02 نوفمبر 2024
تجربة غزة ومقاس الضفة الغربية
في مواضيع الخلاف بشأن ما بعد المصالحة بين حركتي حماس من جهة وحركة فتح ومعها مكونات السلطة الفلسطينية من جهة ثانية، يبرز موضوع السلاح الذي تمتلكه "حماس"، والتصريحات المتتالية لقادةٍ في الحركة بأن هذا السلاح خط أحمر غير قابل للنقاش، تقابلها تصريحاتٌ تشدّد على وحدة السلاح ونبذ المفهوم الفصائلي لمواطن القوة. وهي قضيةٌ تم السكوت عنها وتأجيل البحث بها، لدى إعلان إنهاء الانقسام في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ولا شك أن هذه المسألة حسّاسة، ومن المهم مقاربتها ومعالجتها أولاً من منظور يميّز بين نوعين من السلاح. الأول هو الذي تمتلكه شرطة "حماس"، وأجهزتها الأمنية التابعة لوزارة الداخلية في قطاع غزة حتى تاريخه، فهذا السلاح لا بد أن يخضع لمعايير توحيد السلطة ومُخرجاته، باتجاه بناء قدراتٍ أمنيةٍ رسمية مهنية غير فصائلية، وتتبع لحكومة وفاق وطني أو وحدة وطنية تجسد مفاعيل إنهاء الانقسام وتعزيز المصالحة. وكما لا يحق لحركة حماس أن تمتلك أمنها الذاتي وشرطتها الفئوية، فإن الأمر نفسه ينطبق على سائر المنظمات والفصائل، بما فيها حركة فتح، فالأمن الداخلي مؤسسة وطنية من مؤسسات السلطة التنفيذية، وتخضع لمعايير مهنية ولقوانين ناظمة لعملها، وكما هو الحال في الأجهزة الشرطية لمختلف دول العالم المتطورة. ومن الطبيعي أن تنشأ أجهزة أمنية تتكفل بحفظ الأمن الداخلي والسهر عليه، وبتطبيق القوانين، من دون أن تنازعها في وجودها ومهامها أية أجهزة موازية ذات طبيعة فئوية أو حزبية أو فصائلية. إذ ‘ن أي ازدواجية من هذا القبيل ستؤدي إلى اضطراب حبل الأمن، وإلى الطعن في شمولية القوانين وعموميتها، وبما ينعكس سلباً على الجمهور،
وعلى مجرى الحياة اليومية، ويُفسد المضمون السياسي للكيان الوطني في أنظار الرأي العام.
أما النوع الثاني من السلاح فهو الذي تمتلكه المنظمات، والمُسخّر لغايات الدفاع عن قطاع غزة في مواجهة أية اعتداءات إسرائيلية، والذي شهدنا وجوده وأداءه في الرد على الحروب الإسرائيلية في السنوات العشر الأخيرة. وليس سراً أن فصائل عديدة تمتلك قدراتٍ دفاعية بحجوم متفاوتة، ولا يقتصر هذا الأمر على حركة حماس. علماً أن هذه القدرات مجتمعةً تظل، كمّاً ونوعاً، شديدة التواضع، وبما لا يُقاس، مقارنةً بالترسانة الحربية الإسرائيلية، لكنها تعكس قدرات شعب تعرّض للاحتلال أمدا طويلا، ثم تعرض لحصار خانق، ومع ذلك أمكنه، بالصمود والمثابرة، حيازة قدراتٍ دفاعية، تجعل العدو يتحسب طويلا، قبل اتخاذ أي قرار بالعدوان. ويُفترض من منظور وطني و"سيادي" عدم التضحية بهذا السلاح، أو التفكير بالتخلي عنه، فيما الآفاق مفتوحةٌ أمام تغوّل الاحتلال، وأمام شراهته التوسعية، بينما تشهد التسوية مزيداً من الاستعصاء، على الرغم من كل ما يُقال عن "صفقة القرن"، وحيث لن يتوانى الاحتلال عن رفض أي تسويةٍ، حتى لو كانت لصالحه، إذا ما استشعر أنه مدعوٌ للتراجع عن بعض ما استولى عليه بالقوة الغاشمة، والسطو المسلح.
