تعقيدات معركة عين العرب: "داعش" على تخوم المدينة

03 أكتوبر 2014
الدبابات التركية على الحدود السورية (Getty)
+ الخط -
مع وصول مقاتلي "الدولة الإسلامية" (داعش)، إلى مداخل مدينة عين العرب إثر سيطرتهم على مجمل القرى التابعة للمدينة والتي يزيد عددها عن 360 قرية، تبدو المواقف الإقليمية والدولية في حالة ترقّب لتطورات المعركة التي يصفها الأكراد بالوجودية، من دون أن يبادر أي من الأطرف للتدخل الفاعل للتأثير على مجريات الأمور.

وقد شنّ التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، يومي الثلاثاء والأربعاء، غارات عدة نهارية، على غير عادته، إذ كل غاراته السابقة كانت تحصل ليلاً، واستهدف أرتال وأهداف تنظيم "الدولة الإسلامية" في محيط عين العرب، ما أوقع بعض الخسائر في صفوف "داعش" وأعاق تقدمه، وفق ناشطين أكراد، بعدما كان من المتوقع أن ينجح التنظيم في دخول المدينة اليوم، الجمعة، لولا هذه الضربات التي أبطأت هجومه وشكلت دعماً مهمّاً للمقاتلين الأكراد.

وباستثناء هذه الضربات، التي يقول الأكراد إنها تأخرت ولم تكن بالكثافة المطلوبة للتأثير على مجرى المعركة، فإن الأطراف الأخرى، بما فيها قيادة إقليم كردستان، اتخذت موقفاً سلبياً أو ضعيفاً إزاء هجوم التنظيم على المدينة، وظلت غرفة عمليات "بركان الفرات"، التي تشكلت بين الأكراد و"الجيش الحر"، غير فاعلة إلى حدٍ بعيد.

ولعلّ المساعدة العملية الأبرز التي تلقتها القوات الكردية المدافعة عن المدينة، وعمادها "وحدات الحماية الشعبية"، تمثّلت في قدوم مئات المتطوعين من أكراد تركيا (نحو 1500 متطوع) للقتال في المدينة، بينما ينشغل إقليم كردستان في قتال تنظيم "داعش" على جبهات أخرى في العراق.

وقد تحظى وحدات الحماية الشعبية، وهي القوة الرئيسية للأكراد في سورية، والمرشحة القوية للمشاركة في التحالف الدولي إلى جانب بعض فصائل الجيش الحر، بفرصة لتلقي التدريب والتسليح من الطرف الأميركي في المرحلة المقبلة.

ويبدو أن واشنطن تنظر إلى أكراد سورية على أنهم حلفاء "الضرورة" ضد عدو مشترك، نظراً لارتباط وحدات الحماية الشعبية بحزب "العمال الكردستاني" الذي أدرجته الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الارهابية، بسبب نزاعه المستمر منذ 30 عاماً مع تركيا، العضو في "حلف الأطلسي".

من جهتها، تنظر الحكومة التركية بتوجّس شديد إلى وحدات الحماية الشعبية خوفاً من طموحات الأكراد القومية، وربما مشاريعهم الانفصالية، بينما يتّهِم أكراد سورية الحكومة التركية بتسهيل دخول مسلحي "داعش" إلى الأراضي السورية عبر أراضيها. ويتحدثون عن صفقة جرت بين الحكومة التركية و"داعش" أفرج بموجبها التنظيم عن الدبلوماسيين الأتراك الذين كانوا محتجزين لديه، مقابل تسهيل حركة مقاتليه على الحدود التركية، وهو ما تنفيه أنقرة بشدة، وتؤكد أن الافراج عن دبلوماسييها حصل من دون شروط.

في المقابل، توجّه أطراف عدة اتهامات لوحدات الحماية الشعبية بالتواطؤ مع قوات النظام السوري في محاربة خصومها، ولا سيما في حي غويران في الحسكة الذي سقط بأيدي قوات النظام بعد حصار طويل.

وفي سياق الدخول التركي المتزايد على خط هذه التطورات، أرسلت تركيا عشرات الدبابات إلى الحدود السورية في مواجهة مدينة عين العرب لمنع دخول العناصر المسلحة إلى الأراضي التركية ولمراقبة التطورات على الطرف السوري من الحدود، تحسّباً لأي أحداث قد تدفع تركيا إلى التدخل العسكري لحماية أمنها القومي ومصالحها في المنطقة، ولا سيما مع حديث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، المتكرر عن إنشاء منطقة حدودية عازلة داخل الأراضي السورية لاستيعاب اللاجئين الأكراد الذين زاد عددهم، حتى الآن، عن 130 ألفاً، وباقي اللاجئين السورين الذين تخطوا بدورهم 1.3 مليون لاجئ.

وقد يكون الهدف أيضاً من هذه المنطقة العازلة أو المنطقة الآمنة، كما سمّاها الأتراك، في وقت لاحق، حماية الحدود الجنوبية لتركيا بعدما باتت الرايات السوداء، الخاصة بتنظيم "داعش"، تُرى بالعين المجردة من داخل الأراضي التركية، فضلاً عن أن هذه المنطقة قد تنتقل إليها مقرات الحكومة السورية المؤقتة التي لا يزال عملها يفتقر إلى الفاعلية كونها لا تعمل من داخل الأراضي السورية.

الاتهامات الكردية لتركيا جاهزة ومتنامية دائماً، مردّها إلى عدم الثقة بين الطرفين جراء عقود من التصادم، وآخر هذه الاتهامات أن تركيا تتراخى وربما تشجّع "داعش" على احتلال مدينة عين العرب، كي تتخذ من ذلك ذريعة للتدخل العسكري في المنطقة وفرض المنطقة العازلة التي تلهج بالحديث عنها.

والواقع أن تركيا، التي صوّت برلمانها، أمس، لصالح دخول أنقرة في التحالف الدولي المناهض لتنظيم "داعش"، لديها أجندة مختلفة بعض الشيء عن أجندة التحالف، الذي يركّز على محاربة التنظيم ويهمل جوهر المشكلة في سورية، وهو نظام بشار الأسد، الذي يعدّ، في نظر تركيا ونظر مجمل قوى المعارضة، المنتِج والمسبّب لكل ظواهر الإرهاب في سورية والمنطقة، وأن أي محاولة للتصدي للإرهاب يجب أن تنطلق من هذه المقاربة، أي أن تتم محاربة نظام الأسد إلى جانب تنظيم "داعش" في الوقت نفسه، أو على الاقل أن تكون الإطاحة بالأسد هي الهدف التالي للتحالف بعد إضعاف داعش، وهي معادلة تجهد تركيا لإدخالها في صلب أهداف التحالف بمساندة من دول إقليمية أخرى.

المساهمون