الداخل إلى سوق عكا القديمة، في الأيام العادية، ما عدا نهاية الأسبوع، قد يفاجأ من سكون المكان التاريخي، الذي كان، على مر عقود مضت، من الشرايين الرئيسية التي تغذّي الاقتصاد العربي في المدينة. وتنتعش السوق غالباً يوم الجمعة والسبت فقط، وتشهد حراكاً للناس المتجولين فيها والمارّين منها، وحركة أقل تتعلق بالبيع والشراء.
الشبكات التموينية والتجارية الإسرائيلية الحديثة المنتشرة في عكا ومنطقتها، أفقدت السوق مكانتها التجارية، كما أن سكان البلدات العربية المجاورة الذين كانوا يقصدونها دائماً على مر سنوات، لم يعودوا يفعلون ذلك للتسوّق إلا ما ندر، وغالباً للسياحة والترفيه لتوفّر احتياجاتهم في بلداتهم.
"الرزق على الله"، أكثر مقولة رددها أصحاب المحلات في سوق عكا القديمة، في إجاباتهم عن أسئلة "العربي الجديد". في محل لبيع السمك تمتد أمامه بسطة فُردت عليها أسماك طازجة، وقف أحمد زكور، منتظراً قدوم زبائن. يعمل زكور في السوق منذ 1974.
يستذكر زكور، في حديثه مع "العربي الجديد"، سنوات خلت، "كان فيها الحال أفضل بكثير، وحركة السوق نشطة حتى في أيام مطلع الأسبوع ومنتصفه، وليس في يومي الجمعة والسبت فقط، كما هو الحال اليوم. كان هذا المكان يجتذب الناس إليه، لكن اليوم هناك محلات تجارية في مختلف البلدات العربية التي كانت تفتقر سابقاً لمثلها، وبالتالي كانت عكا تشكل مركزاً لتسوّق أهالي المنطقة. لكن رغم شحّ الحركة، إلا أنّ الرزق على الله".
أما أحمد جارحي، صاحب ثلاثة محلات في السوق القديمة، منها محل للأدوات المنزلية، فتحدّث عن ميّزات السوق من وجهة نظره، مؤكداً أن "هذا المكان يحافظ على خصوصية ما. وفضلاً عن قدمه وتاريخه، لا تزال فيه أشياء تقليديّة أيضاً، منها مثلاً البهارات الطازجة المميّزة جداً في سوق عكا، وهناك من يقصد السوق لهذا الغرض، على سبيل المثال".
"تخيّل"، أضاف أحمد جارحي: "هنا ما زال الناس يجدون حجارة للقداحة، وقطع جلد صغيرة للعكاكيز وإبرا وخيوطا، وأشياء قد تبدو صغيرة، لكنك لن تجدها في أماكن أخرى، وهذه مجرد عيّنة بسيطة، لأشياء قد تبدو اليوم غريبة".
ويؤكد أحمد على الركود الاقتصادي في السوق "فنسبة لعقود سابقة، هناك تراجع بنحو 85 % في الحركة التجارية في هذا المكان. من الأسباب المعروفة طبعاً توفّر خيارات كثيرة للتسوق في هذه الأيام، وربما أيضاً تصريحات بعض السياسيين الإسرائيليين غير المسؤولة وتوتير الأجواء والأوضاع الأمنية، التي أثرت بشكل أو بآخر سلباً على السوق وارتياده من قبل الزوار الإسرائيليين".
في المحل المجاور، جلس الشاب سعيد جارحي، صاحب محل بهارات يعمل في السوق منذ 13 سنة، يتزيّن محله بألوان البهارات الزاهية التي تفوح منها رائحة طيبة زكيّة، لكن الحال "ضعيف"، كما يقول لـ"العربي الجديد". ويضيف: "معاناة التجّار كبيرة جدّاً في السوق بسبب ضعف الإقبال".
عكا القديمة اليوم هي بلدة سياحية أكثر من كونها تجارية وهذا سيئ، لأنّ الناس بالعادة يزورونها نهاية الأسبوع فقط للترفيه عن أنفسهم، يتجوّلون فيها ويتمتعون ببحرها، لكنهم لا يشترون بشكل عام. ربما يأكلون ويشربون ويدخّنون الأرجيلة في المقاهي، لكنهم لا يتسوقون. الشبكات الغذائية والتجارية الإسرائيلية من الأسباب التي أثّرت سلباً علينا، ولكنْ هناك أسباب أخرى".
نبيل هنداوي، صاحب محل لبيع العطور والبخور في سوق عكا القديمة، لم يختلف حديثه عن ضعف الحركة التجارية عن سابقيه، لكنه أضاف، أن "المحلات هنا، لها زبائن أوفياء لها، اعتادوا ارتيادها من فترة إلى أخرى للتسوق منها، وهؤلاء يُعينون على صمود هذه المحلات في السوق ويشكّلون مصدراً للدخل. أيضاً أحياناً هناك فترات تكون نشطة نوعاً ما، خصوصاً قبل المناسبات مثلاً، هذا أيضاً قد يعوّضنا بعض الشيء عن فترات أخرى، لكن في العموم الحركة ضعيفة جداً".
ويرى هنداوي أن "السياح الذين يقصدون عكا ويمرون من أزقة البلدة القديمة وسوقها، لا يشترون شيئاً إلا ما ندر، فهم مرتبطون بمرشدين سياحيين، يأخذونهم إلى حيث يشاؤون، ولا يتيحون لهم المجال للتسوق أو شراء بعض الأشياء التذكارية من هذه السوق، وربما يفعلون ذلك عمداً". كذلك، أشار هنداوي إلى فرض البلدية الإسرائيلية في عكا، رسوماً على مواقف السيارات في البلدة القديمة، بدأت العمل بها منذ بضع سنوات، وهو أمر أثر سلباً على الحركة التجارية.