وبعد أقل من يوم من قيام الرئيس الجديد، رجب طيب أردوغان، بتكليف وزير خارجيته السابق، أحمد داوود أوغلو، تشكيل الحكومة، قام الأخير بتقديم تشكيلته الحكومية إلى قصر "جناكالة" في أنقرة.
ودخلت الحكومة، لأول مرة، أربع شخصيات بارزة من "العدالة والتنمية"، اثنتان منها كنواب لرئيس الحكومة، وهما يالجن أكدوغان، الذي عمل ككبير المستشارين السياسيين لأردوغان أثناء فترة رئاسته للوزراء، والثاني هو نعمان كورتولموش، الذي كان نائباً لزعيم "العدالة والتنمية"، ومرشحاً قوياً في ما سبق لرئاسة الوزراء، ليبدو منصبه الجديد جائزة ترضية لعدم تسلّمه ما كان موعوداً به.
أما الشخصية الثالثة، فهي نور الدين جناكالي، الذي تزعّم الكتلة البرلمانية لـ"العدالة والتنمية" لفترة طويلة، متسلّماً منصب وزير الجمارك والتجارة، وبعد تولي وزير شؤون الاتحاد الأوروبي السابق، مولود جاووش أوغلو، لمنصب الخارجية، خلفه في الوزارة السفير السابق رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي، فولكان بوزكير.
ومن أبرز مَن فقد منصبه في الحكومة الجديدة، التي وافق عليها أردوغان، إضافة لحياتي يازجي، وزير التجارة والجمارك الأسبق، نائبان لرئيس الوزراء في الحكومة السابقة، إذ أثار ترك بشير أتلاي لمنصبه نوعاً من الاستغراب في الوسط السياسي التركي، وخاصة أن الأخير كان المسؤول عن ملف عملية التسوية مع حزب "العمال الكردستاني"، وقد عمل بدأب طوال شهر رمضان الماضي، للتحضير لخارطة طريق في سبيل إيجاد حل نهائي للقضية الكردية، ليتبيّن في ما بعد أن استبعاد أتلاي عن الحكومة الجديدة جاء بناءً على طلبه ولأسباب شخصية، بعد لقاء بينه وبين نائب رئيس الحكومة الجديدة، أكدوغان. الا أنه أعلن، في وقت لاحق من يوم الجمعة، وبشكل مفاجئ، عن تسلّم بشير أتلالي لمنصب نائب رئيس العدالة والتنمية والمتحدث الرسمي باسمه. كما فقد أمر ألله إيشلر منصبه كنائب رئيس الحكومة لشؤون المغتربين الأتراك.
في ما عدا ذلك، لم تشهد الحكومة الثانية والستين في تاريخ الجمهورية التركية أي تغييرات تذكر، إذ بقيت الإدارة الاقتصادية على حالها، بقيادة نائب رئيس الوزراء علي بابا جان، وكذلك وزير المالية محمد شيمشك، ووزير الاقتصاد نهاد زيبكجي، ووزير الطاقة تانر يلدز، وذلك رغم الخلافات الحادة التي اندلعت بينهم وبين أردوغان حول إدارة الملف الاقتصادي، كما حافظ بولنت أرينج، وهو شخصية من العيار الثقيل في "العدالة والتنمية"، على منصبه كنائب لرئيس الوزراء، على الرغم من التكهنات باستبعاده، وخاصة أن الأخير كان قد أعلن في وقت سابق أنه سيعتزل السياسة في العام 2015.
وعلى الرغم من الشائعات التي انتشرت في الوسط السياسي في أنقرة، الأسابيع الماضية، حول استبعاد كل من وزير العمل والضمان الاجتماعي، فاروق جيليك، ووزير الزراعة والثروة الحيوانية، مهدي ايكر، لسوء إدارتهما لكارثة منجم سوما، إلا أنهما احتفظا بمنصبيهما في الحكومة الجديدة، كما خابت التوقعات بتسلّم وزير الاتصالات والمواصلات السابق بينالي يلدرم، المقرّب من أردوغان، لمنصب نائب رئيس الوزراء، إذ من المتوقع أن يلتحق الأخير بقصر جناكالة مستشاراً للرئيس الجديد.
واستبعدت من التشكيلة الحكومية الجديدة، مجموعة من القيادات البارزة في "العدالة والتنمية"، على رأسها كل من نائبي رئيس الحزب، حسين جيلك وسليمان سويلو، إذ علّق جيلك، في مقابلة له على قناة الـ"إن تي في" التركية، على التشكيلة الوزراية الجديدة، معتبراً أنها لم تحمل أي مفاجآت بالنسبة له سوى استبعاد وزير التجارة والجمارك، يازجي.
