لم يكن قطاع السياحة التونسي المتضرر الوحيد من العملية الإرهابية التي حصدت أكثر من 23 قتيلاً في متحف باردو، بل يتوقع جل المهتمين بالشأن الاقتصادي أن تطال تداعيات هذه العملية الاستثمار الداخلي والخارجي الذي يشهد بطبعه تراجعاً، حسب الأرقام الرسمية للمصرف المركزي التونسي.
ودعت بعض الشركات الأجنبية العاملة في تونس، الحكومة التونسية ووزارة الداخلية إلى تأمين
مقراتها، بعدما تبيّن أنّ الإرهابيين يستهدفون الأجانب بدرجة أولى حتى تجبر هذه الشركات على مغادرة البلاد.
وقال الخبير الاقتصادي معز الجودي، في تصريحات خاصة بـ "العربي الجديد "، إن الحكومة
التونسية مدعوة إلى الإسراع في تشخيص الوضع الاقتصادي، وإيجاد الحلول الفعلية لإقناع المستثمرين المحليين والأجانب بأهمية العودة إلى الاستثمار في تونس، معتبراً أن الاستثمار هو الأداة الوحيدة لخلق الثروة ورفع نسبة النمو.
وأشار الجودي إلى أن المستثمرين الأجانب لن يُقبلوا مجدداً على العمل في تونس، في ظل غياب ضمانات أمنية كبرى وجدية تتعهّد بها الحكومة، إلى جانب ضرورة إسراع هذه الأخيرة بتحسين التشريعات وتطوير المناخ الاستثماري عموماً، لدفع رجال الأعمال المحليين إلى إنشاء مشاريع كبرى قادرة على امتصاص البطالة.
اقرأ أيضاً:
السياحة التونسية تعلن إلغاء 3 آلاف حجز وتوقعات بالمزيد
ويعتبر الخبير الاقتصادي، الجودي، أن حملات التعاطف التي عبّرت عنها بعض الدول الأجنبية، لا يمكن أن ترتقي إلى نوايا استثمار، لافتاً النظر إلى أن التعاطف وحده لا يخلق الثروة، وأن الحكومة مدعوّة إلى مساعدة المستثمرين على مواصلة نشاطهم في تونس، لأن مغادرة أي مؤسسة أجنبية سيحيل آلياً المئات من العمال والموظفين إلى البطالة القسرية.
في المقابل، قالت المشرفة على وكالة الاستثمار الخارجي، وهي مؤسسة حكومية مسؤولة عن الاستثمارات الخارجية، إيمان سعدي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إنه "ربّ ضارة نافعة".
وتوقعت سعدي أن يشهد نسق الاستثمارات الخارجية نمواً تصاعدياً في الأشهر المقبلة، كردة فعل إيجابية على الضربة الإرهابية التي تلقاها متحف باردو، وذلك بعد موجة التعاطف والمساندة التي عبّرت عنها الدول الأجنبية، ولا سيما الأوروبية.
وأكدت إيمان سعدي أن الوكالة لم تتلق أي إشعار في التراجع عن نوايا الاستثمار السابقة، مقلّلة من تداعيات عملية باردو على الاستثمارات الخارجية.
من جانبه، يرى المستثمر توفيق بلخود، الذي دخل أخيراً في شراكة سياحية مع شركة كندية، أنه بات من الصعب إقناع المستثمرين الأجانب بإنشاء مشاريعهم في تونس.
وقال بلخود، لـ "العربي الجديد"، إن القرارات التي ستتخذها الحكومة التونسية بشأن دفع
الاستثمار، وتحقيق نجاحات أمنية في القضاء على الإرهاب ستكون فاصلة في عودة المستثمرين إلى تونس من عدمها.
هذا، وقد أثّر المخاض السياسي الذي عاشت على وقعه البلاد التونسية طيلة السنوات الأخيرة سلبياً على الاقتصاد، وساهم بصفة مباشرة في تراجع حجم الاستثمارات الداخلية، إذ تراجع حجم الاستثمارات المصرح بها في الصناعات المعملية خلال الشهرين الأولين من السنة الحالية بـ25.3%، حيث بلغ 382.3 مليون دينار (حوالى 191 مليون دولار)، مقابل 511.6 مليون دينار (255 مليون دولار)، في الفترة نفسها من سنة 2014، وذلك وفق إحصائيات رسمية.
ويعود انخفاض الاستثمارات أساساً إلى التراجع المسجل في معظم القطاعات، ومنها قطاع صناعات مواد البناء والخزف والبلور، بنسبة 77.2%، وقطاع الصناعات الغذائية بنسبة 13%، وقطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية بنسبة 26.3% والصناعات الكيميائية بنسبة 11%.
من جهة أخرى، شهدت بعض القطاعات تطوراً ملحوظاً، وخاصة قطاع صناعات النسيج والملابس وصناعات الجلد والأحذية.
على صعيد موازٍ، شهدت الاستثمارات الموجهة للسوق المحلية تراجعاً بنسبة 40.9%، حيث بلغت 255.4 مليون دينار (127 مليون دولار)، مقابل432.2 مليون دينار (216 مليون دولار)، في العام الماضي، 2014، في حين ارتفعت الاستثمارات المصدرة بنسبة 59.8%، حيث بلغت 126.9 مليون دينار (63 مليون دولار)، مقابل 79.4 مليون دينار ( 39 مليون دولار)، العام الماضي.
وبيّنت الأرقام أن الاستثمارات ذات المساهمة الأجنبية تراجعت بنسبة 58.3%، حيث بلغت 79.6 مليون دينار (39 مليون دولار)، في فبراير/شباط 2015، مقابل 190.9 مليون دينار في فبراير 2014.
كما شهدت الاستثمارات في مناطق المحافظات الداخلية تراجعاً بنسبة 46%، حيث بلغت 128.4 مليون دينار (64 مليون دولار)، مقابل 237.6 مليون دينار (118 مليون دولار)، سنة 2014.
وتعتبر الصناعات المعملية في تونس إحدى أهم ركائز الاقتصاد، ولا سيما أنها تساهم في دفع
قطاع التشغيل باعتبار أنها تستقطب نسباً عالية من اليد العاملة المباشرة وغير المباشرة.
يذكر أن تونس تواجه ضغوطاً يمارسها البنك الدولي للتسريع في إجراء إصلاحات اقتصادية قبل الحصول على مساعدات قيمتها 4 مليارات دولار.
وهو ما يعني أن الحكومة التونسية ستواجه نقصاً في تمويل الإنفاق الحكومي خلال العام الجاري.
ويذكر أيضاً أن المديرة العامة ومديرة عمليات البنك الدولي، سري مولياني أندرواتي، وعدت خلال زيارتها إلى تونس الأسبوع الماضي، أن يقدم البنك الدولي لتونس نحو 4 مليارات دولار لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وتشمل هذه الإصلاحات إعادة هيكلة نظام البنوك وتحسين مناخ الأعمال من أجل استعادة ثقة المستثمرين.
وعلى مدى السنوات الأربع الماضية تمكنت تونس من الحصول على نحو 500 مليون دولار من البنك الدولي، الذي دعا في مناسبات عدة إلى إصلاحات هيكلية وعميقة ومستعجلة للاقتصاد التونسي إلى جانب رفع الدعم.
اقرأ أيضاً:
تونس: اعتداء "باردو" يضرب الاقتصاد العليل