وفي واقع الأمر، لو كان لدى الطرفين الرئيسين، في السلطة ولدى حركة حماس، شعور أكبر بالمسؤولية الوطنية، وبالالتزام تجاه حاضر القضية ومستقبلها، لكان قد تم بحث هذه المسألة بعيداً عن الأضواء ووسائل الإعلام، فهي تُعتبر من المسائل الحساسة التي تتعلق بالأمن الاستراتيجي، والتي يجري بحثُها بصورةٍ متكتّمة. وكما الحال لدى المؤسسات العسكرية التي تُبقى شؤونها الخاصة بعيدةً عن التداول الإعلامي، بل إنه يُحظر على وسائل الإعلام الخوض في الجوانب المتعلقة بهذه المؤسسات. لكن من المهم الإشارة إلى أن الكتائب المسلحة للمنظمات هي، في التعريف، نواة للجيش الوطني في المستقبل. وقد أدّت التطورات، منذ سريان اتفاق أوسلو أواخر العام 1993، إلى بقاء السلطة الفلسطينية، ومقرّها في رام الله، بغير قوة عسكرية، بدون "جيشٍ" يحميها، ويحمي الأرض والشعب. وحتى الشرطة الفلسطينية، فإن الاحتلال يضع كل أنواع العراقيل أمام نموها وتسليحها، وامتلاكها قدراتٍ متطورة، وأمام أداء وظائفها في حماية الأمن الداخلي وحماية المواطنين. وقد تحدّث، أخيرا، أحد قادة هذه الشرطة بأن عديد أفرادها ضئيل، وأنه يتعين إضافة 13 ألف شرطي إلى العدد الحالي، وفقاً لتقديراتٍ تتعلق بالنسبة المطلوبة لعدد أفراد الشرطة، قياساً إلى عدد السكان.. ومن تيسّر له زيارة الضفة الغربية سوف يلحظ، ويرى رأي العين، الحضور الضئيل للشرطة الفلسطينية في المدن والبلدات والقرى. فهل هذه هي التجربة التي تستحق نقلها من الضفة الغربية إلى قطاع غزة؟ أن يكون القطاع بغير نواة جيش، وبدون جهاز شرطة كفء وكافٍ؟
من المُسلّم به أنه يتعين اقتران وجود الكتائب المقاتلة بتفاهماتٍ سياسية عليا، وباستراتيجية
وطنية متفق عليها، ومُلزمة على مستوى جماعي، وأنه لا يحق لفصيل الاستقلال بمنظوره الخاص في ممارسة أي نشاط مسلح. وقد كانت لمنظمة التحرير تجربة طويلة في لبنان سبعينيات القرن الماضي بالتنسيق بين الأذرع المسلحة للمنظمات، بصرف النظر الآن عما هو خاطئ سياسيا بما يتعلق بالعمل على "أرض الآخرين"، غير أن الملاحظة تتعلق هنا بالقدرات على تنسيق عملٍ مشترك، ووضع الضوابط والمعايير الخاصة به. ومن المفيد والمنطقي أن تنتقل هذه الخبرات إلى أجيالٍ جديدة، وعلى أرضٍ وطنيةٍ، وضمن رؤى استراتيجيةٍ متفقٍ عليها بين مكونات الجسم الوطني في الداخل. مع وضع المحاذير اللازمة والحاسمة لعدم استخدام هذا السلاح خارج وظيفته الأصلية، والامتناع عن زجّه في الحياة السياسية الداخلية بأي صورة، واعتبار ذلك خطّا أحمر.
من الواجب أن يتحوّل قطاع غزة إلى نواة للدولة المستقلة، ونموذج لها. وعلى الرغم من ضيق رقعته وكثافة سكانه، وواقع الحصار الذي يتعرّض له، وغياب تواصل جغرافي مع الضفة الغربية، إلا أن القطاع خلوٌ من وجود الاحتلال وجيشه ومستوطنيه، ويتمتع ببوابةٍ مع العالم الخارجي، هي معبر رفح. وعليه، يُفترض أن يكون "المزاج السياسي" للسلطة الفلسطينية في غزة مختلفاً عما هو عليه في الضفة الغربية، على الرغم من أن السلطة هي نفسها هنا وهناك، لكن الواقع المتحرّر من ربقة الاحتلال في القطاع يستحق البناء عليه وتطويره، وليس إهداره وتبديده، وجعله على مقاس الوضع المؤلم في الضفة الغربية، حيث اليد الطولى هناك للاحتلال.
