تزايد الانتقادات الأميركية للسعودية: مآخذ قديمة تجددها الانتهاكات

21 مارس 2019
يبدو ترامب وحيداً بالدفاع عن بن سلمان(مانديل نغان/فرانس برس)
+ الخط -

ليست المآخذ على السعودية في الولايات المتحدة بجديدة، لكن وتيرتها تتصاعد وتهبط وفقاً للظروف والتطورات الإقليمية والدولية، فـ"العلاقة مع الرياض لم تكن في تاريخها على قدر كامل من الانسجام"، بحسب ويليام ريتش، من مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن. هذه العلاقة كانت إجبارية بحكم الحاجة المتبادلة، وهي قامت أساساً على معادلة النفط مقابل الحماية، لتصل إلى مرحلتها المتوترة في الوقت الراهن. و"كانت باستمرار علاقة صعبة لأننا لا نتشارك في طرق الحكم والسياسة"، بحسب كارين يونغ، الباحثة المتخصصة في مؤسسة "أميركان انتربرايز انستيتيوت" المحافظة في واشنطن. هذا الرأي تردد كثيراً في واشنطن، في معرض شرح التقلّبات والتذبذب في العلاقات بين البلدين من حين إلى آخر.

اليوم، وتحديداً منذ قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، انفجرت المآخذ على السعودية من كافة الجهات وبشكل غير مسبوق في واشنطن، خصوصاً من جانب بعض المحافظين. فلا يكاد يمر أسبوع من دون تحريك ملفات الرياض في قضايا حقوق الإنسان، والقمع الداخلي، وحرب اليمن، وحصار قطر، وبشكل أساسي قتل خاشقجي. ويشارك في ذلك الكونغرس بحزبيه ووسائل الإعلام ومراكز الأبحاث وأهل الرأي ومسؤولون سابقون، وبما يشبه الإجماع. ويتم ذلك من خلال فضح ونبش الأدلة والخفايا والوقائع المتعلقة بهذه القضايا وتسليط الضوء عليها، تحت عنوان ضرورة "معاقبة" القيادة السعودية على سلوكها "المتهور والمخرّب"، بتعبير الباحثة كارين يونغ.

كما أن الصحف الأميركية الكبرى، تفرد بين الحين والآخر، افتتاحياتها الرئيسية للتذكير بهذا السلوك، ولعرض المستجدات حول هذه الملفات. وفي هذا السياق، كشفت "نيويورك تايمز"، في افتتاحيتها قبل أيام، عن وجود فريق عمليات سرية باسم "مجموعة التدخّل السريع السعودي"، يعمل لصالح ولي العهد محمد بن سلمان "قبل قتل خاشقجي بعام". وأضافت الصحيفة أن هذا الفريق تولى "مراقبة المنشقّين السعوديين واحتجازهم وتعذيبهم". سبقت ذلك افتتاحياتٌ في "واشنطن بوست" وغيرها، وشبه حملة إعلامية حول الطبيب السعودي-الأميركي وليد فتيحي الموقوف في المملكة من دون محاكمة، وحول قضية الناشطات السعوديات اللواتي يقبعن في السجون لتجرؤهن على المطالبة بالحد الأدنى من الحريات المدنية.


فتح ملفات السعودية يرفدها الكونغرس بمزيد من الزخم، من خلال الوقوف ضد مواصلة الدعم العسكري لحرب السعودية في اليمن. وقبل أيام، انضم قسم من الجمهوريين إلى الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ومرروا مشروع قرار في هذا الصدد، كما يُتوقع أن يلتحق بهم مجلس النواب وبأغلبية كبيرة بعد أيام قليلة.

وحده الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يصرّ على احتضان موقف ولي العهد السعودي، ليصبح دفاعه عن القيادة السعودية مجرد مكابرة. ولا يبدو أنه في وارد الرضوخ للضغوط والانتقال إلى انتقاد الرياض، ناهيك بمحاسبتها. فقد رفض ترامب، أخيراً، تزويد الكونغرس بتقرير عما إذا كانت التحقيقات قد توصلت إلى تحديد مسؤولية ولي العهد السعودي عن مقتل خاشقجي، مع أنه كان هناك موعد محدد لذلك. تذرّع بأن الكونغرس لا يجوز له حمل الرئيس على تلبية مثل هذا الطلب، فيما قالت وزارة الخارجية الأسبوع الماضي إن التحقيقات "لم تنته بعد". وبدا أن الرسالة هي أن الإدارة ليست معنية بهذا الأمر.

في المقابل، معظم المحافظين باتت لديهم مآخذ على السعودية، ولو أن بعضهم المقرب من ترامب يلفت، مع بعض المصالح والشركات الكبرى، إلى وجوب صون العلاقات مع المملكة وتقديمها على قضية حقوق الإنسان، لمواجهة إيران، ويدعو ضمناً إلى "غض النظر" عن سقطات ولي العهد. تسويغ يصعب تسويقه في واشنطن في ظل الأجواء الحالية. في المقابل، ثمة من يشدد على وجوب اغتنام الفرصة الراهنة للدفع نحو تحوّلات طال انتظارها في المملكة، خصوصاً أن وضعها الآن هش ومرتبط أكثر بالولايات المتحدة.

متاعب ترامب الخارجية كثيرة، والسعودية من أبرزها؛ إذ إن التماهي معها في القضايا المطروحة فتح باب الشكوك وطرح علامات استفهام حول وجود علاقات مالية سابقة أو محتملة، خصوصاً بين صهره جاريد كوشنر وبن سلمان، كما تسبّب له بخسارة حلفاء جمهوريين رأوا في موقفه فرصة للابتعاد عنه وإن مؤقتاً حتى الآن، فضلاً عن أنه وفّر مادة إضافية ضده في حملة انتخابات الرئاسة في 2020 والتي انطلقت مبكراً.