09 نوفمبر 2024
تحجيم أردني للمؤتمر الأميركي في المنامة
بإعلان الأردن، على لسان الملك عبد الله الثاني، عدم التزامه بحضور مؤتمر المنامة الاقتصادي، فإنّ عمّان تكون بذلك قد أجْلت موقفها من هذا المحفل الذي تنظمه واشنطن، ويُراد به تسويق الجانب الاقتصادي، مما يعرف باسم صفقة القرن الأميركية. وقد جاء الإعلان عن هذا الموقف، عقب استقبال العاهل الأردني، الأربعاء 29 مايو/أيار الحالي، المبعوث الرئاسي الأميركي جاريد كوشنر، على رأس وفد رسمي، ضم في عداده المبعوث جيسون غرينبلات، والأخير إلى جانب كوشنر هما من كبار مصممي الصفقة.
وقد وضع الاعلان الملكي حدّاً للتساؤلات والأقاويل بشأن طبيعة الموقف الأردني من مؤتمر المنامة. إذ امتنعت عمّان عن تحديد موقف علني من هذا المؤتمر، محتفظةً، في الوقت ذاته، بالموقف من جوهر التسوية، والقائم على حل الدولتين. وهو ما جرى التأكيد عليه، في بيان صادر عن الديوان الملكي، عقب انتهاء استقبال الملك عبد الله الثاني كوشنر وأعضاء الوفد.
وقد اختار الأردن توقيتا جيدا للإعلان عن موقفه الرسمي، وذلك بمخاطبة المبعوث كوشنر الذي ترعى إدارة بلاده مؤتمر المنامة. ويمثل موقف الأردن ضربةً للتحضيرات الجارية لعقد المؤتمر، إذ ينضم بذلك إلى الجانب الفلسطيني الرافض عقد المؤتمر المكشوف الأهداف، والذي يُراد منه تجميل صفقة ترامب، وتزيين الحياة للفلسطينيين في كيانٍ منقوصٍ وبلا سيادة، ويخضع حُكما لإكراهات الاحتلال وضغوطه الشرسة.
وفي واقع الحال، يمثل الموقف الرافض لمؤتمر المنامة امتدادا للموقف من الصفقة الأم، وإذ يمثل هذا المحفل ورشة اقتصادية للصفقة التي لم تُعرض على الأردن وفلسطين، ويُراد لهما المشاركة في ما يجهلان كنهه على وجه التحديد، على الرغم من أن الصفقة التي تسميها دوائر إعلامية العربية "خطة السلام الأميركية" تتناول مستقبل الأردن وفلسطين لأجيال وأجيال، وتعمل على تشريع الغزو الاستيطاني والاحتلال العسكري، وفق منظور ترامبيٍّ يقوم على أن هذا الاحتلال يستحق المكافآت السخية من أجل دفعه لتقديم تنازلاتٍ جانبية.
لقد أثبتت عمّان بهذا الموقف القدرة على الصمود في وجه الضغوط التي لا يمكن نكرانها،
ومنها التلويح بوقف المعونات. وتدرك واشنطن، وغيرها من عواصم القرار الدولي، أنها لن تجد بديلا عن الأردن في ضمان الاستقرار في هذا الجزء الحساس من المنطقة، على أن لا يكون هذا الاستقرار إدامةً للأمر الواقع في الأراضي المحتلة، ونشر اليأس والإحباط لدى الأجيال الشابة، وأن يكون هذا الاستقرار مفعما بالحياة والحيوية، لا بالجمود والركود. وقد استند الأردن، في موقفه هذا، إلى موقف شعبي عام وعارم، وحّد الأردنيين من جميع الاتجاهات، برفض صفقة ترامب، ومدخلاتها ومخرجاتها، لما تشكّله من خطرٍ ماحقٍ على الأردن وفلسطين، وبتعظيم وجود الدولة العبرية، وفتح الأبواب أمامها لاختراق المشرق العربي.
كما استند هذا الموقف إلى انفضاض دولي عن الصفقة قبل أن تولد، إذ لم يعبّر أي طرف عن ترحيبه أو تفاؤله بها، بل صدرت مواقف متحفظة من أطراف فرنسية وروسية وغيرها، وعلى الأقل بسبب الصيغة الانفرادية التي عمدت إليها واشنطن بالعكوف على إعدادها بعيدا عن مشاركة أي طرف إقليمي أو دولي، وربما باستثناء "الأصدقاء في تل أبيب"، ما أثار تحفظات مبدئية على الخطة. وحتى من يؤيدها بالسر، فقد اعتصم بالصمت والكتمان، وذلك لإدراكه بأنه يتعذّر الدفاع عن هذه الصفقة التي يُراد بها سلب القدس العربية، وتصفية قضية فلسطين من جميع جوانبها، إكراماً للمحتلين الإسرائيليين.
