اتسعت رقعة الاحتجاجات في وسط العاصمة السودانية الخرطوم، اليوم الثلاثاء، لتشمل عدداً من الشوارع الرئيسية، بعد إغلاق القوات الأمنية لنقطة الحشد الجماهيري الذي دعت إليه المعارضة، فيما أحصت منظمة العفو الدولية مقتل 37 من المتظاهرين برصاص قوات الأمن السودانية خلال خمسة أيام من الاحتجاجات على غلاء المعيشة، والتي انطلقت في التاسع عشر من هذا الشهر.
وتجمع الآلاف من المتظاهرين في شارع المك نمر شر، بالقرب من القصر الرئاسي دون تدخل الشرطة لفترة طويلة.
وحسب الإفادات الأولية من الأحزاب المعارضة، فإن عدداً من كوادرها تم اعتقالهم أثناء المظاهرات.
وحاولت بعض المجموعات تجاوز الحاجز الأمني، مرددة الشعارات المعتادة (سلمية سلمية ضد الحرامية) و(الشعب يريد إسقاط النظام)، ولا يزال التوتر يخيم على منطقة وسط الخرطوم، حيث الانتشار الكثيف لقوات الشرطة والأمن وتفرق تجمعات على الشوارع الفرعية.
واستمرت عمليات الكر والفر بين الشرطة والمتظاهرين الذين تمددوا في أكثر من شارع، ما أدى إلى شلل تام وسط الخرطوم، حيث أغلقت المحلات التجارية والمؤسسات أبوابها، فيما سمع دوي لإطلاق الرصاص في أكثر من مكان، بينما شوهدت عربات الإسعاف وهي تنقل مصابين، ولم ترد بعد تقارير عن قتلى.
كما شوهدت مروحية تابعة للشرطة تحوم في سماء وسط الخرطوم، في وقت وصلت فيه الاحتجاجات إلى حي النزهة، جنوب العاصمة، وخلال الاحتجاجات تعرض الصحافي بصحيفة "السوداني"، ياسر عبد الله، إلى إصابة نقل على أثرها للمستشفى لتلقي العلاج.
وقال عبد الله لـ"العربي الجديد"، إن عناصر من الشرطة اعتدوا عليه ووجهوا إليه إساءات بالغة، مع احتجازه لفترة من الزمن داخل سيارة تابعة للشرطة.
Twitter Post
|
ومنذ الأربعاء الماضي، خرج محتجون في أكثر من 20 مدينة منددين بالأوضاع المعيشية ومطالبين بإسقاط حكومة المؤتمر الوطني، وتعرضت مقار الحزب الحاكم خلال الاحتجاجات للحرق ومعها أعداد أخرى من المقار الحكومية.
واتهمت الحكومة على لسان أكثر من مسؤول "مندسين" من حركة تحرير السودان، بقيادة عبد الواحد محمد نور، بالتورط في أعمال تخريب صاحبت الاحتجاجات.
اعتقال "خلايا"
وفي سياق الاعتقالات، أوردت وكالة الأنباء الحكومية (سونا) عن مصادر لم تذكرها أن السلطات الأمنية ألقت القبض قبل يومين على عدد من الخلايا تتبع إحداها لحركة "تحرير السودان" بزعامة عبدالواحد محمد نور، تتكون من 25 شخصاً، بمنزل بحي الدباغة بمدينة سنار (جنوب شرق)، وخلية أخرى تتبع لحزب "المؤتمر السوداني" و"الحزب الشيوعي"، بحي القلعة وأخرى بالخرطوم.
وأشارت الوكالة إلى "ضبط كميات من الأسلحة البيضاء بحوزة الخليتين"، وأضافت الوكالة أن "الذراع الطلابي الذي يمثل الواجهة السياسية للحركة بدأ في تنفيذ مخطط تخريبي يستهدف المرافق العامة والخاصة والتحريض على العنف والخروج على الدولة، وأن أفراد الخليتين قد رصدوا وهم يحرضون المواطنين على التخريب، وأنها تخطط لحرق عدد من المؤسسات الحكومية والخاصة" مشيرة إلى أنه سيتم تقديم المتهمين للجهات العدلية.
انتقادات لاذعة للسياسات الحكومية
من جانب آخر، وفي تصريحات نادرة، وجه قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حميدتي، انتقادات لاذعة للسياسات الحكومية، مطالباً بتوفير الخدمات للمواطن والتشديد على إيفاء الحكومة بواجباتها وتوفير سبل كسب العيش الكريم لهم.
