تأتي الأحكام الأخيرة بحبس الصحافيين، في إطار ما يبدو حملة منظمة للنيل من كل المغردين خارج سرب النظام المصري اليوم. ففي الأيام والأسابيع والأشهر الماضية شهدت الصحافة المصرية حملة" مقالات" لتصفية شخصيات إعلامية بعينها، أبرزهم يسري فودة، وبثينة كامل، ودينا عبد الرحمن.
باتت من عاديات الأمور في مصر اليوم قصص المنع وتكميم الأفواه؛ إيقاف البرنامج الساخر لباسم يوسف على "إم بي سي" منذ قرابة شهرين؛ منع صحيفة الوطن نشر مقالة للصحافي محمد فتحي ينتقد فيها عبد الفتاح السيسي بشكل مباشر.
وحتّى الروائي علاء الأسواني أعلن هذا الأسبوع، من حسابه على تويتر، توقفه عن الكتابة في جريدة "المصري اليوم": "لم يعد مسموحاً إلا برأي واحد وفكر واحد وكلام واحد ، لم يعد مسموحاً بالنقد والاختلاف في الرأي ، لم يعد مسموحاً إلا بالمديح على حساب الحقيقة ". كما أعلن الأسواني كذلك تضامنه مع صديقه بلال فضل الذي مُنع مسلسله الجديد "أهل اسكندرية" من العرض على قناتي "الحياة" و"المحور" في شهر رمضان بدعوى أنه "ليس من الحكمة عرض مسلسل يقدم انتقادات لضابط شرطة حتى ولو كان نفس المسلسل يقدّم تعرضه للعقاب من رؤسائه".
في هذا السياق يمكن قراءة أحكام السجن بحق الصحافيين في ما عرف إعلامياً بقضية "خلية الماريوت". فقد صدرت هذه الأحكام بعد أسبوعين من أحكام مماثلة بالحبس بحق نشطاء سياسيين معارضين للنظام الحالي أبرزهم علاء عبد الفتاح، وبعد أيام من الإفراج عن عبد الله الشامي الصحافي في قناة الجزيرة لأسباب صحية بعد إضرابه عن الطعام لشهور.
إدانة الصحافيين المتهمين في قضية الماريوت بـ"تهم نشر أخبار كاذبة ودعم جماعة إرهابية" (جماعة الإخوان)، وصدور أحكام على بيتر غريستي (أسترالي الجنسية) ومحمد فهمي (مصري كندي) وباهر محمد (مصري) بالحبس لمدد تتراوح بين 7-10 أعوام، وصدور أحكام غيابية على صحافيين آخرين أغلبهم من العاملين في قناة الجزيرة بالسجن لـعشرة أعوام، وبراءة اثنين فقط من المتهمين؛ كل ذلك يجعل المراقب يتساءل عن حقيقة المستهدف من الحملة والنفق الجديد الذي يدخله ملف الحريات الإعلامية في مصر مع هذه الأحكام.
وبينما أدانت كبريات الجرائد ووسائل الإعلام في العالم الأحكام، وتضامن صحافيوها مع صحافيي الجزيرة الثلاث، لم يتورع رئيس تحرير جريدة "التحرير" إبراهيم عيسى عن القول "إن راديو إسرائيل أفضل من الجزيرة والمحكوم عليهم ليسوا صحافيين"، أما نقابة الصحافيين المصرية فأصدرت بياناً مائعاً تعلن فيه تضامنها مع الصحافيين مع "احترامها لمبدأ عدم التعليق على أحكام القضاء".
هكذا تتصرف الساحة الإعلامية المصرية وكأن الأمر لا يعنيها، في حين تلاقي المحاكمات إدانة دولية قوية، ولسان حالها قريب من تصريحات المسؤول في منظمة العفو الدولية فيليب لوثر، الذي وصف الأحكام بـ"الهزلية والهزء المرير من العدالة وأنه دليل جديد على أن السلطات المصرية لن تتوقف عن حملتها لسجن أي شخص يتحدى وجهة النظر الرسمية، بغض النظر عن مدى هزلية الأدلة المقدمة".
الآن، وبعد مرور ثلاثة أعوام على ثورة يناير، يبدو مشهد الحريات أكثر قتامة في مصر، فالمواطن الصالح في مصر هو المواطن الصامت، ومن يجهر برأي يجازف بالخروج من الدائرة الآمنة للمواطن الصالح.
* كاتب ومترجم من مصر