24 سبتمبر 2020
ترامب وعودة الدول المارقة ومحاور الشر
تمر هذه الأيام الذكرى السادسة عشرة لأحداث "11 سبتمبر"، حيث تعرّضت الولايات المتحدة الأميركية لعملية إرهابية غير مسبوقة، استهدفت أهم رموز قوتها الاقتصادية، بضرب برجي التجارة في نيويورك، وأهم رموز قوتها العسكرية باستهداف مقر البنتاغون (وزارة الدفاع) في واشنطن. وكان الحدث مروّعاً، هزّ أركان أميركا، بينما كانت تتأهب لقيادة العالم في مستهل القرن الحادي والعشرين، وهى تتصور أنها باتت محصنةً ضد أي تهديد، بعدما تفكّك الاتحاد السوفييتي السابق، وانتهى حلف وارسو، وتم تقليم أظافر الصين، وضمان ولاء حلفاء الأطلسي، وكسر شوكة دول العالم الثالث، وتأكيد تبعيتها. جاءت ضربة "11 سبتمبر" في وسط كل تلك الأجواء، لتدفع أميركا إلى إعلان حربها العالمية على الإرهاب. وأطلق الرئيس الأميركي في ذلك الوقت، جورج دبليو بوش، شعاراً شهيراً هو "من ليس معنا في تلك الحرب فهو ضدنا".
وعلى مدى الستة عشر عاماً التي أعقبت "11 سبتمبر" أشعلت أميركا حروباً كبرى، كان أبرزها غزو أفغانستان، وغزو العراق، ومجموعة كبيرة من الحروب اللاتناسقية الصغرى ضد جماعات وتنظيمات جهادية متطرّفة، حملت فكر تنظيم القاعدة، أو أفكاراً أكثر تشدّداً، انتشرت في أفغانستان، وفي العراق بعد الغزو، كما شهدت المنطقة حروباً على النسق نفسه، قامت بها إسرائيل ضد حركاتٍ ترفع شعار المقاومة، حركة حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان.
وفي هذا الجو العام من التوجّس والريبة من خطر الإرهاب الذي ساد العالم، كان لأميركا موقف آخر من بعض الدول التي لم تستجب لندائها المبكر، بإعلان الحرب على الإرهاب، والخضوع للضوابط والقيود التي وضعتها لتلك الحرب، فأطلقت عليها لقب "الدول المارقة"، وكان من أبرز تلك الدول كوريا الشمالية وإيران. وكانت أيضا كل من سورية وليبيا ضمن تلك الدول، قبل سقوطها في مستنقع "الفوضى"، ولأن تلك الدول كانت ترتبط بعلاقات بينية جيدة، اعتبرتها أميركا "محوراً للشر".
وأيضاً على مدى تلك السنوات الست عشرة، طوّرت أميركا وسائلها وأساليبها، فقد جاء الرئيس الأميركي الديمقراطي، باراك أوباما، بعد بوش الابن، ليعلن تطوير الاستراتيجية الأميركية، بالكف عن استخدام مصطلحاتٍ، مثل الحرب العالمية على الإرهاب، والدول المارقة، ومحاور الشر، ويعلن انسحاب قواته الرئيسية من العراق، وتخفيض قواته في أفغانستان، ووصل الأمر إلى التوصل إلى اتفاق خاص بالمشروع النووي الإيراني فى إطار مجموعة 5 + 1. كما شهدت منطقة الشرق الأوسط تطورات ومتغيرات، وتصدّعات عديدة، كان أبرزها الثورات الشعبية في إطار الربيع العربي، والتي تحولت، في بعض بلدانها، إلى حالةٍ من الفوضى والاقتتال الأهلي، برعاية خارجية. وفى بعضها الآخر إلى السقوط في يد قوى الثورات المضادة. واعتبرت إدارة أوباما أن ذلك كله ما هو إلا حالة من حالات "الفوضى الخلاقة" التي ستتمخّض عن نظم سياسية طيّعة، خالية من الأيديولوجيا، سياسية كانت أو دينية.
في ظل تلك الأجواء، جاءت الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2016 برياحٍ جديدة لتحمل إلى البيت الأبيض الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، رجل الأعمال، الملياردير الشعبوي الذي أعلن، إبّان الحملة الانتخابية، أنه غير راضٍ عن استراتيجية أوباما الشرق أوسطية، وأنه عازم على ان يُعيد هيبة أميركا، بإعلان تجديد الحرب على "الإرهاب الإسلامي" المتمثل في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ووجه رسالة واضحة إلى دول المنطقة بأن عليها أن تلتزم بمحاربة التطرّف، والإرهاب الإسلامى، طبقاً للرؤية الأميركية الجديدة. واختص ترامب، في خطابه إلى المنطقة، دول الخليج النفطية، بأن عليها أن تتحمل، ليس فقط تكلفة تلك الحرب على الإرهاب، ولكن أيضاً تدفع مقابل حماية أميركا لنُظم الحكم في تلك الدول، بل ذهب إلى درجة أن حدّد نسبة تلك المساهمة بما لا يقل عن 50% من دخلها من النفط.