وجاءت كلمة حميدتي خلال استقباله دفعة من قواته العائدة من الحدود السودانية الليبية للخرطوم.
وتتبع قوات الدعم السريع للجيش السوداني بعد أن كانت تعمل بصورة داعمة له في دارفور، إلا أن انتشارها توسع في الآونة الاخيرة، بما شمل عدداً من المدن السودانية، فضلاً عن مشاركتها في الحرب في اليمن.
وطالب القائد المثير للجدل قواته بالانضباط والالتزام تجاه المواطنين والتعاون معهم، كما طالب بالرقابة على السوق والأسعار والتصدي للجشعين، مشيراً لاستمرار أزمة السيولة، ودعا إلى محاسبة كل من يعمل على تخريب الاقتصاد من الفاسدين حتى لو كانوا من المسؤولين.
وأكد "وجود مندسين ومتمردين ومهربين ومخربين"، متوعداً بتصدي قوات الدعم السريع لهم.
البشير يتوعد من ولاية الجزيرة
إلى ذلك، قال الرئيس عمر البشير، الذي بدأ زيارة لولاية الجزيرة (وسط البلاد)، لافتتاح عدد من المشروعات، إن "بعض الخونة والعملاء والمرتزقة والمندسين استغلوا الضائقة المعيشية للتخريب لخدمة أعداء السودان".
واعتبر البشير في خطاب جماهيري له، أن وقوف واحتشاد الجماهير في خطابه، "رد على كل خائن وعميل وعلى الذين روجوا وأطلقوا الشائعات بالقبض عليه وسجنه"، قائلاً: "وأنا الآن موجود وسطكم".
وجدد، بحسب وكالة السودان للأنباء، مضي الحكومة في إنفاذ مشروعات التنمية والإعمار لمصلحة المواطنين وإصلاح أحوالهم.
ودعا مواطني الجزيرة، الذين وصفهم بالمنتجين، للاتجاه إلى العمل وعدم الالتفات للخونة والعملاء ومناضلي الكيبورد.
وقال إن الحرب تشن تجاه السودان لتمسكه بدينه وعزته التي لا يبيعها بالقمح أو الدولار، مشيراً إلى استضافة السودان للاجئين وإيوائهم وتقديم الخدمات لهم.
37 قتيلاً في 5 أيام
في سياق مواز، أحصت منظمة العفو الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان مقتل 37 من المتظاهرين برصاص قوات الأمن السودانية خلال خمسة أيام من الاحتجاجات.
وقالت سارة جاكسون، مساعدة مدير المنظمة غير الحكومية لمنطقة شرق أفريقيا والبحيرات الكبرى والقرن الأفريقي "إن واقع استخدام قوات الأمن للقوة المميتة من دون تمييز ضد المتظاهرين العُزّل هو أمر مقلق للغاية".
ودعت المنظمة، حسب وكالة "فرانس برس"، السلطات إلى "وضع حد لاستخدام القوة المميتة وتجنب إراقة المزيد من الدماء بلا طائل".
وكانت أربع دول، في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، قد طالبت الخرطوم، أمس كذلك، بتنفيذ التدابير اللازمة للتحقيق بحالات استخدام القوة خلال الاحتجاجات الشعبية في السودان.
ورحبت دول "الترويكا"، التي تضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج وكندا، في بيان نُشر على صفحة السفارة الأميركية في "فيسبوك"، بالتأكيدات التي قدمتها وزارة الخارجية بشأن التحقيق.
وذكر البيان أن "الدول الأربع تشعر بالقلق إزاء أعمال العنف التي وقعت خلال الاحتجاجات الأخيرة في السودان، بما في ذلك التقارير الموثوقة عن استخدام الذخيرة الحية من قبل حكومة السودان، ما أدى إلى وفيات".
وأكد البيان "حق الشعب السوداني في الاحتجاج السلمي للتعبير عن مظالمه المشروعة"، على حد وصفه.
وحث الجميع على "تجنب استخدام العنف أو تدمير الممتلكات"، كما حث "الحكومة السودانية على الاستجابة للمظاهرات بشكل مناسب من خلال الشرطة النظامية والتعامل وفقاً للقانون السوداني والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات والتعبير، وتجنب إطلاق الذخيرة الحية على المحتجين والاحتجاز التعسفي والرقابة على وسائل الإعلام".