بشكل مخالف للمباركة السريعة التي وجهها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى البحرين والاحتلال الإسرائيلي على اتفاق التطبيع الذي أُعلن بينهما مساء الجمعة، وسيُوقَّع رسمياً يوم الثلاثاء المقبل في البيت الأبيض، كشفت مصادر دبلوماسية وحكومية مصرية لـ"العربي الجديد" أن السيسي ليس مرتاحاً لتسارع الخطوات الخليجية للتطبيع مع الحكومة الإسرائيلية. فقد أبدى قلقه من تأثير ذلك سلباً على أهمية نظامه في المنطقة على المدى الطويل بالنسبة إلى الإسرائيليين والأميركيين، ولا سيما إذا حدث تغيير في البيت الأبيض بخسارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن، الذي لن تجمعه بالسيسي علاقات ودية، وفقاً لمواقف سابقة له ولمساعديه. وأصدر السيسي عقب إعلان الاتفاق بياناً وجّه فيه "الشكر" إلى كل من البحرين وإسرائيل والولايات المتحدة، مدعياً أن هذه الخطوة "تاريخية، وستفتح آفاق تحقيق السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك التسوية الشاملة للقضية الفلسطينية".
لكن في الواقع العملي، بحسب المصادر، دارت نقاشات داخل دائرة السيسي على مدار الأسابيع التالية لإعلان الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي، حول المساحات التي يمكن نظامَه أن يتحرك فيها ويطالب بتمهيدها لمصلحته باعتباره يحكم الدولة صاحبة الرصيد الشعبي والتاريخي الأكبر في المنطقة، والأكثر التصاقاً وانخراطاً في القضية الفلسطينية.
يعتبر السيسي أن دور الإمارات سيكون على حساب مصر
وذكرت المصادر أن السيسي يرى أن الخطوات الخليجية قد تعقّد الأوضاع في الداخل الفلسطيني، وتكون لها انعكاسات سلبية على مصر وأمن سيناء، لأنها لا تتزامن مع حوافز اقتصادية وأمنية للفلسطينيين ودول الخط الأول، التي كان من المقرر أن تستفيد من الشق الاقتصادي للخطة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة بـ"صفقة القرن"، وهي مصر والأردن ولبنان. وأوضحت المصادر أن السيسي على النقيض من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ما زال متحمساً لدخول الدول الخليجية في علاقات سلم مع دولة الاحتلال، لكن بعض الشواهد التي حدثت خلال فترة وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق مع الإمارات، جعلته يتخوف من تراجعه إقليمياً، وعدم تحقيق استفادة سريعة.
وكان السيسي يطلب سابقاً من ترامب خلال النقاشات الممتدة حول "صفقة القرن"، التي كان السيسي أول سياسي يعلنها بالاسم، أن تكون سابقة أو متزامنة مع خطوات التطبيع الخليجي، ودخول أطراف أخرى في علاقات طبيعية صورياً، ولا سيما أنه يرى أنه قدّم بالفعل خدمات للإسرائيليين وترامب في هذا المجال، منذ محاولة السيطرة الفاشلة على الإرادة السياسية لحركة "حماس"، ثم التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وما حملته من تمهيد لعلاقات أمنية بين السعودية والحكومة الإسرائيلية.
أما على مستوى التنسيق الإقليمي، فعلى الرغم من أن الاتصالات بين الإسرائيليين وقادة الإمارات تحديداً ليست جديدة، لكن العديد من الملفات التي كانت الولايات المتحدة ترغب في تنسيقها بين دولة الاحتلال والدول العربية، كانت مصر تؤدي فيها أدواراً بارزة، وعلى رأسها التعاون الاستخباري والأمني، وكذلك في الخطط الإسرائيلية للشراكات الاقتصادية ومجال التسليح كانت مصر تأتي في مقدمة الدول المستهدفة بالاستثمارات الأميركية والإسرائيلية. وبحسب المصادر، يتخوف السيسي من تراجع أولوية نظامه في تلك الملفات، لمصلحة الإمارات، في ظل معلومات تتردد عن شراكات اقتصادية كبرى في الطريق لها مع الحكومة الإسرائيلية، فضلاً عن أن أبوظبي التي تنفق مبالغ قياسية لزيادة نفوذها في المنطقة، في إطار معركتيها السياسيتين مع السعودية من جهة، وقطر من جهة أخرى، تسعى إلى دور أكبر في فلسطين لن يأتي إلا على حساب الدور المصري الذي يشهد تراجعاً في عهد السيسي.
وفي خلفية هذه المخاوف والأسباب، تأتي اعتبارات أخرى تخصّ العلاقات بين مصر والإمارات تحديداً. فمقابل الاندفاع المصري لمحاولة جذب الاستثمارات وإرضاء أصحاب رؤوس المال في أبوظبي ودبي بأي ثمن، ما زالت الخلافات قائمة بين الطرفين على إدارة الأزمة الليبية وتسليح ومساعدة مليشيات شرق ليبيا ومدى إمكانية المراهنة عليها في المستقبل القريب. كذلك لم يحلّ السيسي حتى الآن جذرياً بعض المشاكل التي شغلت حكومة الإمارات العام الماضي بشأن استثماراتها في مصر ومساعداتها للنظام الحاكم، بعدما أبلغوا الوزراء المصريين بعدم رضاهم عن الطريقة التي تدار بها المساعدات الإماراتية لمصر. واكتُشِف وجود قصور بالغ ومخالفات وتجاوزات في مواعيد صرف بعض دفعات المساعدات والمدى الزمني لتحقيق الاستفادة منها وعدم توظيف بعضها في الأغراض المخصصة لها، وطالب الإماراتيون باعتماد آلية للمراجعة المشتركة لبعض البنود المالية التي أسيء التصرف فيها، وفقاً لرؤيتهم.
وكان مصدر حكومي قد كشف لـ"العربي الجديد" في نوفمبر/ تشرين الأول الماضي أن هناك ضغوطاً من داخل النظام الإماراتي لوقف تدفق المنح والاستثمارات للنظام المصري إلى حين مراجعة ما أُنجِز في بعض الملفات المتعثرة. وقالت مصادر دبلوماسية مصرية وخليجية لـ"العربي الجديد" في 15 أغسطس/ آب الماضي عقب ساعات من إعلان التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، إن البحرين هي الأقرب لتكرار النموذج، وإن "السيسي يبذل جهوداً أخرى للإسراع بإدخال السودان دائرة الدول العربية المطبعة مع إسرائيل".