- إسرائيل تمنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية، مما يزيد من معاناة السكان ويدفعهم نحو الهجرة القسرية، رغم النداءات الدولية لوقف القصف وتحسين الوضع الإنساني.
- الوضع الإنساني يزداد سوءاً مع خطر المجاعة بسبب منع دخول المواد الغذائية، بينما تستمر العمليات العسكرية الإسرائيلية بدعم أمريكي، متجاهلة القرارات الدولية.
في مستشفى كمال عدوان بشمال قطاع غزة المنكوب، يئنّ المرضى والجرحى بلا أدوية ولا تدخلات طبية، إذ تنعدم الإمكانات جراء حصار إسرائيلي مطبق وحرب إبادة متواصلة منذ 5 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ويواجه المرضى والمصابون في المستشفى أوجاعهم بعيداً عن أنظار العالم، ودون تلقيهم الحد الأدنى من العلاج، حيث أصبحت أقصى آمالهم الحصول على أدوية مسكنة تخفف من وطأة آلامهم.
أحد المرضى في الثلاثين من عمره، طلب عدم ذكر اسمه، قال لوكالة الأناضول إن "ظروف إصابته صعبة للغاية، حيث يحتاج تركيب أسياخ بلاتين في القدم، إلا أنها غير متوافرة في شمال القطاع". وأضاف بصوت متعب: "أوصلوني إلى المستشفى (عقب الإصابة) بعربة يجرها حمار، ولا يوجد هنا إسعافات أو خدمات صحية. لا يوجد شيء".
إلى جانب ذلك، أوضح الشاب أنه لا يوجد أطباء في المستشفى من أجل المتابعة الصحية أو تقديم الخدمات. وعبّر الفلسطيني عن حسرته لعدم وجود أدوية مسكنة تخفف من حدة آلامه التي تؤرّق ليله.
"المحلول الغذائي" أكثر ما يمكن أن يتلقاه المريض أو المصاب مهما اختلفت طبيعة جراحه، وفق ما أفاد به فلسطينيون داخل المستشفى. هذا النقص الحاد بالإمكانات الذي يتعمّد الجيش الإسرائيلي إيقاعه بالمنظومة الطبية في محافظة الشمال، يتسبب بشكل أو بآخر بقتل المرضى والجرحى جراء نقص العلاجات.
ورفضت إسرائيل مراراً، وفق ما أفاد به مسؤولون دوليون وأمميون، دخول أدوية ومستلزمات طبية وأغذية إلى المحافظة المنكوبة، بهدف إجبار سكانها على الهجرة القسرية تحت وطأة الجوع والتقتيل. وحذّر مسؤولون فلسطينيون، مراراً، من فقدان مرضى وجرحى جراء نقص الإمكانات الطبية في شمال القطاع. كذلك أطلقوا على مدار أكثر من 40 يوماً من الإبادة الإسرائيلية للمحافظة، نداءات استغاثة لمؤسسات ومنظمات دولية وأممية تعنى بالمجال الصحي، لكن دون جدوى.
وفي 5 أكتوبر، بدأ الجيش الإسرائيلي اجتياحاً برياً في شمال قطاع غزة؛ بذريعة "منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة". بينما ترغب إسرائيل في احتلال شمال القطاع وتحويله إلى منطقة عازلة بعد تهجير سكانه، تحت وطأة قصف دموي متواصل وحصار مشدد يمنع إدخال الغذاء والماء والأدوية. وتسببت هذه العملية في خروج المنظومة الصحية عن الخدمة وفق تصريحات مسؤولين حكوميين، فضلاً عن توقف عمل جهاز الدفاع المدني ومركبات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني.
ورغم ذلك، تحاول المستشفيات الثلاثة الرئيسية في المحافظة، "كمال عدوان" و"الإندونيسي" و"العودة"، العمل بأقل الإمكانات، وبطبيب واحد أو اثنين، وفي ظل نفاد مخزونها من الأدوية والمستهلكات الطبية، لتقديم الحد الأدنى من الخدمة إلى الجرحى والمرضى.