ما كادت تنتهي المائة يوم الأولى من رئاسة ترامب، حتى بدأت الإدارة الأميركية تفعيل خطته تجاه منطقة الشرق الأوسط، بترتيب زيارة غير مسبوقة للرئيس الأميركي، في بداية ولايته، إلى قلب العالم العربي والإسلامي، وأكبر دولة نفطية، وهي المملكة العربية السعودية، ليعقد سلسلة من لقاءات القمة، بدأت بقمة مع السعودية، أبرم فيها صفقات بمئات مليارات الدولارات، ثم قمة خليجية، أعقبتها قمة إسلامية ضمت أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية، أكد فيها ترامب على ما سبق أن أعلنه، فيما يتعلق بتجديد الحرب الأميركية على الإرهاب، وأيضاً فيما يتعلق بتمويل تلك الحرب، وفى الإستحقاقات التي تحدّدها أميركا على مختلف تلك الدول، سواء استحقاقات مادية، أو غيرها، طبقاً لإمكانات كل دولة. وكان لافتاً أن ترامب حرص على زيارة إسرائيل، في طريق عودته إلى واشنطن، في رسالة واضحة أن إسرائيل ستكون في أي ترتيباتٍ في المنطقة.
في ظل تلك الظروف والتطورات، تصوّر بعضهم أنه الوقت المناسب لتسوية بعض الحسابات السياسية المعلقة، وكانت البداية سريعةً في أعقاب مؤتمرات قمم ترامب في الرياض في 20 و21 مايو/ أيار 2017، بإعلان دول الخليج الثلاث، السعودية والإمارات والبحرين، ومعها مصر، في الخامس من يونيو/ حزيران الموقف غير المسبوق تجاه قطر، بإعلانها دولة راعية وداعمة للإرهاب. وهكذا بدأت أزمة الخليج المستمرة، ووجدت واشنطن نفسها في موقفٍ لا تُحسد عليه في ظل علاقاتها الاستراتيجية مع طرفي الأزمة. كذلك أعلنت عن استراتيجيتها الجديدة تجاه أفغانستان، باستمرار الوجود العسكرى وزيادته، وتصويب مواقف باكستان تجاه حركة طالبان، أيضا تحت عنوان الحرب على تنظيمي القاعدة وداعش، وعدم توفير ملاذات آمنة لهما.
وفى إطار آخر، تحرّكت كوريا الشمالية، لتستأنف نشاطها الإستفزازي، بتجاربها الصاروخية، والتي أتبعتها بتفجير نووي وتجربة قنبلة هيدروجينية. وهنا أعاد ترامب إلى الذاكرة مصطلح "الدولة المارقة" بإعادة إطلاقه على كوريا الشمالية من جديد. ولم يقتصر الأمر على ذلك، ولكن نشطت تحرّكات أخرى فى المنطقة، لترتيب تحالفاتٍ جديدة لم تكن واردة، في مقدمتها التحالف التركي القطري، وتحالفات أخرى تنسقها موسكو فى المنطقة.
مرّت ستة عشر عاماً على "11 سبتمبر"، وحرب أميركا العالمية على الإرهاب لم تتوقف، دول تم تدميرها، وأنهار من دماء ملايين البشر أريقت، ومجتمعات تمزقت. ولكن لا النظم المستبدة رحلت، ولا منابع الإرهاب جفّت.
هناك شيء ما خطأ، ما هو؟ ومتى سيكتشفونه؟ متى سيدركون أن الحرب يجب أن تكون على مصدر الإرهاب، وهو الظلم والقهر والاستبداد، وليس على الإسلام الذي هو دين الرحمة والعدل؟
وعلى مدى الستة عشر عاماً التي أعقبت "11 سبتمبر" أشعلت أميركا حروباً كبرى، كان أبرزها غزو أفغانستان، وغزو العراق، ومجموعة كبيرة من الحروب اللاتناسقية الصغرى ضد جماعات وتنظيمات جهادية متطرّفة، حملت فكر تنظيم القاعدة، أو أفكاراً أكثر تشدّداً، انتشرت في أفغانستان، وفي العراق بعد الغزو، كما شهدت المنطقة حروباً على النسق نفسه، قامت بها إسرائيل ضد حركاتٍ ترفع شعار المقاومة، حركة حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان.
وأيضاً على مدى تلك السنوات الست عشرة، طوّرت أميركا وسائلها وأساليبها، فقد جاء الرئيس الأميركي الديمقراطي، باراك أوباما، بعد بوش الابن، ليعلن تطوير الاستراتيجية الأميركية، بالكف عن استخدام مصطلحاتٍ، مثل الحرب العالمية على الإرهاب، والدول المارقة، ومحاور الشر، ويعلن انسحاب قواته الرئيسية من العراق، وتخفيض قواته في أفغانستان، ووصل الأمر إلى التوصل إلى اتفاق خاص بالمشروع النووي الإيراني فى إطار مجموعة 5 + 1. كما شهدت منطقة الشرق الأوسط تطورات ومتغيرات، وتصدّعات عديدة، كان أبرزها الثورات الشعبية في إطار الربيع العربي، والتي تحولت، في بعض بلدانها، إلى حالةٍ من الفوضى والاقتتال الأهلي، برعاية خارجية. وفى بعضها الآخر إلى السقوط في يد قوى الثورات المضادة. واعتبرت إدارة أوباما أن ذلك كله ما هو إلا حالة من حالات "الفوضى الخلاقة" التي ستتمخّض عن نظم سياسية طيّعة، خالية من الأيديولوجيا، سياسية كانت أو دينية.
