تعليقاً على أحكام القضاء

14 يناير 2015
إذا كنت معارضاً فعليك أن تعلم أن الظلم قانون(أ.ف.ب)
+ الخط -
إذا دخلت إلى قاعة محكمة من أحد المحاكم المصرية، فستجد عبارتين، أولهما لأحد الحكماء، وهي "العدل أساس الملك"، والأخرى آية قرآنية، وهي "وإن حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"، أما إذا وقفت بين يدي هؤلاء، فستعلم أن هذه النصوص ما هي إلا شعارات، وإذا كتب عليك في يوم من الأيام أن تقف في ساحة محكمة، تنتظر حقاً تأمل أن تأخذه، فعليك أن تسأل نفسك سؤال، لتعرف ما هو مصيرك، والسؤال هو ما هو موقفك من السلطة؟ هل أنت مؤيد أم معارض لها، وما رأيك في رأس السلطة، وما رأيك في الحكام الحقيقيين من جنرلات ورجال أعمال، إذا كنت مؤيداً، فاعلم أنك فى أمان، وإذا كنت معارضاً، فعليك أن تعلم أن الظلم قانون، والقهر عنوان، هذا هو مصيرك في أي محاكمة، وليس القانون وسيادته، فالسلطة هي السلطة، شاء مَن شاء وأبى مَن أبى.

وبالطبع لدينا أجهزة دولة دمرها الفساد والبيروقراطية، وطبعاً رجال الأمن المتحكمين في تلك المؤسسات منذ ثورة 52، وبداية نشأة جمهورية الضباط، ومن هذه الأجهزة، بكل تأكيد، القضاء، حيث ظل مطلب استقلال القضاء مرفوعاً دائماً من قبل الثورة، ولعلّي أتذكر هتافاً قديماً هتفناه وهو "يا قضاة يا قضاة، خلّصونا من الطغاة"، والآن أرى أننا كنّا في قمة السذاجة، فهولاء حماة الطغاة، وطالبت الثورة بتطهير القضاء، ولكن دولة مبارك، أو دولة العسكر بالمفهوم الأشمل، كانت أقوى، واستمرت المهزلة، وأصبح كل يوم يشهد ضحايا جدداً.


وما زال هناك من يحدثنا عن القانون، وإن كنت أرى أن هذه نكتة مضحكة جداً، فإذا أردت أن تعرف شيئاً عن القضاء، عليك أن تستمع إلى ما قاله ممدوح شاهين في التسريبات المتعلقة بسيارة أبو زعبل، وهو يتحدث عن تعامله مع القاضي الذي سيحكم على شخص تسبب في وفاة أكثر من 30 شخصاً وهو يضحك ويتعهّد بتسوية الأمر مع القاضي.

هذا حال القضاء في مصر. بعد ساعات من القبض عليّ في تظاهرة الاتحادية، وأثناء ترحيلي من قسم مصر الجديدة، رأيت الضابط صاحب الصورة الشهيرة في المحاكمة، وهو نفسه المتهم في القضية، وعند سؤالي لأحد الأمناء، قال لي إنه مسؤول عن ترحيلنا، وشعرت بصدمة شديدة، وكادت صورة الشهيد محمد الديب لا تغيب عني، وكل ثوان أتذكر محمد، وأنظر إلى الضابط، وأقول في داخلي "طب إزاي؟!"، ثم ركبت مع أربعة من رفاقي حتى نصل إلى النيابة، ولا أصدق أن هذا الشخص الواقف أمامي قتل كل أولئك.

في شهر أغسطس/ آب الماضي، تم ترحيلي إلى سجن ليمان طرة لأداء الامتحانات، وفي صباح أحد الأيام، أثناء التريّض، اكتشفت أن سجائري قد نفدت، فخرجت إلى الكانتين لشراء سجائر، فقابلت شخصاً يؤدي الامتحانات أيضاً، لكنه طالب دراسات عليا، اسمه وليد، ويعمل محام، وبدأنا "ندردش" عن الدنيا، وكل واحد جاي بإيه، وحكالي أنه محكوم 15 سنة، فارتبكت جداً أمام مثقف وطالب دراسات عليا محكوم 15 سنة، ماذا هنالك أصعب من أن يكون مثلاً محكوم في جريمة قتل، أو شروع في قتل، أو سرقة، فتمهّلت حتى سمعت التهمة التي تسببت له بالحكم، وكانت التهمة ذهابه إلى مؤتمر في لبنان لدعم القضية الفلسطينية، وعند وصوله أم الدنيا، اتهم بالتخابر. وسألته كيف ومن الذي حكم عليه حكماً مثل هذا، فأجاب عادل عبد السلام جمعة، فتبسمت، وقال لي "طبعاً، إنت دلوقتي فهمت أنا خدت الحكم ده كله إزاي"، فقلت له طبعاً.

قبل أسبوعين، حكم على الزميل أحمد دومة بثلاث سنوات سجن بتهمة إهانة القضاء، بسبب سؤاله للقاضي بأن لديه حساباً على "فيسبوك"، وبعدها بأيام، أثناء نظر إحدى جلسات غرفة عمليات رابعة، حدثت مشادة بين أحد المتهمين، يوسف طلعت، وأحد الضباط، فذهب الضابط إلى عضو يمين الدائرة، وتحدث إليه، وبعد قليل قام القاضي بسؤال المتهم إذا كان قد شتم الضابط، فانكر المتهم، وتدخل المحامي، فقام القاضي نفسه بالحكم بسجن المتهم 3 سنوات وغرامة.

خلال السبعة أشهر التي قضيتها في السجن، قابلت أناساً كثيرين جداً، كل حلمهم لحظة عدل تغيّر حياتهم. بينما أكبر معبّر عن المرحلة التي نعيشها، أن حسني مبارك طلع براءة من كل جرائمه. ولكن ليست هذه النهاية، ومَن يتصور أن هذه هي النهاية، لكن الثورة لم تهزم إلى الآن، فمطالبها لم تتحق، وما زال هناك من يرفع رايتها، وستأتي موجات تعبّر عن الثورة وجمهورها، وهذا النظام يعلم ذلك جيداً، فليس لديه غير القمع والقتل.

ما يحدث الآن في ساحة القضاء، يذكّرني بمقولة للكاتب نجيب محفوظ، "لا تخدعك في المحاكم عبارة العدل أساس الملك، أعرف كثيراً من اللصوص يضعون على مكاتبهم هذا من فضل ربي".

*معتقل سياسي في السجون المصرية

المساهمون