية.
تأتي هذه الصيغة على ركام محاولات تسعى إلى إلغاء المكانة الرسمية للغة العربية، أو إضعاف مكانتها هذه، ترافق دولة الاحتلال منذ أيامها الأولى، كما تستعيد دراسة جديدة نشرها ثلاثة باحثين إسرائيليين قبل عام تحت عنوان "رسمية لكن غير معترف بها". وفي مقدمهم الباحث يونتان مندل، الذي كتب، قبل فترة وجيزة، مقالة بعنوان "في كل إسرائيلي مُستعرب صغير!"، لمّح فيها إلى أن تعلّم اللغة العربية، موضوعا اختياريا، أضحى مقتصرًا، في الآونة الأخيرة، على الراغبين بالاندماج في خدمة مؤسسة الاستخبارات، وتوقف عند وقائع تجذّر مفهوم "الاستعراب" داخل المجتمع الإسرائيلي في شتى المستويات، وفي طليعتها المستوى الثقافي المؤدلج بالصهيونية، والمستوى الأمني الساعي إلى عسكرة كل مجالات الحياة المدنية.
توضح الدراسة، في هذا الشأن، أنه، منذ أول اجتماع عقده أعضاء "لجنة الحِصص المدرسية" في وزارة التربية والتعليم، لتحديد المواضيع وعدد الساعات التعليمية للتلامذة اليهود في المدارس الإسرائيلية الابتدائية، في يناير/ كانون الثاني 1949، ظهر الاستخفاف الكبير باللغة العربية.
في هذا الاجتماع، قال المفتش الرئيسي للتعليم الرسمي في حينه، إنه بالنسبة إليه ينبغي التأكيد على حصص الرياضة البدنية أكثر مما على تعليم اللغة العربية، إذ "إننا دائما سنظلّ الأقلّ عدديًا بالنسبة إلى الدول العربية من حولنا [...] وعليه، من الأفضل أن يعتادوا هم [العرب] علينا وأن يتعلّموا العبرية [...] علينا التحرّر من الدونية الدياسبوريّة". وفي عام 1955، طالبت نائبة من حيِروت بإلغاء مكانة اللغة العربية وجعل إسرائيل دولة أحادية اللغة، من دون العربية في رموزها وقوانينها. وبمرور الوقت، طُرحت المزيد من الاقتراحات لإلغاء أو تعديل مكانة اللغة العربية، بما في ذلك اقتراحات من وزارة التعليم نفسها، بدعوى قلة شعبيتها، كما حدث عام 1964، عندما اقتُرح إلغاء امتحان التوجيهي باللغة العربية.
وتعزّز الاتجاه إلى إضعاف اللغة العربية بدءًا من عام 2001، وبدأت تظهر اقتراحات بإلغاء مكانتها أو إضعاف هذه المكانة بوتيرة أسرع. وتعزو الدراسة ذلك إلى الوضع السياسي والعلاقات المتوتّرة التي تفاقمت بين الإسرائيليين والفلسطينيين عمومًا، وبين المواطنين اليهود والعرب في إسرائيل خصوصا، في أعقاب تفجّر انتفاضة الأقصّى عام 2000، وعلى خلفية تقديم طلب التماسٍ، يلزم السلطات المختصة باستعمال اللغة العربية في لافتات الطرق.
تخلص الدراسة إلى أن المسّ باللغة ينطوي على رسالة. وبناء على ذلك، كل مسّ بالمكانة الرسمية للغة العربية هو بمثابة رسالة تقول بتكريس الغبن بحق المجتمع العربي واللغة والثقافة العربية في البلد، وعدم رغبة إسرائيل في تصحيح ذلك.
وبقدر ما إن هذه الرسالة موجهة إلى المجتمع العربي فهي تكشف عن جوهر أصحابها.
وليس هذا الجوهر وليد الأمس، بل يرجع إلى زوايا ماضٍ ظلاميّ، مع بدء تجسيد الفكرة الصهيونية التي تعاملت باستعلاء عنصري إزاء سكان فلسطين الأصلانيين. فقد أقيم الأساس الصهيوني في الأرض الفلسطينية، من حيث التجسيد العملي، بواسطة عناصر ونشطاء صهيونيين من أوروبا الشرقية، وبحلول أواخر القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين، دُعِّم بنظريات صهيونية أوروبية غربية، استقت منابعها الفكرية من المبادئ العامة للكولونيالية.
وإلى جانب الاستعلاء العنصريّ، جرى تمجيد البلطجة والقوة. ولم يعد سرًّا أنه في نطاق التعليم الإسرائيلي الرسمي، في أول أعوام دولة الاحتلال، ضخّت التربية المُجندة جرعاتٍ منشطة للاستعلاء والبلطجة والقوة، فقد جُيّشت مناهج التعليم من جهة، وبرامج العمل غير المنهجية من جهة أخرى، لصالح تحسين وتنمية الـ"نحن"، وتحطيم الـ"هم"، أو شرعنة الـ"نحن" وشيطنة الـ"هم" (الفلسطينيون والعرب). وهذا ما هيأ البنية التحتية الجاهزة لأي جرعاتٍ لاحقة، ولا يزال يوفر هذه البنية.