بعد ثلاثة أيام، على إعلان التقرير الدولي، الأخطر منذ اندلاع الحرب في اليمن، والمتمثل في تقرير فريق الخبراء المعني بالتحقيق بانتهاكات حقوق الإنسان، جاءت تعقيبات التحالف السعودي والإماراتي لتعكس حالة من الرفض والإرباك. وفي الوقت ذاته، أعاد التقرير تسليط الأضواء، على أزمة الشرعية مع التحالف، نتيجة ممارسات أبوظبي والرياض في المناطق غير الخاضعة لسيطرة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، وتخضع شكلياً للشرعية وواقعياً للقوات الإماراتية ومثلها السعودية بدرجة ثانية، في مناطق أخرى.
وكما كان متوقعاً، حمل رد التحالف، في البيان الذي نقلته وكالة الأنباء السعودية (واس)، مساء الأربعاء، مضموناً رافضاً وموقفاً ضعيفاً في بعض الأجزاء، إذ حاول القفز على الجانب المتعلق بالغارات الجوية التي استهدفت المدنيين، واكتفى بالقول إنه يؤكد "استمرار التزامه باتخاذ جميع الخطوات لضمان تفادي وقوع الإصابات بين المدنيين". وركز الرد في ما دون ذلك، على الجوانب الأخرى في التقرير، كالتوصيفات لأطراف الصراع وما يتعلق بالقيود على الحركة من البلاد وإليها، قبل أن يعود مرة أخرى للقول بـ"عدم صحة الادعاءات التي تتناول استهداف قوات التحالف المدنيين والقيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية، وادعاءات الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب وسوء المعاملة وانتهاكات حرية التعبير والعنف الجنسي وتجنيد الأطفال".
وعلى الجانب اليمني، وفيما كان الموقف الرسمي من التقرير هو اعتباره غير محايد، وتقديم العديد من الملاحظات التي تهاجم مضمونه في أكثر من جزئية، أفادت مصادر حكومية، "العربي الجديد"، بأن التقرير خلق انقساماً في أوساط مسؤولي الحكومة، بين من رأى التزام سياسة التحالف برفض ما جاء في التقرير واعتباره منحازاً للحوثيين ومتحاملاً، وبين من رأى أن على الحكومة ألا تتحمل أخطاء أبوظبي والرياض والتشكيلات المسلحة التابعة للأولى في عدن، والتي حازت على الجزء الأكبر من التقرير حول الانتهاكات المروعة المتعلقة بالسجون في عدن والمكلا من قبل قوات لا تخضع للحكومة للشرعية. ووفقاً للمصادر، فقد ركزت الآراء الحكومية على مضامين رئيسية في التقرير، أولها ما يتعلق بوصف الحوثيين كـ"سلطات أمر واقع"، وهو الأمر الذي أجمعت آراء مسؤولي الشرعية على اعتباره مؤشراً خطيراً لا يجب السكوت عنه بوصفه اعترافاً بـ"الجماعة"، كـ"سلطة"، وليس كـ"مليشيا انقلابية مسلحة"، كما تقول الحكومة الشرعية. أما التحفظ الآخر على التقرير، فقد انصبّ على مسألة محدودية المعلومات المرصودة فيه بشأن الانتهاكات من قبل الحوثيين، سواء في مناطق المواجهات، أو في المدن الخاضعة لسيطرتهم، كما هو الحال في العاصمة صنعاء، على الرغم من إشارة التقرير إلى انتهاكات وممارسات للجماعة، أو "سلطات الأمر الواقع" كما سماها، قد ترقى إلى جرائم حرب.
وفي الجزء المتعلق بالانتهاكات المرصودة على التحالف بصورة مباشرة، كالضربات الجوية والقيود على الواردات وصولاً إلى الأعمال "الوحشية" و"الاعتداءات الجنسية" ضد السجناء من قبل الموالين للإمارات، ذهبت آراء في أوساط الشرعية إلى أنها غير معنية بالدفاع عنها، وأن عليها استغلالها لخدمة توجهها في هذا الشأن، من خلال التبرؤ من الأعمال والممارسات التي قامت بها القوات الموالية للإمارات (أبرزها "الحزام الأمني" و"النخبة الحضرمية")، بما من شأنه، أن يدفع التحالف لمراجعة أخطائه، كما حصل عقب أزمة سقطرى في مايو/أيار الماضي. وعلى الرغم من أن الرأي الحكومي اليمني، الذي يرى في التقرير على علاته، فرصة لمراجعة الحساب مع التحالف، لكنه يتحفظ عن التصريح بذلك علناً في الغالب، فإن بعض المسؤولين لم يتحرجوا بإعلانه، كما هو حال محافظ المحويت، صالح سميع، الذي كتب، في تغريدة، أن "تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة هو في مصلحة الدولة ونظام شرعيتها في حال أحسنت بسرعة الرد على نقطتين مهمتين في التقرير، أولاهما التبرؤ من أية جرائم صدرت عن أي مليشيات لا تخضع لسلطاتها في المناطق المحررة، وثانيتهما نقد مصطلح سلطة الأمر الواقع وبيان منافاته القانون".
