يصعب على المتجول في دافوس التي تبدو معزولة عن العالم بسبب وعورة جبالها الساحرة والثلوج الكثيفة التي تكسوها، أن يتخيّل كيف تتحول في مطالع كل سنة إلى عاصمة العولمة السياسية والاقتصادية والتكنولوجية بلا منازع.
أكثر من أربعة عقود انقضت على تأسيس المنتدى الاقتصادي العالمي الذي ينمو ويوسّع دائرة عضويته ونفوذه باضطراد، حتى أصبح بمثابة عكاظ يتهافت الكبار على خطب ودّها والإطلال من شرفتها لتسويق البرامج السياسية والخطط الإنمائية وعقد الصفقات.
وليس من دليل أبلغ على مستوى "نفوذ" منتدى دافوس من إصرار سيّد البيت الأبيض على المجيء إليه هذا العام، رغم النصائح العديدة التي قدّمها له المستشارون والمساعدون بالعزوف عن هذه الخطوة.
كان الهدوء منسدلا على دافوس حتى الإعلان عن تأكيد مجيء دونالد ترامب لإلقاء المحاضرة الختامية في الاجتماعات السنوية للمنتدى التي تنعقد تحت عنوان «نحو مستقبل مشترك في عالم ممزّق».
كثيرون انتقدوا خطوة إدارة المنتدى بدعوة الرئيس الذي استطاع، في أقل من عام واحد، أن يحدث شروخا في العلاقات الدولية لم يشهد العالم مثيلا لها منذ عقود، ناهيك عن التصريحات المهينة التي صدرت عنه في حق المرأة والأقليات. لكن مصدرا موثوقا أكّد أن واشنطن كانت صاحبة المبادرة عندما أبلغت دافوس تجاوبها مع الدعوة التي سبق لرئيس المنتدى أن وجهها إلى ترامب بعيد انتخابه وقبل دخوله البيت الأبيض، ولم يكن في وسع المنتدى عدم التجاوب مع رغبة الراعي الأكبر.
ولم يعد خافيا على أحد أن الملفات الداخلية الضاغطة بلا انقطاع على الرئيس الأميركي، تدفع به إلى التنفيس خارج الحدود في ملعب محايد كلما سنحت الفرصة.
ومع انطلاق التوقعات والتكهنات حول ما قد يحمله ترامب في جعبته من مفاجآت إلى دافوس، خاصة بعد الإعلان عن فرض رسوم جمركية باهظة على الغسّالات الأوتوماتيكية واللوحات الشمسية المستوردة من بعض البلدان الآسيوية في انتهاك صارخ لقواعد منظمة التجارة العالمية، سارع الأوروبيون، مدعومين بالإجماع من القوى التجارية الأخرى كالصين والهند وكندا والبرازيل والمكسيك والأرجنتين وجنوب أفريقيا، إلى رصّ الصفوف وتوحيد المواقف من الأخطار الداهمة التي باتت تحدق بالنظام التجاري العالمي نتيجة الإجراءات الحمائية للإدارة الأميركية.
ولم تتردد المستشارة الألمانية آنغيلا ميركيل في التحذير من مغبّة عدم استخلاص العبر من التاريخ، منذ عهد الإمبراطورية الرومانية حتى الحربين العالميتين الأخيرتين، لأن «مشاكل العالم لا يمكن ان تعالج بالتقوقع وإقامة الجدران، بل بالتعاون والحوار".
منذ هبوطه في دافوس ظهر الخميس الماضي بدا جليّا أن ترامب يسعى إلى تسجيل النقاط، بأي ثمن، خارج الملعب الداخلي المثقل بالعقبات والمتاعب، فعقد أول لقاء له مع رئيسة الوزراء بريطانيا التي ألغى زيارته لها خشية من الاحتجاجات التي كانت تنتظره في لندن.
وكان لقاؤه الثاني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي، منذ مجيئه، يختال كالطاووس في دافوس التي كان الحضور العربي فيها خجولا هذا العام.