مدير مستشفى كمال عدوان: منظومة صحية "منكوبة"
مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية، قال إن كل يوم يمر منذ بدء الإبادة في محافظة الشمال، "يزداد فيه الوضع سوءاً". وتابع: "ما زالت المنظومة الصحية منكوبة، نقدم الخدمة بالحد الأقل من الأدنى". وجدّد تأكيده لشحّ الإمكانات الطبية في محافظة الشمال عموماً ومستشفى كمال عدوان خصوصاً. وأوضح أن إسرائيل تواصل رفضها وصول الوفود الطبية ذات التخصصات الجراحية إلى محافظة الشمال. وتواصل إسرائيل، وفق أبو صفية، رفضها وصول مركبات الإسعاف إلى المحافظة التي تشهد قصفاً جوياً ومدفعياً متواصلاً، ما يسبب مجازر يذهب ضحيتها عشرات الفلسطينيين في الكثير من الأحيان.
أحداث مدمية
ما حدث في محافظة شمال قطاع غزة، على مدار أكثر من 40 يوماً، يوصف بأنه "مدمٍ"، وفق أبو صفية. يقول مدير مستشفى كمال عدوان عن ذلك: "الأحداث الجارية هنا مؤلمة، تدمي القلوب". ويوضح أن المستشفى يتلقى نداءات استغاثة لنساء وأطفال من تحت ركام منازلهم التي يدمرها القصف الإسرائيلي، لكن دون أن يكون بمقدورهم تقديم أي نوع من العون والمساعدة.
وذلك يأتي في ظل عدم توافر إمكانات لدى الطواقم المختصة في محافظة الشمال لإزالة أطنان كبيرة من الركام وإنقاذ المصابين، فضلاً عن عدم وجود أي مركبة إسعاف تعمل في المكان، وفق قوله. واستكمل قائلاً: "في اليوم التالي، تختفي أصوات الاستغاثة من تحت الركام، ونعلم أن من كان حياً استشهد، فتحولت منازلهم إلى قبور لهم".
دون مغيث
تتواصل الإبادة الإسرائيلية في محافظة الشمال، وهي جزء من الإبادة الجماعية في القطاع التي ترتكبها إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023. هذه الإبادة تستمر وتشتد أساليبها على مرأى ومسمع من العالم، حيث تُنشر مقاطع فيديو توثق عمليات قتل وقصف مدنيين وحرق منشآت ومراكز إيواء، دون أي تغير حقيقي بالمواقف على مستوى المنظمات الحقوقية والطبية والعالمية يدفع باتجاه وقفها.
أبو صفية، يقول إن الوضع بات "مؤلماً وكارثياً، والمؤسف أننا وجهنا نداءات استغاثة للعالم دون مجيب". وأضاف: "لا يوجد مجيب أي من مدعي الإنسانية غير قادر على خرق الحصار المطبق على الشمال". وشدد على ضرورة كسر الحصار عن المحافظة وإدخال الوقود والمساعدات والمستلزمات الطبية ومركبات إسعاف، ولو كانت واحدة من أجل نقل المصابين وإنقاذ حياتهم.
بدوره، يقول مريض آخر (لم يذكر اسمه)، إنه يعيش رغم وضعه الصحي المتردي "على المحاليل الملحية فقط". وتابع للأناضول: "من يقدم الخدمة هنا متطوعون، لكن لا يوجد كوادر طبية أو إمكانات لمساعدتنا من خلالها". وأوضح أن الآلام تحول بينه وبين النوم في ساعات الليل، مضيفاً: "طوال ساعات الليل أصرخ من الألم، لكن لا يوجد مسكنات، هنا نأخذ المحلول فقط، حتى المضادات الحيوية غير موجودة". وتغيب عن محافظة شمال قطاع غزة مقومات الحياة حتى الطعام، وفق قول المريض.
ويخيّم شبح المجاعة على محافظة الشمال التي يفرض عليها الجيش حصاراً عسكرياً مطبقاً، مانعاً بذلك دخول إمدادات الطعام والمياه والأدوية إليها. هذا ما أكده مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، في تقرير نشره في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، قائلاً إن إسرائيل منعت "لمدة قاربت شهرًا، جميع المحاولات التي بذلتها المنظمات الإنسانية من أجل إرسال المواد الغذائية إلى السكان في المناطق المحاصرة بمحافظة شمال غزة".
وسبق أن حذر تقرير للجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي "IPC" (فريق من كبار الخبراء الدوليين المستقلين في مجال الأمن الغذائي والتغذية والوفيات) من وجود احتمال قوي بحدوث مجاعة وشيكة في مناطق بشمال غزة، فيما يواصل الاحتلال الإسرائيلي إبادة شمال قطاع غزة.
وبدعم أميركي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة، خلفت أكثر من 147 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم. وتواصل إسرائيل مجازرها، متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فوراً، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
(الأناضول)