26 ديسمبر 2016
تسييس المحكمة الجنائية الدولية... وانسحاب روسيا
سامية صديقي
باحثة جزائرية في القانون الدولي، أستاذ مساعد في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة سطيف.
تعتبر المحكمة الجنائية الدولية أول آلية قضائية دائمة، جاءت نتيجة معاهدة دولية، تضم مجموعة من دول ذات سيادة، من أجل التصدّي لمرتكبي الجرائم التي تمسّ الإنسانية، كما حرص نظامها الأساسي على وضع علاقة موازنةٍ بين اختصاص المحكمة الجنائية الدولية واختصاص المحاكم الوطنية، بهدف تسهيل انضمام الدول إليها، وقبولها اختصاصها على أساس أن التوازن في العلاقة ينتج علاقة تكاملية بين الأنظمة القضائية الوطنية والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ما يعني انعقاد الاختصاص القضائي الجنائي للدول الأطراف في النظام أولاً، وفي حالة عدم قدرتها أو رغبتها في ممارسة الولاية القضائية. ينعقد الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية للنظر في الجرائم الدولية التي تدخل في اختصاصها، كما أن النظام الأساسي للمحكمة لم يترك لها الحق في فرض الولاية القضائية الشاملة، وإنما قيدها بأشد الجرائم خطورةً التي يعتبر ارتكابها مساساً بالمجتمع الدولي بأسره، كما يعتبر مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية من أهم أهداف المحكمة الجنائية الدولية، لضمان الإلتزام الدائم بتحقيق العدالة الجنائية الدولية، وإثارة المسؤولية الشخصية لمقترفي الجرائم الدولية لمساءلتهم على ما ارتكبوه من جرائم في حق البشرية، مع عدم الاعتداد بالصفة الرسمية للدفع بعدم إثارة المسؤولية من أجل ضمان فاعلية المنظومة القضائية الجنائية للمحكمة الجنائية الدولية، كما أن المسؤولية الجنائية للقادة العسكريين الذين تخضع لسلطتهم الفعلية القوات التي ترتكب الجرائم الدولية تدخل في اختصاص المحكمة.
في مواجهة روسيا
اختصاص المحكمة الجنائية الدولية مستقبلي، لأنه لا يشمل الجرائم التي ارتكبت قبل نفاذ نظامها الأساسي، ويسري فقط بالنسبة للجرائم التي ارتكبت بعد 1 يوليو/ تموز 2002، كما أن الدول التي تصبح طرفاً في النظام الأساسي بعد نفاذه لا تمارس المحكمة الجنائية الدولية ولايتها القضائية إلا بالنسبة للجرائم التي ترتكب بعد نفاذ النظام، بالنسبة لهذه الدول، وهذا ما أكدته المادة 11 من نظام المحكمة الجنائية الدولية، ويرجع السبب في تبنّي المحكمة الجنائية هذه القاعدة إلى تشجيع الدول على الانضمام إلى النظام الأساسي، من دون تخوّفٍ من العودة إلى الماضي، وإثارة البحث عن الجرائم التي تكون قد ارتكبت قبل انضمامها للمحكمة. وتجب الإشارة هنا إلى أن سريان نظام المحكمة الجنائية الدولية في مواجهة الدول التي تصبح طرفاً بعد نفاذه لا يسري في مواجهتها، إلا من اليوم الأول من الشهر الذي يعقب اليوم الستين من تاريخ إيداع تلك الدولة صك التصديق. وعليه، فإن توقيع روسيا على نظام المحكمة الجنائية الدولية بتاريخ 13 سبتمبر/ أيلول 2000 لا يجعلها طرفاً فيه، وإنما يحتاج انضمامها إليه إلى إجراء المصادقة عليه، حتى تكون ملزمةً بالأحكام التي تصدرها المحكمة الجنائية الدولية. وبالتالي يمكن اعتبار سحب توقيعها في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 الذي جاء عقب انسحاب كل من جنوب إفريقيا وبوروندي وغامبيا في أكتوبر/ تشرين الأول بمثابة خطوة نحو تقليل من أهمية المحكمة الجنائية الدولية، وإضعاف فعاليتها في وضع حد للإفلات من العقاب.