أولى الدرر التي لفظها ترامب في دافوس كانت توبيخ السلطة الفلسطينية التي لم يتورّع في توصيف رفض استقبالها نائبه في جولته الأخيرة إلى المنطقة بأنه "عدم احترام"، متوعدا بقطع المساعدات المالية الأميركية عن وكالة غوث اللاجئين في حال إصرار الفلسطينيين على رفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وفيما كان نتنياهو يؤكد نعي حل الدولتين، ويستبعد حل الحقوق المتساوية ضمن دولة واحدة، كان ترامب يجزم بأن «القدس ليست على جدول التفاوض».
لم يكن مفاجئا، بعد العنتريات التي أطلقها الرئيس الأميركي في وجه الفلسطينيين ، أن يتجاهل كليّا الموضوع الفلسطيني الذي غاب، حتى من باب التلميح، عن خطابه الختامي المنتظر، الذي جاء مخيّبا لمن عقدوا الآمال على سماع بعض التطمينات والتهدئة على جبهة التجارة الحرة والاتفاقات متعددة الأطراف، بقدر ما خيّب ظنون الذين انتظروا المزيد من الزلّات والهفوات.
لم يستغرق الخطاب الأهم الذي ألقاه ترامب على الساحة الدولية أكثر من ربع ساعة، محاولا أن يطمئن الشركاء «أن أميركا أولا، لا تعني أميركا وحدها».
وبعد أن استفاض في امتداح حزمة الإصلاحات الضريبية التي خفّضت الضرائب على الشركات بنسبة غير مسبوقة، وتغنّى بالأرقام القياسية التي حطـّمتها البورصة منذ تولّيه الرئاسة، عاد ليـؤكد "أن أميركا عائدة .. وما من أحد أو شيء سيدفعها إلى تغيير سياستها".
لم تنقض ساعة على انتهاء كلمة ترامب حتى عاد الهدوء إلى ربوع دافوس التي منعت سلطاتها أية مظاهرات بحجة ".. أن الهتاف في المظاهرات من شـأنه أن يتسبب في انهيارات ثلجية". أما الهتاف الصاعد من زوايا العالم الأربع فهو لن يصل أبدا إلى مسامع هذه الحفنة الضئيلة التي تصرّ، عاما غبّ العام، على أنها "ملتزمة تحسين أوضاع العالم"، فيما تتسّع الهوّة بين الفقراء والأثرياء ويزداد التصدّع الاجتماعي بمعدلات غير مسبوقة.
اقــرأ أيضاً
أكثر من أربعة عقود انقضت على تأسيس المنتدى الاقتصادي العالمي الذي ينمو ويوسّع دائرة عضويته ونفوذه باضطراد، حتى أصبح بمثابة عكاظ يتهافت الكبار على خطب ودّها والإطلال من شرفتها لتسويق البرامج السياسية والخطط الإنمائية وعقد الصفقات.
وليس من دليل أبلغ على مستوى "نفوذ" منتدى دافوس من إصرار سيّد البيت الأبيض على المجيء إليه هذا العام، رغم النصائح العديدة التي قدّمها له المستشارون والمساعدون بالعزوف عن هذه الخطوة.
كان الهدوء منسدلا على دافوس حتى الإعلان عن تأكيد مجيء دونالد ترامب لإلقاء المحاضرة الختامية في الاجتماعات السنوية للمنتدى التي تنعقد تحت عنوان «نحو مستقبل مشترك في عالم ممزّق».
كثيرون انتقدوا خطوة إدارة المنتدى بدعوة الرئيس الذي استطاع، في أقل من عام واحد، أن يحدث شروخا في العلاقات الدولية لم يشهد العالم مثيلا لها منذ عقود، ناهيك عن التصريحات المهينة التي صدرت عنه في حق المرأة والأقليات. لكن مصدرا موثوقا أكّد أن واشنطن كانت صاحبة المبادرة عندما أبلغت دافوس تجاوبها مع الدعوة التي سبق لرئيس المنتدى أن وجهها إلى ترامب بعيد انتخابه وقبل دخوله البيت الأبيض، ولم يكن في وسع المنتدى عدم التجاوب مع رغبة الراعي الأكبر.
ولم يعد خافيا على أحد أن الملفات الداخلية الضاغطة بلا انقطاع على الرئيس الأميركي، تدفع به إلى التنفيس خارج الحدود في ملعب محايد كلما سنحت الفرصة.