أما النوع الثاني من السلاح فهو الذي تمتلكه المنظمات، والمُسخّر لغايات الدفاع عن قطاع غزة في مواجهة أية اعتداءات إسرائيلية، والذي شهدنا وجوده وأداءه في الرد على الحروب الإسرائيلية في السنوات العشر الأخيرة. وليس سراً أن فصائل عديدة تمتلك قدراتٍ دفاعية بحجوم متفاوتة، ولا يقتصر هذا الأمر على حركة حماس. علماً أن هذه القدرات مجتمعةً تظل، كمّاً ونوعاً، شديدة التواضع، وبما لا يُقاس، مقارنةً بالترسانة الحربية الإسرائيلية، لكنها تعكس قدرات شعب تعرّض للاحتلال أمدا طويلا، ثم تعرض لحصار خانق، ومع ذلك أمكنه، بالصمود والمثابرة، حيازة قدراتٍ دفاعية، تجعل العدو يتحسب طويلا، قبل اتخاذ أي قرار بالعدوان. ويُفترض من منظور وطني و"سيادي" عدم التضحية بهذا السلاح، أو التفكير بالتخلي عنه، فيما الآفاق مفتوحةٌ أمام تغوّل الاحتلال، وأمام شراهته التوسعية، بينما تشهد التسوية مزيداً من الاستعصاء، على الرغم من كل ما يُقال عن "صفقة القرن"، وحيث لن يتوانى الاحتلال عن رفض أي تسويةٍ، حتى لو كانت لصالحه، إذا ما استشعر أنه مدعوٌ للتراجع عن بعض ما استولى عليه بالقوة الغاشمة، والسطو المسلح.
وفي واقع الأمر، لو كان لدى الطرفين الرئيسين، في السلطة ولدى حركة حماس، شعور أكبر بالمسؤولية الوطنية، وبالالتزام تجاه حاضر القضية ومستقبلها، لكان قد تم بحث هذه المسألة بعيداً عن الأضواء ووسائل الإعلام، فهي تُعتبر من المسائل الحساسة التي تتعلق بالأمن الاستراتيجي، والتي يجري بحثُها بصورةٍ متكتّمة. وكما الحال لدى المؤسسات العسكرية التي تُبقى شؤونها الخاصة بعيدةً عن التداول الإعلامي، بل إنه يُحظر على وسائل الإعلام الخوض في الجوانب المتعلقة بهذه المؤسسات. لكن من المهم الإشارة إلى أن الكتائب المسلحة للمنظمات هي، في التعريف، نواة للجيش الوطني في المستقبل. وقد أدّت التطورات، منذ سريان اتفاق أوسلو أواخر العام 1993، إلى بقاء السلطة الفلسطينية، ومقرّها في رام الله، بغير قوة عسكرية، بدون "جيشٍ" يحميها، ويحمي الأرض والشعب. وحتى الشرطة الفلسطينية، فإن الاحتلال يضع كل أنواع العراقيل أمام نموها وتسليحها، وامتلاكها قدراتٍ متطورة، وأمام أداء وظائفها في حماية الأمن الداخلي وحماية المواطنين. وقد تحدّث، أخيرا، أحد قادة هذه الشرطة بأن عديد أفرادها ضئيل، وأنه يتعين إضافة 13 ألف شرطي إلى العدد الحالي، وفقاً لتقديراتٍ تتعلق بالنسبة المطلوبة لعدد أفراد الشرطة، قياساً إلى عدد السكان.. ومن تيسّر له زيارة الضفة الغربية سوف يلحظ، ويرى رأي العين، الحضور الضئيل للشرطة الفلسطينية في المدن والبلدات والقرى. فهل هذه هي التجربة التي تستحق نقلها من الضفة الغربية إلى قطاع غزة؟ أن يكون القطاع بغير نواة جيش، وبدون جهاز شرطة كفء وكافٍ؟
من المُسلّم به أنه يتعين اقتران وجود الكتائب المقاتلة بتفاهماتٍ سياسية عليا، وباستراتيجية
من الواجب أن يتحوّل قطاع غزة إلى نواة للدولة المستقلة، ونموذج لها. وعلى الرغم من ضيق رقعته وكثافة سكانه، وواقع الحصار الذي يتعرّض له، وغياب تواصل جغرافي مع الضفة الغربية، إلا أن القطاع خلوٌ من وجود الاحتلال وجيشه ومستوطنيه، ويتمتع ببوابةٍ مع العالم الخارجي، هي معبر رفح. وعليه، يُفترض أن يكون "المزاج السياسي" للسلطة الفلسطينية في غزة مختلفاً عما هو عليه في الضفة الغربية، على الرغم من أن السلطة هي نفسها هنا وهناك، لكن الواقع المتحرّر من ربقة الاحتلال في القطاع يستحق البناء عليه وتطويره، وليس إهداره وتبديده، وجعله على مقاس الوضع المؤلم في الضفة الغربية، حيث اليد الطولى هناك للاحتلال.