تسييس المحكمة
جاء قرار سحب روسيا توقيعها من نظام المحكمة الجنائية الدولية عقب يوم من إعلان المدعية العامة للمحكمة أن الأحداث التي أدت إلى ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا تعتبر نزاعاً مسلحاً شنته روسيا ضد أوكرانيا، وأن محققين تابعين للمحكمة الجنائية الدولية يعملون بجد من أجل تحديد ما إذا كانت روسيا تتحكّم بالتشكيلات المسلحة جنوب شرقي أوكرانيا، واعتبرت روسيا أن المحكمة الجنائية الدولية فشلت في تحقيق تطلعات المجتمع الدولي، لأنها تفتقر إلىالاستقلالية، وقد مر على إنشائها 14 سنة، ولم تصدر سوى أربعة أحكام، وأنفقت، على الرغم من ذلك، أكثر من مليار دولار. وبالتالي، لا جدوى من اعتبارها مرجعيةً في العدالة الدولية، ولكن السبب الحقيقي لخروج روسيا تمثل في تخوفها من مساءلة قادتها العسكريين وجنودها الذين ارتكبوا جرائم دولية، تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، سواء في سورية أو في حرب روسيا مع جورجيا في شهر أغسطس/ آب 2008، أو ما تعلق من انتهاكات روسيا لحقوق الإنسان عند استيلائها على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في 16 مارس/ آذار 2014، خصوصا ما تعلق بالتمييز العنصري بين بعض سكان القرم كالتتار، إضافة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية باتت لا تخدم مصالح روسيا، ولاسيما أن دور المحكمة الجنائية الدولية يسير في اتجاهٍ رسمته لها الولايات المتحدة الأميركية، من أجل أن يخدم مصالحها ومصالح الدول الموجودة تحت مظلة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وفي هذا الصدد، لا يمكن إنكار ما ادّعته روسيا بشأن عدم استقلالية المحكمة الجنائية الدولية في تحقيق هدفها المنشود، المتمثل في تعزيز مبدأ عدم الإفلات من عقاب، بسبب استخدام سلطة مجلس الأمن في إحالة القضايا أمام المحكمة الجنائية من الدول الخمس الدائمة العضوية التي لها حق النقض (الفيتو)، وتتعامل مع معظم النزاعات على أساس سياسي، حيث يتم تكييفها المسائل، بما فيها الموضوعية، وفقا للاعتبارات والمصالح التي تخدمها. ولا بد أن تكون سلطة مجلس الأمن في الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي، عند صدور قرار من مجلس الأمن لإحالة الجريمة المرتكبة في دولة غير طرف في نظام المحكمة الجنائية الدولية، لا بد من موافقة الأعضاء الخمسة الدائمين، لأن لهم حق الفيتو. ولكن، إذا تعلق الأمر بإحالة جريمةٍ ارتكبها أحد رعايا الدول التي تملك حق الفيتو يتم استعماله، ما يقف حائلا أمام مساءلة المحكمة الجنائية الدولية هؤلاء المجرمين. وقد استخدمت روسيا، في حد ذاتها، باعتبارها طرفاً دائماً في مجلس الأمن، حق النقض عدة مرات، فيما يخص قرار إحالة القضية السورية إلى المحكمة الجنائية الدولية، معتبرة أن مثل هذا القرار يمكن أن يشكل حيلة دعائية، ويعرقل جهود الدول في محاولة حل الأزمة في سورية ودياً، ولكن حقيقة المعارضة هو دعم روسيا النظام السوري.
وما يبين أيضا ارتباط المحكمة الجنائية الدولية بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الدور السلبي الممنوح إلى المجلس، والمتمثل في الطلب من المحكمة الجنائية الدولية الدائمة إرجاء اختصاصها اثني عشر شهراً، مع إمكانية تجديدها من دون حدٍّ أقصى، وفقاً لما أشارت إليه المادة 16 من نظام روما الأساسي التي أكّدت أنه لا يجوز البدء في التحقيق أو المقاضاة اثني عشر شهراً، بناء على طلب مجلس الأمن إلى المحكمة، بموجب قرارٍ يتخذه استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ويحق له تجديد هذا الطلب بالشروط نفسها.