ومع انطلاق التوقعات والتكهنات حول ما قد يحمله ترامب في جعبته من مفاجآت إلى دافوس، خاصة بعد الإعلان عن فرض رسوم جمركية باهظة على الغسّالات الأوتوماتيكية واللوحات الشمسية المستوردة من بعض البلدان الآسيوية في انتهاك صارخ لقواعد منظمة التجارة العالمية، سارع الأوروبيون، مدعومين بالإجماع من القوى التجارية الأخرى كالصين والهند وكندا والبرازيل والمكسيك والأرجنتين وجنوب أفريقيا، إلى رصّ الصفوف وتوحيد المواقف من الأخطار الداهمة التي باتت تحدق بالنظام التجاري العالمي نتيجة الإجراءات الحمائية للإدارة الأميركية.
ولم تتردد المستشارة الألمانية آنغيلا ميركيل في التحذير من مغبّة عدم استخلاص العبر من التاريخ، منذ عهد الإمبراطورية الرومانية حتى الحربين العالميتين الأخيرتين، لأن «مشاكل العالم لا يمكن ان تعالج بالتقوقع وإقامة الجدران، بل بالتعاون والحوار".
منذ هبوطه في دافوس ظهر الخميس الماضي بدا جليّا أن ترامب يسعى إلى تسجيل النقاط، بأي ثمن، خارج الملعب الداخلي المثقل بالعقبات والمتاعب، فعقد أول لقاء له مع رئيسة الوزراء بريطانيا التي ألغى زيارته لها خشية من الاحتجاجات التي كانت تنتظره في لندن.
وكان لقاؤه الثاني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي، منذ مجيئه، يختال كالطاووس في دافوس التي كان الحضور العربي فيها خجولا هذا العام.
أولى الدرر التي لفظها ترامب في دافوس كانت توبيخ السلطة الفلسطينية التي لم يتورّع في توصيف رفض استقبالها نائبه في جولته الأخيرة إلى المنطقة بأنه "عدم احترام"، متوعدا بقطع المساعدات المالية الأميركية عن وكالة غوث اللاجئين في حال إصرار الفلسطينيين على رفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وفيما كان نتنياهو يؤكد نعي حل الدولتين، ويستبعد حل الحقوق المتساوية ضمن دولة واحدة، كان ترامب يجزم بأن «القدس ليست على جدول التفاوض».
لم يكن مفاجئا، بعد العنتريات التي أطلقها الرئيس الأميركي في وجه الفلسطينيين ، أن يتجاهل كليّا الموضوع الفلسطيني الذي غاب، حتى من باب التلميح، عن خطابه الختامي المنتظر، الذي جاء مخيّبا لمن عقدوا الآمال على سماع بعض التطمينات والتهدئة على جبهة التجارة الحرة والاتفاقات متعددة الأطراف، بقدر ما خيّب ظنون الذين انتظروا المزيد من الزلّات والهفوات.
لم يستغرق الخطاب الأهم الذي ألقاه ترامب على الساحة الدولية أكثر من ربع ساعة، محاولا أن يطمئن الشركاء «أن أميركا أولا، لا تعني أميركا وحدها».
وبعد أن استفاض في امتداح حزمة الإصلاحات الضريبية التي خفّضت الضرائب على الشركات بنسبة غير مسبوقة، وتغنّى بالأرقام القياسية التي حطـّمتها البورصة منذ تولّيه الرئاسة، عاد ليـؤكد "أن أميركا عائدة .. وما من أحد أو شيء سيدفعها إلى تغيير سياستها".
لم تنقض ساعة على انتهاء كلمة ترامب حتى عاد الهدوء إلى ربوع دافوس التي منعت سلطاتها أية مظاهرات بحجة ".. أن الهتاف في المظاهرات من شـأنه أن يتسبب في انهيارات ثلجية". أما الهتاف الصاعد من زوايا العالم الأربع فهو لن يصل أبدا إلى مسامع هذه الحفنة الضئيلة التي تصرّ، عاما غبّ العام، على أنها "ملتزمة تحسين أوضاع العالم"، فيما تتسّع الهوّة بين الفقراء والأثرياء ويزداد التصدّع الاجتماعي بمعدلات غير مسبوقة.