09 نوفمبر 2024
تركيا: الحزب القوي يواجه الجميع
تثير الانتخابات البرلمانية التركية الاهتمام في أحد أعرق بلدان المنطقة في التجربة الديمقراطية. حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ 13 عاماً يواجه تحدياً، ليس من أكبر منافسيه القوميين في "حزب الشعب" و"الحركة القومية"، بل من أصغر المنافسين، وهو الطرف التركي/ الكردي. على الرغم من النسبة العالية لاجتياز النجاح، وهي عشرة بالمائة، وتضعف هذه النسبة، حقاً، فرص تمثيل الأحزاب والمجموعات.
منافسوه القوميون ليسوا على تلك الدرجة من الانفتاح على الحركة السياسية الكردية، ومع ذلك، فإن هذه الحركة تتوجه إلى قواعدهم، لإضعاف فرص حزب العدالة في التمتع بأغلبية مريحة، تمكنه من تحويل النظام السياسي إلى نظام رئاسي. هذا التوجه بالذات هو الذي يقضم من شعبية هذا الحزب الذي صعد صعوداً صاروخياً خلال 13 سنة، ما مكنّه من الإجهاز السياسي على الرموز الحزبية التي حكمت البلاد أكثر من سبعة عقود، مرفوقاً بتحقيق إنجازات اقتصادية تبدو كالمعجزات، وتظهر معها تركيا كنمر آسيوي/ أوروبي، مقارنة بدول مجاورة، مثل اليونان وسورية وبلغاريا وإيران.
منافسوه القوميون ليسوا على تلك الدرجة من الانفتاح على الحركة السياسية الكردية، ومع ذلك، فإن هذه الحركة تتوجه إلى قواعدهم، لإضعاف فرص حزب العدالة في التمتع بأغلبية مريحة، تمكنه من تحويل النظام السياسي إلى نظام رئاسي. هذا التوجه بالذات هو الذي يقضم من شعبية هذا الحزب الذي صعد صعوداً صاروخياً خلال 13 سنة، ما مكنّه من الإجهاز السياسي على الرموز الحزبية التي حكمت البلاد أكثر من سبعة عقود، مرفوقاً بتحقيق إنجازات اقتصادية تبدو كالمعجزات، وتظهر معها تركيا كنمر آسيوي/ أوروبي، مقارنة بدول مجاورة، مثل اليونان وسورية وبلغاريا وإيران.
الأكراد، وعددهم بين 15 و20 مليوناً يلعبون من خلال "حزب الشعوب الديمقراطي" لعبة الطموح السياسي، بمخاطبة القواعد القومية والعلمانية، لاجتذاب أصواتها، وهو ما حمل رئيس الدولة، رجب طيب أردوغان، على محاولة اجتذابهم إليه مجدداً، وإن كان ذلك في وقت متأخر (الانتخابات تجري يوم 7 يونيو/حزيران المقبل). أما القوميون والعلمانيون فيحنّون إلى الماضي السابق على صعود حزب العدالة والتنمية، حيث كان للمؤسسة العسكرية سطوة كبيرة على الحياة السياسية والإعلامية، وكان الوجه العلماني للدولة أكثر سفوراً، في وقتٍ يؤخذ على أردوغان وحزبه من هؤلاء التضييق على حرية التعبير. وهي مؤاخذات لا يجانبها الصواب دائماً، فلم يتردد أردوغان، مرة، عن الإعلان عن حجب خدمة شبكات التواصل الاجتماعي، والتذمر المتواصل من حرب إعلامية عليه.
الى جانب الأكراد، هناك منافسة عقائدية إسلامية لحزب أردوغان الإسلامي، ممثلة بحزب السعادة وحركة فتح الله غولن المقيم في أميركا، التي ووجهت بحملة قاسية ضد كوادرها ومؤيديها على امتداد العام 2014. والحال أن مروحة المعارضة عريضة، وجمهورها عريض يخترق الطبقة الوسطى، ويستأثر بالطبقة "العليا". وكونها مشتتة بدون تحالفات او ائتلافات، وحده ما يضعفها، فيما قوتها الذاتية كبيرة. ويشكو حزب العدالة، سياسياً وانتخابياً، من العلة نفسها. وهنا نقطة ضعف هذا الحزب القوي. فعلى مدار تجربته الطويلة في الحكم والحافلة بإنجازات تفوق العثرات، فإن هذا الحزب ذا الجذور الاسلامية لم ينجح في بناء تحالفاتٍ مع مكونات المشهد السياسي والاجتماعي، والراجح والواضح انه لم يُعن ببناء جسور مع غيره، مكتفياً بالشعبية التي يحوزها لدى تياراتٍ في الطبقة الوسطى، تختزن ذكريات مريرة عن تجربة تحالف العسكر والقوميين، ولدى تيارات من الطبقة نفسها تميل الى المحافظة، علاوة على نفوذ الحزب في الأرياف، ولدى الفئات الاجتماعية الضعيفة. والثابت، في ضوء تجربة حزب العدالة والتنمية وتجارب أخرى، أن أية قوة سياسية صاعدة لا تلبث أن تستنزف نفسها، وتستهلك رصيدها، حتى لو وصلت بالاقتراع الانتخابي الحر، إذا ما انفردت بالحكم، واحتكمت فحسب إلى النتائج الرياضية للانتخابات.
