يعمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب على استخدام صلاحياته من أجل الحصول على "جيشه الخاص" تحت مسمى "الحفاظ على القانون في المدن الأميركية"، مستخدماً بصورة خاصة الجمارك وحرس الحدود، وهي مجموعات تابعة للدولة، لكن تاريخها وسلوكها أقرب إلى فكر ترامب، بحكم عملها في سياق منع المهاجرين غير الشرعيين من الولوج إلى الولايات المتحدة عبر المكسيك خصوصاً، وفي اعتبارها جهازاً يعتنق أفكارا يمينية متطرفة. وبعد أن هاجم محتجون تماثيل لأشخاص مدنيين وعسكريين ناصروا العنصرية، على خلفية مقتل المواطن جورج فلويد على يد 4 ضباط شرطة في 25 مايو/أيار الماضي في مينيابوليس ـ مينيسوتا، عمد ترامب إلى تفعيل قوة فدرالية لـ"حماية التماثيل"، مستفزاً المحتجين من جهة وساعياً للتحضير الميداني لرئاسيات 3 نوفمبر/تشرين الثاني من جهة أخرى. آخر خطوات الرئيس الأميركي، كانت تهديده مساء أول من أمس الاثنين، بإرسال مزيد من عناصر أجهزة تطبيق القانون بلباس عسكري، إلى مدن أميركية لإخماد تظاهرات منددة بالعنصرية، في خطوة اعتبرها ضرورة أمنية. وبعد قيام وزارة الأمن الداخلي بنشر عشرات العناصر من شرطة الحدود والجمارك ومنهم ببزات قتالية، في بورتلاند وأوريغون الأسبوع الماضي، قال ترامب إنه سيقوم بالخطوة نفسها في مدن يديرها ديمقراطيون.
تراقب وزارة الأمن الداخلي منشورات وسائل التواصل الاجتماعي
ووفق تقارير فإن وزارة الأمن الداخلي تستعد لإرسال 150 عنصراً أمنياً إلى شيكاغو، حيث وقعت صدامات بين الشرطة ومتظاهرين حاولوا تحطيم تمثال لكريستوفر كولومبوس. وذكرت وسائل إعلام محلية أن 63 شخصاً تعرضوا لإطلاق نار، وقُتل 12 في نهاية الأسبوع الماضي في أعمال عنف مستمرة. وقال ترامب للصحافيين "ننظر إلى شيكاغو أيضاً، وننظر إلى نيويورك". وأضاف: "انظروا لما يجري. جميعها يقودها ديمقراطيون، جميعها يدربها ليبراليون ديمقراطيون، جميعها يدربها يساريون راديكاليون. لا يمكن أن نسمح بحصول هذا للمدينة". وقال "سأفعل شيئاً، ويمكنني أن أقول لكم هذا، لأننا لن نترك نيويورك وشيكاغو وفيلادلفيا وديترويت وبالتيمور". وعلى الرغم من العناوين البرّاقة لترامب، إلا أن الكاتب في صحيفة "واشنطن بوست"، شاين هاريس، كشف عن مسار آخر لوزارة الأمن الداخلي، أبعد من مجرد حماية التماثيل، فقد سمحت الوزارة لأجهزة الأمن لديها بجمع معلومات عن المتظاهرين، وهو توسع كبير في سلطاتها، يتجاوز دورها التقليدي لتأمين الحدود وأنظمة النقل. ومنحت الوزارة موظفيها الإذن لمراقبة منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى استخدام مصادر المعلومات العامة لمراقبة الأفراد أو المجموعات التي تعتبر الوزارة أنهم قد "يضرّون أو يدمّرون أي نصب تذكاري أو تمثال". والأهم، وفقاً لشاين، أن التوجيه لا يميز بين أنواع التماثيل المفترض حمايتها، ولا ما إذا كانت موجودة في الممتلكات الفدرالية، مما يمنح حرية حركة واسعة النطاق لموظفي الوزارة، خصوصاً أن العامل الوحيد الذي يسمح لرجل الأمن التابع للوزارة في التحرك تجاه أي "خطر يهدد التماثيل"، هو الاعتماد على "الحدس" فقط. و"الحدس" في هذه الحالة، هو ما أدى إلى مقتل فلويد مثلاً. ونقل شاين عن بول روزنزفيغ، وهو مسؤول سياسي سابق في إدارة الرئيس جورج بوش الابن، قوله إن "وزارة الأمن أدت دوراً محدوداً في حماية النصب العامة، مثل قوس البوابة في سانت لويس، وتمثال الحرية في نيويورك، وتعمل دائماً ضد الهجمات الإرهابية، غير أنها لم تكن يوماً في مواجهة المحتجين الأميركيين". واعتبر أن توسيع صلاحياتها يندرج في سياق "التطبيق السيئ للسلطات عبر تسخيرها لمصلحة الرئيس"، مضيفاً أن "ترامب يحوّل الوزارة إلى جيشه الصغير والسري".