ومن شأن الموقف الأردني تعزيز رفض الصفقة، هنا وهناك، وتحجيم المؤتمر الأميركي في المنامة، والذي لم يعلق أحدٌ عليه آمالا تُذكر، باستثناء واشنطن نفسها، وعدا الحماسة الإسرائيلية للمشاركة، وقد كان من الغريب حقا أن تنتقل الحماسة إلى البلد المضيف، وكأنما أصبح المؤتمر بحرينيا لمجرّد أنه ينعقد على أرض المنامة، وقد كان أجدر بالبلد الشقيق، ابتداءً، رفض الاستجابة لاستضافة مؤتمرٍ كهذا، مكشوف الأهداف.
والأهم الآن، بعد قطع شوطٍ في الصمود، ورفض الإغراءات والضغوط، أن يتم تصويب
الأنظار إلى الصفقة ذاتها، باعتبارها صيغة تقطع الطريق على الحلول الجدّية وتعمق الاختلالات، ما يوجب تأجيلها وتجميدها، بغية إعادة النظر بها في ضوء المواقف المعلنة والمشدّدة على أن حل الدولتين هو الوحيد الذي يحظى بقبول إقليمي ودولي، ويستند إلى شرعية الأمم المتحدة، ويلقى قبولا يلامس الإجماع. علما أن رفض الصفقة يشمل ابتداء الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب حيال القدس ونقل السفارة الأميركية ومناوأة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ووقف الدعم للسلطة الفلسطينية، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، فهذه الإجراءات العدائية هي الجزء التمهيدي والأساسي للصفقة، وقد كشفتْ مُبكرا عن فحوى الصفقة ووجهتها وأهدافها.
ومن المفارقات أنه تم ربط الإعلان عن الصفقة بانتهاء الانتخابات الإسرائيلية، وتشكيل حكومة جديدة في تل أبيب، وقد أجريت الانتخابات التشريعية قبل أسابيع، لكن الأطراف السياسية فشلت في تشكيل ائتلافٍ بينها، وهي يجمعها التطرّف، وصار العالم في انتظار انتخاباتٍ إسرائيلية أخرى جديدة في 17 سبتمبر/أيلول المقبل، قد تسهم في تظهير قوى جديدة أشدّ تطرّفا، فثمّة بيئةٌ مؤاتيةٌ وخصبة لتوليد مزيدٍ من التطرّف، وبإسناد أميركي، وتحت عنوانٍ زائف، هو السلام. كل ذلك يجعل فرص الإعلان عن الصفقة تتضاءل مجدّدا، وهي فرصةٌ للعقلاء (لمن بقي منهم) في إدارة ترامب، وفي الكونغرس، للدفع باتجاه تجميد الصفقة، وإشاعة أجواء أفضل تعيد بناء الثقة العربية الأميركية، وتضع حداً للتحيزات العمياء وغير العقلانية من واشنطن تجاه تل أبيب، وتعيد تصحيح الأمور المختلة، وتوفير بيئةٍ أكثر ملاءمة لمواجهة تحديات المنطقة، بما فيها سلام الشرق الأوسط المفترى عليه.
وقد وضع الاعلان الملكي حدّاً للتساؤلات والأقاويل بشأن طبيعة الموقف الأردني من مؤتمر المنامة. إذ امتنعت عمّان عن تحديد موقف علني من هذا المؤتمر، محتفظةً، في الوقت ذاته، بالموقف من جوهر التسوية، والقائم على حل الدولتين. وهو ما جرى التأكيد عليه، في بيان صادر عن الديوان الملكي، عقب انتهاء استقبال الملك عبد الله الثاني كوشنر وأعضاء الوفد.
وقد اختار الأردن توقيتا جيدا للإعلان عن موقفه الرسمي، وذلك بمخاطبة المبعوث كوشنر الذي ترعى إدارة بلاده مؤتمر المنامة. ويمثل موقف الأردن ضربةً للتحضيرات الجارية لعقد المؤتمر، إذ ينضم بذلك إلى الجانب الفلسطيني الرافض عقد المؤتمر المكشوف الأهداف، والذي يُراد منه تجميل صفقة ترامب، وتزيين الحياة للفلسطينيين في كيانٍ منقوصٍ وبلا سيادة، ويخضع حُكما لإكراهات الاحتلال وضغوطه الشرسة.