المجتمع التركي متنوع متعدد الأعراق، والعلمانية مكون ثابت من مكونات الخريطة الاجتماعية، على الرغم مما حققه حزب العدالة في بلورة النزعة الدينية التي كانت مقموعة لدى المجتمع. والتمثيل الاجتماعي والثقافي لا يقل أهمية عن التمثيل السياسي والانتخابي. وما أنجزه أردوغان في كفّ يد المؤسسة العسكرية عن التدخل السافر في الدولة، خسر كثيراً منه، في ما بدا استهدافا لهذه المؤسسة ورموزها، ومن إجراء محاكمات عديدة لهم، أدت إلى تبرئة ساحة كثير منهم. وسطوة هذه المؤسسة التي تمت مناوءتها باقتدار، قابلها نزوع مكشوف لمنح صلاحيات كبيرة لرئيس الجمهورية، وهو في هذه الحالة، الرئيس أردوغان نفسه الذي لا يتوانى أتراك معارضون عن وصفه بالسلطان، في إشارة إلى سلاطين الامبراطورية العثمانية السابقة على نشوء جمهورية أتاتورك عام 1923.
وبما أن الانتخابات ليست محكومة دائما بالتوقعات والتقديرات المنطقية، بل بأمزجة الناخبين الرماديين الكثر، وقرارات الساعات الأخيرة التي يتبنونها، فإن أحداً لا يملك رسم صورة مسبقة عن نتائج الانتخابات في بلاد الأناضول، غير أنه من الثابت أن حزب العدالة يحتفظ بقدر كبير من قوته، وبقدر أكبر من وحدته وانفراده. وكان المأمول أن يجمع إلى قوته انفتاحه على قوى سياسية واجتماعية أخرى، لأهداف شتى، لا تقتصر على مزايا الائتلاف الانتخابي، بل تستند، قبل ذلك، إلى الإيمان بالتعددية الاجتماعية والثقافية، وهو ما يسم التجارب الديمقراطية المتقدمة. وهو ما لم يحدث، وإن جرت محاولات بهذا الاتجاه نحو الأكراد بتقديم رِجْل وتأخيرها نحوهم. علماً أن أردوغان وحزبه هم من فتحوا الأبواب أمام تسوياتٍ مع الحركة الكردية، فيما تحالف العسكر والقوميين لم ينهج معهم على مدى عقود سوى نهج الاستئصال الذي لا محل فيه لمساومة أو حوار. ويتردد أن صفقة معروضة على الحركة الكردية تسمح بالإفراج عن عبدالله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني (معتقل منذ العام 1999، وقد أبعده نظام حافظ الأسد من الأراضي السورية قبل ذلك بعام)، ووضعه تحت الإقامة الجبرية. لكن طموح هذه الحركة ما زال متجهاً، حتى هذه الساعات، إلى تعزيز نفوذها، واجتذاب أصوات قوميين إليها، وإن كانت التفاعلات ما زالت مفتوحة لهذه المسألة في أثناء الأسبوع المتبقي على إجراء الانتخابات.
ومن المثير للانتباه، في هذه الغضون، أن يخفق حزب العدالة في اجتذاب القيادي السابق في الحزب، ورئيس الجمهورية السابق، عبدالله غل، وهو رفيق أردوغان وثنائيه الحزبي والسياسي، لدعم الحملات الانتخابية لحزب العدالة، بمجرد الحضور، لا المشاركة بإلقاء خطابات مثلاً. ما يدل على التوحد السياسي الذي بات يطبع الحزب بطابعه، واتضحت صورته أكثر فأكثر في السنوات القليلة الماضية، ما يجعل من الفوز الكاسح والمريح مجرد ذكريات لسنين غابرة.