في ظل تلك الأجواء، جاءت الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2016 برياحٍ جديدة لتحمل إلى البيت الأبيض الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، رجل الأعمال، الملياردير الشعبوي الذي أعلن، إبّان الحملة الانتخابية، أنه غير راضٍ عن استراتيجية أوباما الشرق أوسطية، وأنه عازم على ان يُعيد هيبة أميركا، بإعلان تجديد الحرب على "الإرهاب الإسلامي" المتمثل في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ووجه رسالة واضحة إلى دول المنطقة بأن عليها أن تلتزم بمحاربة التطرّف، والإرهاب الإسلامى، طبقاً للرؤية الأميركية الجديدة. واختص ترامب، في خطابه إلى المنطقة، دول الخليج النفطية، بأن عليها أن تتحمل، ليس فقط تكلفة تلك الحرب على الإرهاب، ولكن أيضاً تدفع مقابل حماية أميركا لنُظم الحكم في تلك الدول، بل ذهب إلى درجة أن حدّد نسبة تلك المساهمة بما لا يقل عن 50% من دخلها من النفط.
ما كادت تنتهي المائة يوم الأولى من رئاسة ترامب، حتى بدأت الإدارة الأميركية تفعيل خطته تجاه منطقة الشرق الأوسط، بترتيب زيارة غير مسبوقة للرئيس الأميركي، في بداية ولايته، إلى قلب العالم العربي والإسلامي، وأكبر دولة نفطية، وهي المملكة العربية السعودية، ليعقد سلسلة من لقاءات القمة، بدأت بقمة مع السعودية، أبرم فيها صفقات بمئات مليارات الدولارات، ثم قمة خليجية، أعقبتها قمة إسلامية ضمت أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية، أكد فيها ترامب على ما سبق أن أعلنه، فيما يتعلق بتجديد الحرب الأميركية على الإرهاب، وأيضاً فيما يتعلق بتمويل تلك الحرب، وفى الإستحقاقات التي تحدّدها أميركا على مختلف تلك الدول، سواء استحقاقات مادية، أو غيرها، طبقاً لإمكانات كل دولة. وكان لافتاً أن ترامب حرص على زيارة إسرائيل، في طريق عودته إلى واشنطن، في رسالة واضحة أن إسرائيل ستكون في أي ترتيباتٍ في المنطقة.
في ظل تلك الظروف والتطورات، تصوّر بعضهم أنه الوقت المناسب لتسوية بعض الحسابات السياسية المعلقة، وكانت البداية سريعةً في أعقاب مؤتمرات قمم ترامب في الرياض في 20 و21 مايو/ أيار 2017، بإعلان دول الخليج الثلاث، السعودية والإمارات والبحرين، ومعها مصر، في الخامس من يونيو/ حزيران الموقف غير المسبوق تجاه قطر، بإعلانها دولة راعية وداعمة للإرهاب. وهكذا بدأت أزمة الخليج المستمرة، ووجدت واشنطن نفسها في موقفٍ لا تُحسد عليه في ظل علاقاتها الاستراتيجية مع طرفي الأزمة. كذلك أعلنت عن استراتيجيتها الجديدة تجاه أفغانستان، باستمرار الوجود العسكرى وزيادته، وتصويب مواقف باكستان تجاه حركة طالبان، أيضا تحت عنوان الحرب على تنظيمي القاعدة وداعش، وعدم توفير ملاذات آمنة لهما.
وفى إطار آخر، تحرّكت كوريا الشمالية، لتستأنف نشاطها الإستفزازي، بتجاربها الصاروخية، والتي أتبعتها بتفجير نووي وتجربة قنبلة هيدروجينية. وهنا أعاد ترامب إلى الذاكرة مصطلح "الدولة المارقة" بإعادة إطلاقه على كوريا الشمالية من جديد. ولم يقتصر الأمر على ذلك، ولكن نشطت تحرّكات أخرى فى المنطقة، لترتيب تحالفاتٍ جديدة لم تكن واردة، في مقدمتها التحالف التركي القطري، وتحالفات أخرى تنسقها موسكو فى المنطقة.
مرّت ستة عشر عاماً على "11 سبتمبر"، وحرب أميركا العالمية على الإرهاب لم تتوقف، دول تم تدميرها، وأنهار من دماء ملايين البشر أريقت، ومجتمعات تمزقت. ولكن لا النظم المستبدة رحلت، ولا منابع الإرهاب جفّت.
هناك شيء ما خطأ، ما هو؟ ومتى سيكتشفونه؟ متى سيدركون أن الحرب يجب أن تكون على مصدر الإرهاب، وهو الظلم والقهر والاستبداد، وليس على الإسلام الذي هو دين الرحمة والعدل؟