ويُذكر أن خطورة صلاحية الإرجاء الممنوحة لمجلس الأمن، فضلا عن أنها تغلب الطابع السياسي على الطابع القضائي، هي أوسع من صلاحية الإحالة، وتمس مباشرة باختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وتتجلى هذه الخطورة أكثر، عندما نعرف أنها ليست مرتبطةً بمجلس الأمن كجهاز قانوني، بقدر ما هي مرتبطة بمصالح الأعضاء الدائمين فيه، حتى ولو كان ذلك ضد الشرعية الدولية، حتى إن حق الفيتو، في حالة ما إذا استعمل ضد قرار الإرجاء، يكون
أخفّ ضرراً، لأنه يمنع قراراً يقلص من اختصاص المحكمة. ويخضع قرار الإرجاء لحق الفيتو، مثل قرار الإحالة، بحكم أنه يصدر في مسائل موضوعية، وتحت الفصل السابع الذي يلغي قيد الامتناع الإجباري، ويجعل الفيتو حراً من أي قيد، كونها قراراتٍ ذات أهمية بالغة، باعتبارها تتخذ في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، المتعلق بتدخل مجلس الأمن، في حالة وجود إخلال بالسلم والأمن الدوليين.
وقد جاءت سلطة الإرجاء واسعةً، لأن لمجلس الأمن السلطة التقديرية بطلب تأجيل الدعوى في أي مرحلة من سير إجراءات المحاكمة اثني عشر يوماً، كما يمكن تجديده إلى ما لا نهاية، على أساس أن المادة 16 تركت ذلك مفتوحاً. وبالتالي، يؤدي هذا الدور السلبي لمجلس الأمن إلى تعطيل العدالة الجنائية، لصالح اعتبارات سياسية، تخدم مصالح الدول الكبرى التي لها حق الفيتو، ونظراً لما لسلطة الإرجاء الممنوحة لمجلس الأمن من آثار، تصل إلى حد تكبيل يد المحكمة الجنائية الدولية عن الاستمرار، بالنظر في الدعوى الجنائية، فقد وجهت لهذه الصلاحية انتقادات حادة في المؤتمر الدبلوماسي لتأسيس المحكمة الجنائية الدولية، وركّز النقد على صلاحية الإرجاء أكثر من صلاحية الإحالة، إلا أنه تم تمرير ذلك، بمسوّغ أنه على الرغم من خطورة هذه الصلاحية، إلا أنه يلزم لممارستها صدور قرار إيجابي من المجلس، وهو ما يتطلب موافقة تسعة من أعضائه، وعدم استخدام أية دولة "الفيتو"، بعكس التصويت السلبي الذي يكفي فيه استخدامه لوقف صدور القرار، وهو ما يجعلها، في نظرهم، بعيدة عن تعسف الدول الدائمة العضوية، إلا أن الواقع يجعل من هذه الصلاحية تقيّد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وتجعلها تابعة ليس للمنظمة الأممية، أو لمجلس الأمن، بل للأعضاء الدائمين فيه.
وعليه، لا بد من العمل على تحجيم دور مجلس الأمن في علاقاته مع المحكمة الجنائية الدولية، لاسيما ما يتعلق بدوره السلبي المتمثل في الإرجاء الذي يفقد مبدأ تكامل مصداقيته، ما يحول دون مساءلة المجرمين وتسليط العقاب عليهم. وبالتالي، يمكن اقتراح تعديل المادة 16 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إما بتخفيض مدة الإرجاء إلى 06 أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة، أو إبقاء على مدة 12 شهراً من دون تجديدها، حتى يتمكّن مجلس الأمن من إنجاز أعماله اللازمة لمقتضيات حفظ السلم والأمن الدوليين خلال هذه المدة، ما يؤدي إلى إبعاده عن التسويف والمماطلة الهادفة إلى إجهاض إجراءات المحكمة والتقليل من آثار هذه السلطة الممنوحة لمجلس الأمن.
