02 نوفمبر 2024
ترامب الإعلامي.. الحياد أم تحرّي الحقائق؟
أثارت لورا بيتس، مؤسّسة إحدى حركات المجتمع المدني المناهضة للتمييز الجنسي ضد النساء في بريطانيا، النقاش مجدّدا بشأن مفهوم التعددية لدى هيئة الإذاعة والتلفزة البريطانية (بي بي سي)، إذ انتقدت بحدة طلب إذاعة "بي بي سي فور" منها المشاركة ببرنامجٍ حواري يناقش ما إذا كان الكلام المسّرب للمرشح الجمهوري للانتخابات الأميركية، دونالد ترامب، بشأن استخدامه النساء أغراضاً لمتعته الجنسية أمراً يقبل وجهتي نظر. اعتبرت الناشطة النسائية أن مجرد طرح الأمر للنقاش، على أساس أنه يحمل وجهتي نظر، يوحي بأن استخدام أجساد النساء، سواء على مستوى الكلام أو الفعل، على أنهن مجرد غرضٍ لإشباع حاجات الرجال الجنسية، أمر طبيعي، ويساهم في تسويق هذا السلوك. هل يمكن أن يكون "الحياد" الإعلامي عملياً تعبيراً عن وجهات نظر متضاربة في أي شيء، بما في ذلك مقاربة النساء وأجسادهن بوصفهن أغراضاً جنسية؟ هل يمكن اعتبار حديث ترامب البذيء لاستخدامه أجساد النساء مجرّد وجهة نظر؟
يجتذب ترامب اهتماماً كبيراً لدى الإعلام البريطاني الذي يقاربه باعتباره ظاهرة شعبية، من دون اتخاذ موقف ناقد لصعوده غير المتوقع مرشّح الحزب الجمهوري. على العكس، يبدو التركيز على مواقف ترامب، وتحليل ظاهرة إعجاب الرجال (وبعض النساء) البيض له، وكأنهما من باب تطبيع الحالة على أنها واقعة سياسية واجتماعية مقبولة، في حين لا تخفي الصحافة الصفراء إعجابها به، إذ تبرز، في عناوينها العريضة، تصريحاته، حتى تلك المغالية في تطرّفها.
اعتمد الإعلام البريطاني في غالبيته العظمى، باستثناء الصحافة الشعبية اليمينية المتطرّفة، تمثيل وجهتي النظر من الاستفتاء على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، في نسب متفاوتة، خصوصاً في الإعلام المرئي والمسموع، من دون مقارعة الحجج، أو النظر في السياسات أو التصريحات السابقة للمسؤولين، بما في ذلك التي تتعارض صراحةً مع اصطفافهم من الاستفتاء. وبذلك، حدّدت هذه الوسائل هويتها ودورها، باعتبارها مجرد منصةٍ لتقديم الآراء ونشرها لا غير، من دون أن يعني ذلك، بالضرورة، مقارعة هذه الآراء، بالتحقيق الذي يتعدّى مجرد الحوار. مع انكشاف فداحة الخسائر التي سوف تلحق بالاقتصاد، نتيجة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وضبابية المرحلة، ارتفعت نبرة الصحافة المكتوبة، في شكل خاص، أخيرا في التحذير من كارثةٍ مقبلة.
قدّم الإعلام الأميركي صورةً مغايرة تماماً في مقاربته الحملة الانتخابية الرئاسية التي تسير على وقع الفضائح الجنسية، وتعبيراتٍ من العداء والبذاءة، بلغت مستوياتٍ غير مسبوقة. يخوض الإعلام المعركة الأولى والأبرز في القضاء على حظوظ المرشح الجمهوري، أو على الاقل تقليصها، تفوق بكثير فاعلية حملة مرشحة الديمقراطيين، هيلاري كلينتون. من التحقيق في ملفات ترامب الشخصية وماضيه إلى نشر شرائط فضائحه، وإفراد الصفحات لها، وإجراء المقابلات مع اللواتي يتهمنه بالاعتداء عليهن، إلى تقصّي إعلانه التهرّب الضريبي إلى مقالات الرأي اليومية والافتتاحيات التي تحذّر من خطره على الديمقراطية الأميركية. أعلنت كبريات الصحف والمجلات دعمها المرشحة الديمقراطية، ومنها "فورين بوليسي" التي خرجت عن تقاليدها في البقاء خارج حلبة دعم المرشحين، لتعلن دعمها هيلاري كلينتون رئيسة للبلاد.
