تزامناً مع قتل الطلبة المسلمين الثلاثة في الولايات المتحدة الأميركية، والتي تم التعاطي معها بتغطية ضعيفة من الإعلام الأميركي، ظهر تقرير جديد لمرصد مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا يكشف عن تنامي الاعتداءات التي تطال المسلمين على الأراضي الفرنسية. يأتي هذا في الوقت الذي تعجّ فيه الصحف والمجلات الفرنسية بمقالات وتحذيرات من تصاعد وتيرة مغادرة اليهود لفرنسا، يصل صداها إلى رئاسة الجمهورية، فيُعبّر الرئيس فرانسوا هولاند في خطابات عاطفية عن تعلّقه باليهود الفرنسيين في بلدهم فرنسا، بينما يقول رئيس الوزراء مانويل فالس "إن فرنسا بلا يهود، لن تكون فرنسا"، ويضيف "إن مكانكم هنا".
وعلى الرغم من أن غالبية اليهود الفرنسيين الذين يغادرون أو يعبّرون عن نيتهم المغادرة يستحضرون الأزمة الاقتصادية والنظام الضريبي في فرنسا، ويقارنونه بكل الامتيازات التي يمكن تحصيلها في إسرائيل وفي دول أوروبية أخرى، ولأنه يتم التركيز على الأجواء السياسية غير الملائمة والتوترات التي تشهدها فرنسا، فقد أعلنت الحكومة الفرنسية في نهاية شهر يناير/كانون الثاني عن خطة لمكافحة معاداة السامية، تهدف إلى إقناع اليهود بالبقاء في فرنسا.
وبينما تتشدد الحكومة في مكافحة معاداة السامية، ظهر تقرير جديد مقلق لمرصد مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا، يُظهر تصاعداً كبيراً في الأعمال العدائية ضد المسلمين، خصوصاً بعد الاعتداء على مجلة "شارلي إيبدو". ففي هذه الفترة تحديداً، ارتفعت هذه الأعمال بنسبة 70 في المائة، مقارنة مع سنة 2014.
وإذا كانت الإسلاموفوبيا تتصاعد منذ نحو عشر سنوات، فإن اعتداءات يناير/كانون الثاني، "خلقت شكلاً من الهستيريا المُساعدة على تصاعد هذه الأعمال"، كما تقول المتحدثة باسم مرصد مكافحة الإسلاموفوبيا إلزا رَاي.
وشهدت فرنسا عام 2014 ما يقارب الـ 764 عملاً عدائياً ضد المسلمين، مقابل 691 عام 2013. وتراوح هذه الأعمال والاعتداءات ما بين التمييز (586 حالة) وما يقارب المائة من الخطابات والكلام العدائي، إضافة إلى حالات إتلاف وتخريب وتدنيس (25 حالة) واعتداء لفظي (28) واعتداء جسدي (22). وكانت للنساء حصة الأسد في هذه الاعتداءات (80 في المائة). ومن اللافت أن معظم هذه الأعمال والاعتداءات لا تنتهي عند الشرطة أو عند القضاء.
ويسود حذرٌ متزايد من مسلمي فرنسا تجاه وسائل الإعلام وتجاه رجال الشرطة أيضاً، في الوقت الذي تحظى فيه الشرطة هذه الأيام، بأعلى درجات الشعبية في تاريخ فرنسا، وصلت إلى نسبة 84 في المائة، (وكان لافتاً أن 68 في المائة من اليسار المتطرف يؤيدون الشرطة). ويشجع 48 في المائة من الفرنسيين أبناءهم على الانضمام إلى جهاز الشرطة، وقد طالت هذه الشعبية الجديدة وزير الداخلية برنار كازينوف الذي أعلن 69 في المائة من الفرنسيين أنه "وزير جيد للداخلية"، بعد أن كان يُنظَر إليه باعتباره "رخواً" قبل اعتداءات "شارلي إيبدو".
ولكن في مقابل ذلك، فلا اعتراف كامل بوجود الإسلاموفوبيا في المجتمع الفرنسي، كما تقول المسؤولة القضائية في مرصد مكافحة الإسلاموفوبيا ليلى شارب.
ولأن للكلمات دلالاتها، فقد استُقبل تلفّظ هولاند، أخيراً ولأول مرة، بكلمة "إسلاموفوبيا" (التي يبدو أن هناك اتفاقاً ضمنياً بين المسؤولين وحتى بين الكثير من الجمعيات التي تتبنى مكافحة العنصرية على عدم التلفظ بها)، بكثير من الاطمئنان والأمل في المستقبل. وهو ما يعني أن كثيراً من المحاذير قد سقطت. وتبقى الأفعال المحدّد الحقيقي لمدى تغير الذهنيات، لدى الساسة في فرنسا، في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة.
وكشف مرصد مكافحة الإسلاموفوبيا أنه إضافة إلى النساء اللواتي يدفعن الضريبة الكبرى في هذه المحنة، فإنه لم يتمّ استثناء الأطفال الصغار أيضاً. وتعطي الجمعية أمثلة ثلاثة أطفال مسلمين تم استدعاؤهم من قِبل الشرطة بعد الاعتداءات على "شارلي إيبدو"، وخاصة الطفل أحمد الذي يبلغ ثمانية أعوام وتم التحقيق معه لأنه رفض المشاركة في دقيقة حداد على ضحايا الهجوم على المجلة.
وقام المرصد ببث شريط يتضمن حقيقة ما جرى لهذا وحجم المعاناة التي عاناها، ما كذّب رواية إدارة المدرسة التي هبّت وزيرة التربية الوطنية نجاة فالو بلقاسم، إلى نصرتها، والتي تزعم أن الشرطة استجوبت الأب بسبب عدوانيته، وليس الطفل.
ما يأمله المرصد، وهو يقدّم هذه التقارير إلى الرأي العام الفرنسي والسلطات المعنية، هو قيام السلطات الفرنسية بالتشدّد في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة، على غرار ما تفعله من خلال حربها على العنصرية ومعاداة السامية.