الى جانب الأكراد، هناك منافسة عقائدية إسلامية لحزب أردوغان الإسلامي، ممثلة بحزب السعادة وحركة فتح الله غولن المقيم في أميركا، التي ووجهت بحملة قاسية ضد كوادرها ومؤيديها على امتداد العام 2014. والحال أن مروحة المعارضة عريضة، وجمهورها عريض يخترق الطبقة الوسطى، ويستأثر بالطبقة "العليا". وكونها مشتتة بدون تحالفات او ائتلافات، وحده ما يضعفها، فيما قوتها الذاتية كبيرة. ويشكو حزب العدالة، سياسياً وانتخابياً، من العلة نفسها. وهنا نقطة ضعف هذا الحزب القوي. فعلى مدار تجربته الطويلة في الحكم والحافلة بإنجازات تفوق العثرات، فإن هذا الحزب ذا الجذور الاسلامية لم ينجح في بناء تحالفاتٍ مع مكونات المشهد السياسي والاجتماعي، والراجح والواضح انه لم يُعن ببناء جسور مع غيره، مكتفياً بالشعبية التي يحوزها لدى تياراتٍ في الطبقة الوسطى، تختزن ذكريات مريرة عن تجربة تحالف العسكر والقوميين، ولدى تيارات من الطبقة نفسها تميل الى المحافظة، علاوة على نفوذ الحزب في الأرياف، ولدى الفئات الاجتماعية الضعيفة. والثابت، في ضوء تجربة حزب العدالة والتنمية وتجارب أخرى، أن أية قوة سياسية صاعدة لا تلبث أن تستنزف نفسها، وتستهلك رصيدها، حتى لو وصلت بالاقتراع الانتخابي الحر، إذا ما انفردت بالحكم، واحتكمت فحسب إلى النتائج الرياضية للانتخابات.
المجتمع التركي متنوع متعدد الأعراق، والعلمانية مكون ثابت من مكونات الخريطة الاجتماعية، على الرغم مما حققه حزب العدالة في بلورة النزعة الدينية التي كانت مقموعة لدى المجتمع. والتمثيل الاجتماعي والثقافي لا يقل أهمية عن التمثيل السياسي والانتخابي. وما أنجزه أردوغان في كفّ يد المؤسسة العسكرية عن التدخل السافر في الدولة، خسر كثيراً منه، في ما بدا استهدافا لهذه المؤسسة ورموزها، ومن إجراء محاكمات عديدة لهم، أدت إلى تبرئة ساحة كثير منهم. وسطوة هذه المؤسسة التي تمت مناوءتها باقتدار، قابلها نزوع مكشوف لمنح صلاحيات كبيرة لرئيس الجمهورية، وهو في هذه الحالة، الرئيس أردوغان نفسه الذي لا يتوانى أتراك معارضون عن وصفه بالسلطان، في إشارة إلى سلاطين الامبراطورية العثمانية السابقة على نشوء جمهورية أتاتورك عام 1923.
وبما أن الانتخابات ليست محكومة دائما بالتوقعات والتقديرات المنطقية، بل بأمزجة الناخبين الرماديين الكثر، وقرارات الساعات الأخيرة التي يتبنونها، فإن أحداً لا يملك رسم صورة مسبقة عن نتائج الانتخابات في بلاد الأناضول، غير أنه من الثابت أن حزب العدالة يحتفظ بقدر كبير من قوته، وبقدر أكبر من وحدته وانفراده. وكان المأمول أن يجمع إلى قوته انفتاحه على قوى سياسية واجتماعية أخرى، لأهداف شتى، لا تقتصر على مزايا الائتلاف الانتخابي، بل تستند، قبل ذلك، إلى الإيمان بالتعددية الاجتماعية والثقافية، وهو ما يسم التجارب الديمقراطية المتقدمة. وهو ما لم يحدث، وإن جرت محاولات بهذا الاتجاه نحو الأكراد بتقديم رِجْل وتأخيرها نحوهم. علماً أن أردوغان وحزبه هم من فتحوا الأبواب أمام تسوياتٍ مع الحركة الكردية، فيما تحالف العسكر والقوميين لم ينهج معهم على مدى عقود سوى نهج الاستئصال الذي لا محل فيه لمساومة أو حوار. ويتردد أن صفقة معروضة على الحركة الكردية تسمح بالإفراج عن عبدالله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني (معتقل منذ العام 1999، وقد أبعده نظام حافظ الأسد من الأراضي السورية قبل ذلك بعام)، ووضعه تحت الإقامة الجبرية. لكن طموح هذه الحركة ما زال متجهاً، حتى هذه الساعات، إلى تعزيز نفوذها، واجتذاب أصوات قوميين إليها، وإن كانت التفاعلات ما زالت مفتوحة لهذه المسألة في أثناء الأسبوع المتبقي على إجراء الانتخابات.
ومن المثير للانتباه، في هذه الغضون، أن يخفق حزب العدالة في اجتذاب القيادي السابق في الحزب، ورئيس الجمهورية السابق، عبدالله غل، وهو رفيق أردوغان وثنائيه الحزبي والسياسي، لدعم الحملات الانتخابية لحزب العدالة، بمجرد الحضور، لا المشاركة بإلقاء خطابات مثلاً. ما يدل على التوحد السياسي الذي بات يطبع الحزب بطابعه، واتضحت صورته أكثر فأكثر في السنوات القليلة الماضية، ما يجعل من الفوز الكاسح والمريح مجرد ذكريات لسنين غابرة.