اتهم ترامب الإعلام بأنه يحيك مؤامرةً ضده، وأنه يعمل على "تسميم عقول" الناخبين. وقد أشار استطلاع لـ"غالوب" إلى تراجع الثقة بالإعلام الأميركي في أوساط الجمهوريين من متوسطي العمر، وهم ركيزة التصويت المؤيد لترامب. تقول سيدةٌ من ناخبي ترامب، في وثائقي لـ "بي بي سي" عن سر جاذبية ترامب، إنها سوف تصوّت لصالحه، على الرغم من كل الفضائح، وأنها تزداد حباً له، بسبب حملات الإعلام ضده. وتعلّق أخرى، ردا على الجدل بشأن تصريحاته المهينة للنساء: وهل أنا أصوّت للبابا (روما)؟ أظهر استطلاعٌ للرأي، بعد المناظرة التلفزيونية الأخيرة بين كلينتون وترامب، أن الأخير خسر المواجهة الثالثة، إلا أن شعبيته في تزايد مضطرد، ما يعني أنه لا علاقة لدعم مؤيديه بأدائه، بل هو خيار عاطفي غير عقلاني.
هل يعني ذلك كله أن الإعلام الأميركي، وهو كما أي إعلام آخر، مجموعة متنوعة، يصعب التبسيط في تصنيفها في بوتقة واحدة، كان عليه أن يعتمد "الحياد" في تقديم ترامب مرشّحاً عادياً، باعتباره خيار المرشحين الجمهوريين؟ هل كان عليه أن يقول إن كل شيء على ما يرام، وإن ما يتلفظ به المرشح الجمهوري، مساهماً في إذكاء شعبيته في أوساط ناخبيه من كارهي النخب، أمر عادي، فيكتفي بنقل وقائع الحدث من دون أي موقف؟ تقول الصحافية والمحاورة في شبكة سي إن إن، كرستيان أمانبور، إنها تصرّ في تغطيتها الصحافية الأحداث حول العالم، ومن وجهات نظر مختلفة، على أن تكون باحثةً عن الحقائق، ومعبرةً عنها، لا باحثة عن الحياد وملتزمة له.
بين حياد الإعلام البريطاني في نقل وقائع إحدى أكبر الأزمات التي واجهتها المملكة ومسؤولية الإعلام الأميركي في تقصّي الحقائق، والتي حولته إلى سلاح انتخابي حاد، سؤال متجدّد بشأن دور الإعلام في أزماتٍ معقدةٍ، لا يمكن توقع نتائجها على البلاد. قد تقدم نتائج الانتخابات الأميركية الشهر المقبل قسطاً من الإجابة على السؤال.
يجتذب ترامب اهتماماً كبيراً لدى الإعلام البريطاني الذي يقاربه باعتباره ظاهرة شعبية، من دون اتخاذ موقف ناقد لصعوده غير المتوقع مرشّح الحزب الجمهوري. على العكس، يبدو التركيز على مواقف ترامب، وتحليل ظاهرة إعجاب الرجال (وبعض النساء) البيض له، وكأنهما من باب تطبيع الحالة على أنها واقعة سياسية واجتماعية مقبولة، في حين لا تخفي الصحافة الصفراء إعجابها به، إذ تبرز، في عناوينها العريضة، تصريحاته، حتى تلك المغالية في تطرّفها.
اعتمد الإعلام البريطاني في غالبيته العظمى، باستثناء الصحافة الشعبية اليمينية المتطرّفة، تمثيل وجهتي النظر من الاستفتاء على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، في نسب متفاوتة، خصوصاً في الإعلام المرئي والمسموع، من دون مقارعة الحجج، أو النظر في السياسات أو التصريحات السابقة للمسؤولين، بما في ذلك التي تتعارض صراحةً مع اصطفافهم من الاستفتاء. وبذلك، حدّدت هذه الوسائل هويتها ودورها، باعتبارها مجرد منصةٍ لتقديم الآراء ونشرها لا غير، من دون أن يعني ذلك، بالضرورة، مقارعة هذه الآراء، بالتحقيق الذي يتعدّى مجرد الحوار. مع انكشاف فداحة الخسائر التي سوف تلحق بالاقتصاد، نتيجة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وضبابية المرحلة، ارتفعت نبرة الصحافة المكتوبة، في شكل خاص، أخيرا في التحذير من كارثةٍ مقبلة.
