ما فتئ الموقف الإيطالي إزاء الأزمة الليبية يتغير ويتحول تبعاً لتحول الأزمة، إلى أن رأى كثير من المراقبين أنه بدأ في التراجع، أخيراً، لصالح الموقف العسكري، الذي فرضه الجنرال خليفة حفتر في منطقة الهلال النفطي، التي تعتبر أكثر المناطق جاذبية لدول العالم.
وكانت إيطاليا قد أعلنت موقفها الداعم لحكومة البرلمان في شرق البلاد إثر انطلاق عمليات "فجر ليبيا" غرب البلاد، أعقبها إعلانها خلال عام 2015، تأييدها الكامل لجلسات الحوار التي أطلقتها الأمم المتحدة نهاية عام 2014 بين فرقاء الأزمة الليبية.
وإثر توقيع الاتفاق السياسي بين ممثلي طرفي النزاع في ديسمبر/كانون الأول الماضي، دعمت روما بكافة السبل مخرجات الاتفاق السياسي. كما تناقلت وسائل الإعلام الدولية والمحلية وصول رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق" إلى قاعدة بوستة البحرية في طرابلس على ظهر "فرقاطة إيطالية" ليعكس دعماً إيطالياً كبيراً للمجلس الرئاسي، واقتراباً منه أكثر من غيرها من الدول الأوروبية المؤيدة للاتفاق السياسي.
كما عينت إيطاليا، جوزيبي بيروني، سفيراً جديداً لها، مع تسليمه مهمة فتح سفارة إيطالية في طرابلس، في أغسطس/آب الماضي.
وفي موقف يعكس المزيد من الدعم للمجلس الرئاسي، قررت إيطاليا أيضاً إرسال فريق طبي بصحبة عدد من جنود الحراسة إلى مصراتة لعلاج جرحى عملية البنيان المرصوص، التي تخوض قتالاً ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سرت تحت راية المجلس الرئاسي.
غير أنه، مع استمرار تعنت حفتر وداعميه السياسيين، ورفضهم للمجلس الرئاسي؛ بدت مواقف إيطاليا متأرجحة بشدة، فهي تارة تعلن عن دعمها للمجلس الرئاسي كسلطة شرعية ووحيدة في البلاد، وتارة أخرى تغازل حفتر وقواته في الشرق.
ويتساءل مراقبون "هل تتأثر المواقف الإيطالية تبعاً لتحول الساحة الليبية لحلبة صراع دولية نتيجة مصالح الدول الكبرى فيها؟ أم أن انتصارات حفتر العسكرية والتأثيرات الإقليمية كانت السبب في تلبّك الموقف الإيطالي؟".
إذ إنه عقب غزو حفتر منطقة الهلال النفطي بدعم مصري سياسي في العلن، وربما عسكري في الخفاء، قال وزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني، "لا يؤثر مقتل الإيطالي جوليو ريجيني في مصر على موقف إيطاليا مما يحدث في ليبيا"، مشيداً بالدور المصري الساعي لحلحلة الأزمة الليبية، معتبراً أنه "من الخطأ خلط مقتل جوليو ريجيني الحساس جداً بالنسبة إلينا بالقضية الليبية".
وزادت وتيرة التصريحات الإيطالية "الداعمة" لحفتر بعد الإعلان عن اختطاف عمال إيطاليين جنوب ليبيا، إذ دعت روما، التي شاركت في بيان الدول الست الداعي قوات حفتر بالانسحاب الفوري ودون شروط مسبقة؛ لإيجاد مكان لحفتر في المشهد المقبل.
ودعا وزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني، الثلاثاء الماضي، إلى ضرورة إيجاد موقع لحفتر في التسوية السياسية، إذا أرادت الدول الكبرى إنهاء الأزمة في ليبيا. وقال أيضاً "إذا أردنا اتفاقاً قوياً في ليبيا فيجب المضي في الاتفاق مع الجنرال حفتر"، مطالباً القاهرة باستخدام نفوذها للتأثير على الأطراف الليبية من أجل الوصول إلى اتفاق.
بل ذهب جنتيلوني أكثر من ذلك إذ طالب بأن تستخدم مصر نفوذها في ليبيا لتعزيز الحوار بين الأطراف الليبية. ويتساءل مراقبون للشأن الليبي عن خلفيات تأثير اختطاف عمال إيطاليين في تحول الموقف الإيطالي بشكل كبير.