في مواجهة روسيا
اختصاص المحكمة الجنائية الدولية مستقبلي، لأنه لا يشمل الجرائم التي ارتكبت قبل نفاذ نظامها الأساسي، ويسري فقط بالنسبة للجرائم التي ارتكبت بعد 1 يوليو/ تموز 2002، كما أن الدول التي تصبح طرفاً في النظام الأساسي بعد نفاذه لا تمارس المحكمة الجنائية الدولية ولايتها القضائية إلا بالنسبة للجرائم التي ترتكب بعد نفاذ النظام، بالنسبة لهذه الدول، وهذا ما أكدته المادة 11 من نظام المحكمة الجنائية الدولية، ويرجع السبب في تبنّي المحكمة الجنائية هذه القاعدة إلى تشجيع الدول على الانضمام إلى النظام الأساسي، من دون تخوّفٍ من العودة إلى الماضي، وإثارة البحث عن الجرائم التي تكون قد ارتكبت قبل انضمامها للمحكمة. وتجب الإشارة هنا إلى أن سريان نظام المحكمة الجنائية الدولية في مواجهة الدول التي تصبح طرفاً بعد نفاذه لا يسري في مواجهتها، إلا من اليوم الأول من الشهر الذي يعقب اليوم الستين من تاريخ إيداع تلك الدولة صك التصديق. وعليه، فإن توقيع روسيا على نظام المحكمة الجنائية الدولية بتاريخ 13 سبتمبر/ أيلول 2000 لا يجعلها طرفاً فيه، وإنما يحتاج انضمامها إليه إلى إجراء المصادقة عليه، حتى تكون ملزمةً بالأحكام التي تصدرها المحكمة الجنائية الدولية. وبالتالي يمكن اعتبار سحب توقيعها في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 الذي جاء عقب انسحاب كل من جنوب إفريقيا وبوروندي وغامبيا في أكتوبر/ تشرين الأول بمثابة خطوة نحو تقليل من أهمية المحكمة الجنائية الدولية، وإضعاف فعاليتها في وضع حد للإفلات من العقاب.
تسييس المحكمة
جاء قرار سحب روسيا توقيعها من نظام المحكمة الجنائية الدولية عقب يوم من إعلان المدعية العامة للمحكمة أن الأحداث التي أدت إلى ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا تعتبر نزاعاً مسلحاً شنته روسيا ضد أوكرانيا، وأن محققين تابعين للمحكمة الجنائية الدولية يعملون بجد من أجل تحديد ما إذا كانت روسيا تتحكّم بالتشكيلات المسلحة جنوب شرقي أوكرانيا، واعتبرت روسيا أن المحكمة الجنائية الدولية فشلت في تحقيق تطلعات المجتمع الدولي، لأنها تفتقر إلىالاستقلالية، وقد مر على إنشائها 14 سنة، ولم تصدر سوى أربعة أحكام، وأنفقت، على الرغم من ذلك، أكثر من مليار دولار. وبالتالي، لا جدوى من اعتبارها مرجعيةً في العدالة الدولية، ولكن السبب الحقيقي لخروج روسيا تمثل في تخوفها من مساءلة قادتها العسكريين وجنودها الذين ارتكبوا جرائم دولية، تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، سواء في سورية أو في حرب روسيا مع جورجيا في شهر أغسطس/ آب 2008، أو ما تعلق من انتهاكات روسيا لحقوق الإنسان عند استيلائها على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في 16 مارس/ آذار 2014، خصوصا ما تعلق بالتمييز العنصري بين بعض سكان القرم كالتتار، إضافة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية باتت لا تخدم مصالح روسيا، ولاسيما أن دور المحكمة الجنائية الدولية يسير في اتجاهٍ رسمته لها الولايات المتحدة الأميركية، من أجل أن يخدم مصالحها ومصالح الدول الموجودة تحت مظلة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وفي هذا الصدد، لا يمكن إنكار ما ادّعته روسيا بشأن عدم استقلالية المحكمة الجنائية الدولية في تحقيق هدفها المنشود، المتمثل في تعزيز مبدأ عدم الإفلات من عقاب، بسبب استخدام سلطة مجلس الأمن في إحالة القضايا أمام المحكمة الجنائية من الدول الخمس الدائمة العضوية التي لها حق النقض (الفيتو)، وتتعامل مع معظم النزاعات على أساس سياسي، حيث يتم تكييفها المسائل، بما فيها الموضوعية، وفقا للاعتبارات والمصالح التي تخدمها. ولا بد أن تكون سلطة مجلس الأمن في الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي، عند صدور قرار من مجلس الأمن لإحالة الجريمة المرتكبة في دولة غير طرف في نظام المحكمة الجنائية الدولية، لا بد من موافقة الأعضاء الخمسة الدائمين، لأن لهم حق الفيتو. ولكن، إذا تعلق الأمر بإحالة جريمةٍ ارتكبها أحد رعايا الدول التي تملك حق الفيتو يتم استعماله، ما يقف حائلا أمام مساءلة المحكمة الجنائية الدولية هؤلاء المجرمين. وقد استخدمت روسيا، في حد ذاتها، باعتبارها طرفاً دائماً في مجلس الأمن، حق النقض عدة مرات، فيما يخص قرار إحالة القضية السورية إلى المحكمة الجنائية الدولية، معتبرة أن مثل هذا القرار يمكن أن يشكل حيلة دعائية، ويعرقل جهود الدول في محاولة حل الأزمة في سورية ودياً، ولكن حقيقة المعارضة هو دعم روسيا النظام السوري.