من جهتهما، ذكر زميلا شاين في "واشنطن بوست"، نيك ميروف، ومارك بيرمان في مقال مشترك، أن ترامب سعى لتضخيم قوته الأمنية، في ظلّ تراجعه في استطلاعات الرأي، بسبب سوء معالجة إدارته لفيروس كورونا، مما أدى لإحباط أميركي واسع. وعلّلا ذلك، بتكرار ترامب لازمة "أنا الرجل القوي"، وترجمها بقراراته بفرض الأمن في مناطق الاحتجاجات على مقتل فلويد. وأضافا أن ترامب عرض صوراً لتظاهرات عنيفة، لتبرير خطواته الأمنية، على الرغم من أن الغالبية العظمى من الاحتجاجات كانت سلمية. ولفهم ما يقوم به ترامب، عادت الكاتبة في صحيفة "نيويورك تايمز"، ميشيل غولدبرغ، إلى كتاب المؤرخ في جامعة يال، تيموثي سنايدر "في الطغيان: عشرون درساً من القرن العشرين"، والذي نُشر بعد شهر واحد من تنصيب ترامب، في 20 يناير/كانون الثاني 2017. وذكرت الكاتبة أن من أبرز دروس سنايدر كان "كن حذراً من القوات شبه العسكرية". وكتب: "عندما تختلط القوات شبه العسكرية الموالية للزعيم والشرطة والجيش، تكون النهاية قد حلت". ورأت غولدبرغ، أنه "في عام 2017، كانت فكرة العملاء المجهولين والمموّهين الذين يخطفون اليساريين من الشوارع من دون أوامر اعتقال، تبدو وكأنها فكرة مقاومة خيالية"، لكنها استدركت "الآن يحدث هذا الأمر". وذكرت الكاتبة أنها ناقشت مع سنايدر فكرة أن حرس الحدود ليس مليشيا خارج الحكومة، وبالتالي قد لا تتناسب تماماً مع ما حذّر منه، إلا أنه اقترح أن التمييز ليس بهذه الأهمية. وقال لها: "يُسمح للدولة باستخدام القوة وفقاً لقواعدها". ونقلت غولدبرغ عن سنايدر قوله إن "تاريخ الاستبداد يقدم أمثلة عدة على استخدام أمن الحدود ضد أعداء النظام"، لافتاً إلى أن "هذه طريقة كلاسيكية لإحداث العنف في الأنظمة الاستبدادية، سواء كانت إسبانيا فرانكو أو الإمبراطورية الروسية، إذ يتم جلب الأشخاص الذين اعتادوا على ارتكاب العنف على الحدود لارتكاب العنف ضد الأشخاص في الداخل". في عام 2017، وبعد وقت قصير من توليه منصبه، قال ترامب إن العنف في شيكاغو "يمكن إصلاحه بسهولة بالغة"، وإن المسؤولين هناك "لا يقومون بهذه المهمة". ويبدو أنه وجد "الحل" لدى حرس الحدود، ففي بورتلاند، ذكرت إذاعة أوريغون العامة، أنه أُلقي القبض على مارك بيتيبون يوم الأربعاء الماضي من قبل رجال مجهولين، وتم نقله إلى حافلة صغيرة لا تحمل علامات أمنية، ثم نُقل إلى زنزانة في المحكمة الفدرالية، قبل إطلاق سراحه من دون معرفة من اختطفه.