والإرباك بدا أكبر بالنسبة للتحالف السعودي - الإماراتي، إذ يتضمن التقرير معلومات قد تعرض قادة سعوديين وإماراتيين للملاحقة أمام المحاكم الدولية بتهم جرائم حرب. وظهر الإرباك منذ الساعات الأولى لصدور التقرير، إذ قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في تصريح: "لا بد لنا من مراجعته والرد على حيثياته ومراجعة ما يقوله عن فظائع الحوثي وإجرامه واستهدافه للمدنيين". ومن المعلوم أن الإدانات الأكبر في التقرير موجهة للتحالف وللإمارات بصفة خاصة في الجنوب. واعتبر قرقاش، على سبيل التبرير، أن "الحروب تحمل في طياتها آلامها وأفغانستان والعراق وسورية شواهد، لكننا في خاتمة المطاف مسؤولون عن أمننا واستقرارنا وهنا أولويتنا". وخلافاً لتصريح الوزير الإماراتي الذي حاول التركيز على ما يتعلق بالحوثيين في التقرير، نشر السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، الذي يتولى مسؤولية ملفات أخرى مرتبطة بالحرب في اليمن، اقتباساً من التقرير يصف فيه الحملة ضد الحديدة بأنها "عدوان". وقال: "توصيف فريق الخبراء لاستعادة الحديدة من سيطرة المليشيات الحوثية المدعومة من إيران بأنه عدوان من الحكومة الشرعية والتحالف محل استغراب شديد، ويضع علامات استفهام حول حيادية الفريق وموضوعيته ومجمل محتوى التقرير".
وفي السياق، أعاد التقرير الأنظار إلى الأزمة بين الحكومة اليمنية والتحالف، إذ لطالما عانت الأولى من ممارسات الأخير في المناطق التي تُوصف بأنها "محررة" من الحوثيين، من خلال منعها من ممارسة صلاحياتها ودعم قوى وتشكيلات مسلحة موالية لأبوظبي في الغالب، على نحو جعل القسم الأكبر من مسؤولي الحكومة اليمنية الشرعية، يوجدون خارج البلاد، بمن فيهم الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي عاد إلى الرياض أخيراً، بعد إقامته لنحو شهرين في عدن، وكانت القوات الإماراتية تضع قيوداً على عودته في ما سبق. وفيما شهد يونيو/حزيران الماضي، نوعاً من التهدئة ومحاولات مراجعة العلاقة بين التحالف (الإمارات خصوصاً)، وبين الحكومة اليمنية، بالتزامن مع تدشين الحملة العسكرية في الحديدة، لا تزال الأزمة مستمرة بصورة أو بأخرى، إذ لم تفِ أبوظبي بوعودها في ما يتعلق بالعمل مع الحكومة اليمنية بإخضاع كافة الأجهزة الأمنية لسلطتها، بما فيها "الحزام الأمني"، وكذلك إغلاق "السجون السرية". وبينما تحول مجموع هذه التشكيلات والممارسات إلى مصدر إدانة للتحالف، يرى مسؤولون في الحكومة اليمنية، وإن لم يعبروا عن ذلك بصراحة، أن التقرير الدولي، من شأنه أن يدفع أبوظبي والرياض لمراجعة سياساتهما والسماح للحكومة اليمنية بممارسة مهامها ودعمها لتقدما نموذجاً يتناسب والدعاية التي يتبناها التحالف، بكونه داعماً لليمن وشرعيته.
الجدير بالذكر، أن التقرير، وعلى الرغم من إهماله الجزء السياسي المتعلق بوجود هذه الكيانات والتشكيلات العسكرية الخارجة عن سلطة الشرعية، إلا أنه تحدث عن انتهاكات فظيعة تعرض لها السجناء في عدن والمكلا على وجه التحديد، من قبل القوات الإماراتية والتشكيلات المدعومة منها، بما فيها الاعتداءات الجنسية على المحتجزين. وأفاد بأن عدداً من الضحايا والشهود وصفوا لـ"فريق الخبراء السلوك العدواني المستمر والمنتشر لقوات الحزام الأمني ضد السكان، والذي يشمل العنف الجنسي. وشملت هذه الانتهاكات الاغتصاب، والاعتقال أو الاختطاف، والاختفاء، والابتزاز". وخلص التقرير إلى وجود "أخطاء في عملية الاستهداف تؤدي إلى إلغاء الحماية التي ينص عليها القانون الدولي الإنساني، وقد ترقى هذه الأخطاء إلى انتهاكات، ويمكن تبعاً للظروف أن تشكل جرائم حرب من قبل أفراد على كل المستويات، سواء في الدول الأعضاء في التحالف أو في الحكومة، بمن في ذلك المسؤولون المدنيون".