وما يبين أيضا ارتباط المحكمة الجنائية الدولية بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الدور السلبي الممنوح إلى المجلس، والمتمثل في الطلب من المحكمة الجنائية الدولية الدائمة إرجاء اختصاصها اثني عشر شهراً، مع إمكانية تجديدها من دون حدٍّ أقصى، وفقاً لما أشارت إليه المادة 16 من نظام روما الأساسي التي أكّدت أنه لا يجوز البدء في التحقيق أو المقاضاة اثني عشر شهراً، بناء على طلب مجلس الأمن إلى المحكمة، بموجب قرارٍ يتخذه استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ويحق له تجديد هذا الطلب بالشروط نفسها.
ويُذكر أن خطورة صلاحية الإرجاء الممنوحة لمجلس الأمن، فضلا عن أنها تغلب الطابع السياسي على الطابع القضائي، هي أوسع من صلاحية الإحالة، وتمس مباشرة باختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وتتجلى هذه الخطورة أكثر، عندما نعرف أنها ليست مرتبطةً بمجلس الأمن كجهاز قانوني، بقدر ما هي مرتبطة بمصالح الأعضاء الدائمين فيه، حتى ولو كان ذلك ضد الشرعية الدولية، حتى إن حق الفيتو، في حالة ما إذا استعمل ضد قرار الإرجاء، يكون
وقد جاءت سلطة الإرجاء واسعةً، لأن لمجلس الأمن السلطة التقديرية بطلب تأجيل الدعوى في أي مرحلة من سير إجراءات المحاكمة اثني عشر يوماً، كما يمكن تجديده إلى ما لا نهاية، على أساس أن المادة 16 تركت ذلك مفتوحاً. وبالتالي، يؤدي هذا الدور السلبي لمجلس الأمن إلى تعطيل العدالة الجنائية، لصالح اعتبارات سياسية، تخدم مصالح الدول الكبرى التي لها حق الفيتو، ونظراً لما لسلطة الإرجاء الممنوحة لمجلس الأمن من آثار، تصل إلى حد تكبيل يد المحكمة الجنائية الدولية عن الاستمرار، بالنظر في الدعوى الجنائية، فقد وجهت لهذه الصلاحية انتقادات حادة في المؤتمر الدبلوماسي لتأسيس المحكمة الجنائية الدولية، وركّز النقد على صلاحية الإرجاء أكثر من صلاحية الإحالة، إلا أنه تم تمرير ذلك، بمسوّغ أنه على الرغم من خطورة هذه الصلاحية، إلا أنه يلزم لممارستها صدور قرار إيجابي من المجلس، وهو ما يتطلب موافقة تسعة من أعضائه، وعدم استخدام أية دولة "الفيتو"، بعكس التصويت السلبي الذي يكفي فيه استخدامه لوقف صدور القرار، وهو ما يجعلها، في نظرهم، بعيدة عن تعسف الدول الدائمة العضوية، إلا أن الواقع يجعل من هذه الصلاحية تقيّد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وتجعلها تابعة ليس للمنظمة الأممية، أو لمجلس الأمن، بل للأعضاء الدائمين فيه.
وعليه، لا بد من العمل على تحجيم دور مجلس الأمن في علاقاته مع المحكمة الجنائية الدولية، لاسيما ما يتعلق بدوره السلبي المتمثل في الإرجاء الذي يفقد مبدأ تكامل مصداقيته، ما يحول دون مساءلة المجرمين وتسليط العقاب عليهم. وبالتالي، يمكن اقتراح تعديل المادة 16 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إما بتخفيض مدة الإرجاء إلى 06 أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة، أو إبقاء على مدة 12 شهراً من دون تجديدها، حتى يتمكّن مجلس الأمن من إنجاز أعماله اللازمة لمقتضيات حفظ السلم والأمن الدوليين خلال هذه المدة، ما يؤدي إلى إبعاده عن التسويف والمماطلة الهادفة إلى إجهاض إجراءات المحكمة والتقليل من آثار هذه السلطة الممنوحة لمجلس الأمن.
سامية صديقي
باحثة جزائرية في القانون الدولي، أستاذ مساعد في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة سطيف.
سامية صديقي
مقالات أخرى
22 سبتمبر 2016
23 اغسطس 2016