وعلى الرغم من التكهنات بتسلّم مدير جهاز الاستخبارات التركية الحالي، حاقان فيدان، منصب وزير الشؤون الخارجية، إلا أن الأخير احتفظ بمنصبه دون أي تغيير.
ودعا رئيس البرلمان التركي، جميل جيجك، أعضاء البرلمان إلى اجتماع استثنائي الاثنين المقبل في الأول من سبتمبر/ أيلول، من أجل الاستماع لبرنامج الحكومة الجديدة، ليتم التصويت عليه ومنح الثقة بين السادس والثامن من الشهر ذاته.
وبدت الحكومة الجديدة مقربة جداً من أردوغان، وبحسب الكثير من المراقبين، فإن أردوغان لو كان هو الذي شكلها فلن تكون على هذه الدرجة من الولاء له، بمعنى أنه لا تغيير سيحصل، وهو الأمر الذي عارضه وزير الثقافة والسياحة، عمر جيلك، في تصريحاته، يوم الأربعاء، مؤكداً على أن التغيير حصل لكن ضمن الحزب، مشيراً إلى تجربة "الحزب المهيمن"، أي الحزب الديمقراطي الليبرالي في اليابان، الذي شكل الحكومة لأكثر من أربعين عاماً، قائلاً: "الحزب المهيمن، حزب العدالة والتنمية، يمثّل هذا النموذج، تجري التغييرات داخل الحزب... نموذج الحزب المهيمن هو ما جرى تحقيقه في المؤتمر غير الاعتيادي، وللحفاظ على الحكومة تحت السيطرة يتطلّب الحزب المهيمن أحزاب معارضة فعالة، لكن للأسف، لا يوجد مثل هكذا أحزاب في تركيا"، بهذا المعنى، تدخل تركيا الجديدة رسمياً، بعد إنهاء عصر العسكر، بتسلّم كل من أردوغان وداوود أوغلو لمنصبيهما الجديدين، إلى عصر سيطرة الحزب المهيمن.
قضية التجسّس
على صعيد آخر، ناقش وزير الخارجية الألماني، توماس دي ماتيسيره، مع نظيره التركي، إفكان ألا، يوم الجمعة، التقارير الصحافية الأخيرة التي تحدثت عن قيام جهاز الاستخبارات الألماني بالتجسس على تركيا، وذلك بعد حضور الأول حفل تنصيب الرئيس الجديد رجب طيب أردوغان.
وتطرق الوزيران إلى عدة قضايا من بينها التعاون ضد الإرهاب، والمشاكل التي واجهها المواطنون الأتراك في ألمانيا خلال الانتخابات الرئاسية، والوضع العام للمجتمع التركي في ألمانيا.
وقال الوزير الألماني، خلال مؤتمر صحافي عقب الاجتماع، إن "ألمانيا تتطلع إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية مع تركيا. التطورات داخل تركيا لها تأثير مباشر على ألمانيا تماماً مثلما أي تطور في ألمانيا له تأثير مباشر على تركيا. كبلدين نحن نحتاج بعضنا".
وفي الوقت الذي أشار فيه الوزير الألماني إلى أنه سيتم حل قضية التجسس بأسرع وقت، أكد نظيره التركي، رداً على سؤال حول مزاعم التنصت الألمانية، قائلاً: "كما قلت للوزير، التنصت على المكالمات الهاتفية بين الحليفين غير مقبول. إن جهازي استخبارات البلدين على اتصال، وتجري مناقشة مزاعم التنصت الأخيرة".
وكان صحافي في مجلة "فوكس" قد كشف، الأسبوع الماضي، عن أن وكالة الاستخبارات الألمانية تتجسس على تركيا منذ أربعة عقود، ما رفع التوتر مجدداً بين البلدين، بعد الوثيقة الصادرة عن الاستخبارات الألمانية تضع تركيا في قمة الدول التي يجب مراقبتها، ما دفع الحكومة التركية إلى استدعاء السفير الألماني في أنقرة، وطلب المزيد من التوضيحات.
يشار إلى أن ألمانيا تعتبر الشريك الاقتصادي الأكبر لتركيا في الاتحاد الأوروربي، إذ إن 5 بالمئة من المواطنين الألمان، البالغ عددهم 82 مليون، هم من أصول تركية. إلا أن العلاقات مع ألمانيا لم تكن دوماً بهذه السلاسة، بسبب موقف المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، المتردد من انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.