من المتوقع أن يشهد مطلع العام المقبل، انطلاق التداول بالليرة التركية لدى بورصة موسكو، بعد زيادة الطلب عليها، إثر تحسّن العلاقات وزيادة التبادل التجاري بين أنقرة وموسكو.
وأنجزت تركيا، في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، اتفاقاً لمبادلة العملة مع الصين بقيمة 450 مليون ليرة تركية (نحو 132 مليون دولار)، مع توجه أنقرة إلى اعتماد العملات المحلية في جانب من تعاملاتها الخارجية مع شركائها لمواجهة ارتفاع الدولار أمام الليرة، الذي تعدى، خلال الأسبوعين الأخيرين، حاجز 3.843 ليرات للدولار الواحد، وهو أعلى سعر منذ الانقلاب الفاشل الذي ضرب تركيا في شهر يوليو/تموز من العام الماضي.
وقال الخبير الاقتصادي التركي خليل أوزون، إن في مصلحة تركيا، ولاعتبارات كثيرة، أن تعتمد الليرة التركية بتبادلاتها التجارية، خاصة مع دول ذات اقتصاد قوي، كالصين وروسيا، لأن في ذلك زيادة لقيمة العملة في الأسواق المالية العالمية وتخفيض التكلفة التشغيلية للتجارة الخارجية، فضلاً عن تعزيز وضع الليرة أمام المضاربة، وبالتالي التقليل من المخاطر والتذبذب الذي يعانيه سعر صرفها خلال السنوات الأخيرة.
ويضيف أوزون، في تعليقه لـ"العربي الجديد"، أن تركيا خطت عملياً بهذا الاتجاه مع أكثر من دولة، فخلال زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان، الشهر الفائت، لإيران، تم الاتفاق على استخدام العملة المحلية بديلاً عن الدولار في التبادل التجاري بين البلدين، مشيراً إلى أن حجم التبادل بين البلدين لا يستهان به، حيث يبلغ نحو 15 مليار دولار، وهنالك تطلع لزيادته إلى أكثر من 35 مليار دولار.
ويشير المحلل التركي، إلى أن خطوة اعتماد الليرة بالتبادلات التجارية لا تقتصر على إيران وروسيا والصين، بل ثمة خطط تركية لاعتماد العملات المحلية مع بعض الدول الأفريقية وأميركا اللاتينية، لافتاً إلى أن فنزويلا أبدت رغبتها في زيادة التعاون التجاري المشترك مع تركيا، وتم الاتفاق على التعامل بالليرة التركية لأجل القضاء على المشاكل الناجمة عن عمليات السداد في العلاقات التجارية.
ويرى اقتصاديون أن اعتماد العملات المحلية بدل الدولار، الذي تقوده تركيا، وايران، وروسيا، والصين، سيكون له تأثير يشبه أحجار الدومينو في أنحاء العالم، ما سيؤدي إلى تسريع وتيرة إنشاء نظام تجاري واقتصادي جديد في العالم.
ويرى هؤلاء في خطوة دول "بريكس" التي تضم البرازيل، روسيا، الصين، الهند وجنوب أفريقيا، باعتماد العملات المحلية ومن ثم اعتماد العملات الرقمية كإحدى آليات الدفع الممكنة، يعد بداية لإلغاء همينة الدولارعلى التجارة الدولية.
وفي هذا الصدد، يقول المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو، بدأت تركيا بالتعامل بالعملة المحلية مع روسيا منذ عام 2015 بشكل رسمي، لكنها، وليس هذا سراً، بدأت قبل ذاك، بالتعامل التجاري مع إيران بالعملة المحلية وإن بشكل غير رسمي.
ويضيف المحلل التركي لـ"العربي الجديد" قبل أسابيع أعلنت تركيا أنه يجب على دول مجموعة الثماني، أن تتعامل بعملاتها المحلية خلال التجارة البينية، وتوسعة التجارة لاحقاً لتطاول مجموعة العشرين، التي يزيد حجم التبادل فيما بينها عن 1.6 تريليون دولار، وهو فيما لو تم ولو جزئياً، سيقلل كثيراً من هيمنة الدولار، بل ويمكن أن يشكل نظاما ماليا جديدا ويسحب البساط من الاعتماد على الدولار وتبعية سطوة أميركا على التجارة الدولية.
ويشير كاتب أوغلو إلى أن بلاده أبرمت الكثير من الاتفاقات مع أفريقيا وغيرها، بالعملات المحلية، ومنها مع الصومال وكينيا وغينيا، معتبراً أن ذلك سيعزز من تدفق السلع التركية باتجاه تلك الأسواق ويكسر الحصار المفروض على بعضها من الولايات المتحدة الأمريكية .
وحول ما يمكن أن ينعكس على الليرة جراء اعتمادها بالتبادلات التجارية، يضيف المحلل التركي، ستزيد تلك الخطوة من الصادرات التركية وتحسن سعر صرف الليرة التي سيزيد الطلب عليها، معتبراً تراجع سعر الليرة هذه الفترة لا يعكس طبيعة الاقتصاد التركي القوي، بل يمكن الاستدلال على تحسن ومتانة الاقتصاد من خلال مؤشرات النمو والصادرات والبورصة.
من جهته، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة ماردين التركية، عبد الناصر الجاسم، أن في الخطوة التركية، جانبا سياسيا مضاف للاقتصادي، خاصة بعد تمنّع الاتحاد الأوروبي من قبول عضوية تركيا وتوتر العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، كما تحسن العلاقات مع روسيا، يصب بالخانة نفسها .
ويضيف، أنه من الصعب أن يتم الاستغناء عن الدولار بالتعاملات التجارية الدولية لأن أكثر من 95% من التجارة الدولية يتم بالعملة الأميركية، لكن بخطوة مجموعة البريكس وتركيا، إجراء مهم قد يقلل من التبعية، وينعكس على سعر صرف الليرة التركية والسياحة والاستثمار، إيجاباً.