وفي واقع الحال، يمثل الموقف الرافض لمؤتمر المنامة امتدادا للموقف من الصفقة الأم، وإذ يمثل هذا المحفل ورشة اقتصادية للصفقة التي لم تُعرض على الأردن وفلسطين، ويُراد لهما المشاركة في ما يجهلان كنهه على وجه التحديد، على الرغم من أن الصفقة التي تسميها دوائر إعلامية العربية "خطة السلام الأميركية" تتناول مستقبل الأردن وفلسطين لأجيال وأجيال، وتعمل على تشريع الغزو الاستيطاني والاحتلال العسكري، وفق منظور ترامبيٍّ يقوم على أن هذا الاحتلال يستحق المكافآت السخية من أجل دفعه لتقديم تنازلاتٍ جانبية.
لقد أثبتت عمّان بهذا الموقف القدرة على الصمود في وجه الضغوط التي لا يمكن نكرانها،
كما استند هذا الموقف إلى انفضاض دولي عن الصفقة قبل أن تولد، إذ لم يعبّر أي طرف عن ترحيبه أو تفاؤله بها، بل صدرت مواقف متحفظة من أطراف فرنسية وروسية وغيرها، وعلى الأقل بسبب الصيغة الانفرادية التي عمدت إليها واشنطن بالعكوف على إعدادها بعيدا عن مشاركة أي طرف إقليمي أو دولي، وربما باستثناء "الأصدقاء في تل أبيب"، ما أثار تحفظات مبدئية على الخطة. وحتى من يؤيدها بالسر، فقد اعتصم بالصمت والكتمان، وذلك لإدراكه بأنه يتعذّر الدفاع عن هذه الصفقة التي يُراد بها سلب القدس العربية، وتصفية قضية فلسطين من جميع جوانبها، إكراماً للمحتلين الإسرائيليين.
ومن شأن الموقف الأردني تعزيز رفض الصفقة، هنا وهناك، وتحجيم المؤتمر الأميركي في المنامة، والذي لم يعلق أحدٌ عليه آمالا تُذكر، باستثناء واشنطن نفسها، وعدا الحماسة الإسرائيلية للمشاركة، وقد كان من الغريب حقا أن تنتقل الحماسة إلى البلد المضيف، وكأنما أصبح المؤتمر بحرينيا لمجرّد أنه ينعقد على أرض المنامة، وقد كان أجدر بالبلد الشقيق، ابتداءً، رفض الاستجابة لاستضافة مؤتمرٍ كهذا، مكشوف الأهداف.
والأهم الآن، بعد قطع شوطٍ في الصمود، ورفض الإغراءات والضغوط، أن يتم تصويب
ومن المفارقات أنه تم ربط الإعلان عن الصفقة بانتهاء الانتخابات الإسرائيلية، وتشكيل حكومة جديدة في تل أبيب، وقد أجريت الانتخابات التشريعية قبل أسابيع، لكن الأطراف السياسية فشلت في تشكيل ائتلافٍ بينها، وهي يجمعها التطرّف، وصار العالم في انتظار انتخاباتٍ إسرائيلية أخرى جديدة في 17 سبتمبر/أيلول المقبل، قد تسهم في تظهير قوى جديدة أشدّ تطرّفا، فثمّة بيئةٌ مؤاتيةٌ وخصبة لتوليد مزيدٍ من التطرّف، وبإسناد أميركي، وتحت عنوانٍ زائف، هو السلام. كل ذلك يجعل فرص الإعلان عن الصفقة تتضاءل مجدّدا، وهي فرصةٌ للعقلاء (لمن بقي منهم) في إدارة ترامب، وفي الكونغرس، للدفع باتجاه تجميد الصفقة، وإشاعة أجواء أفضل تعيد بناء الثقة العربية الأميركية، وتضع حداً للتحيزات العمياء وغير العقلانية من واشنطن تجاه تل أبيب، وتعيد تصحيح الأمور المختلة، وتوفير بيئةٍ أكثر ملاءمة لمواجهة تحديات المنطقة، بما فيها سلام الشرق الأوسط المفترى عليه.