قدّم الإعلام الأميركي صورةً مغايرة تماماً في مقاربته الحملة الانتخابية الرئاسية التي تسير على وقع الفضائح الجنسية، وتعبيراتٍ من العداء والبذاءة، بلغت مستوياتٍ غير مسبوقة. يخوض الإعلام المعركة الأولى والأبرز في القضاء على حظوظ المرشح الجمهوري، أو على الاقل تقليصها، تفوق بكثير فاعلية حملة مرشحة الديمقراطيين، هيلاري كلينتون. من التحقيق في ملفات ترامب الشخصية وماضيه إلى نشر شرائط فضائحه، وإفراد الصفحات لها، وإجراء المقابلات مع اللواتي يتهمنه بالاعتداء عليهن، إلى تقصّي إعلانه التهرّب الضريبي إلى مقالات الرأي اليومية والافتتاحيات التي تحذّر من خطره على الديمقراطية الأميركية. أعلنت كبريات الصحف والمجلات دعمها المرشحة الديمقراطية، ومنها "فورين بوليسي" التي خرجت عن تقاليدها في البقاء خارج حلبة دعم المرشحين، لتعلن دعمها هيلاري كلينتون رئيسة للبلاد.
اتهم ترامب الإعلام بأنه يحيك مؤامرةً ضده، وأنه يعمل على "تسميم عقول" الناخبين. وقد أشار استطلاع لـ"غالوب" إلى تراجع الثقة بالإعلام الأميركي في أوساط الجمهوريين من متوسطي العمر، وهم ركيزة التصويت المؤيد لترامب. تقول سيدةٌ من ناخبي ترامب، في وثائقي لـ "بي بي سي" عن سر جاذبية ترامب، إنها سوف تصوّت لصالحه، على الرغم من كل الفضائح، وأنها تزداد حباً له، بسبب حملات الإعلام ضده. وتعلّق أخرى، ردا على الجدل بشأن تصريحاته المهينة للنساء: وهل أنا أصوّت للبابا (روما)؟ أظهر استطلاعٌ للرأي، بعد المناظرة التلفزيونية الأخيرة بين كلينتون وترامب، أن الأخير خسر المواجهة الثالثة، إلا أن شعبيته في تزايد مضطرد، ما يعني أنه لا علاقة لدعم مؤيديه بأدائه، بل هو خيار عاطفي غير عقلاني.
هل يعني ذلك كله أن الإعلام الأميركي، وهو كما أي إعلام آخر، مجموعة متنوعة، يصعب التبسيط في تصنيفها في بوتقة واحدة، كان عليه أن يعتمد "الحياد" في تقديم ترامب مرشّحاً عادياً، باعتباره خيار المرشحين الجمهوريين؟ هل كان عليه أن يقول إن كل شيء على ما يرام، وإن ما يتلفظ به المرشح الجمهوري، مساهماً في إذكاء شعبيته في أوساط ناخبيه من كارهي النخب، أمر عادي، فيكتفي بنقل وقائع الحدث من دون أي موقف؟ تقول الصحافية والمحاورة في شبكة سي إن إن، كرستيان أمانبور، إنها تصرّ في تغطيتها الصحافية الأحداث حول العالم، ومن وجهات نظر مختلفة، على أن تكون باحثةً عن الحقائق، ومعبرةً عنها، لا باحثة عن الحياد وملتزمة له.
بين حياد الإعلام البريطاني في نقل وقائع إحدى أكبر الأزمات التي واجهتها المملكة ومسؤولية الإعلام الأميركي في تقصّي الحقائق، والتي حولته إلى سلاح انتخابي حاد، سؤال متجدّد بشأن دور الإعلام في أزماتٍ معقدةٍ، لا يمكن توقع نتائجها على البلاد. قد تقدم نتائج الانتخابات الأميركية الشهر المقبل قسطاً من الإجابة على السؤال.