تحل الذكرى الثلاثون لإلقاء الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وثيقة إعلان قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس، في العاصمة الجزائرية. وكان الإعلان في أحد معانيه أن المجلس الوطني الفلسطيني يريد تغيير مواقفه، وأن القيادات الفلسطينية أدركت أن مفتاح الحل بات في واشنطن، فكانت خطوة اتخاذ القرار بإعلان استقلال الدولة 1988 إيذانا ببدء المفاوضات، كان ذلك على المستوى الموضوعي، أما ذاتيا فقد خشيت منظمة التحرير الفلسطينية من نشوء قيادة بديلة، فلجأت إلى إعلان وثيقة الاستقلال للانطلاق بحل سياسي.
ملامح التحولات
حدثت النقلة النوعية في عام 1974، والتي شكلت التحول الأخطر في سيرة المسيرة السياسية لاحقا، فقد أقرّ المجلسُ الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشرة (القاهرة، 1- 8 /6 /1974) البرنامج السياسي المرحلي، المعروف ببرنامج النقاط العشر، وهو البرنامج الذي أسّس فعليّا لمسار "حل الدولتين" في الفكر السياسي الفلسطيني، الأمر الذي أدى إلى انقسام منظّمة التحرير الفلسطينيّة وإقامة "جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية".
تعزّز هذا الاتجاه في الدورة الثالثة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في القاهرة أيضًا (12-22 /3 /1977)، وتعزّز معه طرحُ البرنامج المرحلي، ولينطلق برنامج النقاط الخمس عشرة الذي هو في الجوهر صياغةٌ جديدةٌ أقرها المجلسُ أساسًا للتوجيه السياسيّ لتلك للمرحلة. وفي هذه الدورة أكّد المجلس "حقّ الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلّة فوق ترابه الوطني،" وبرز الحديثُ عن "الدولة في الضفّة والقطاع" وعن "حقّ اللاجئين في العودة إلى وطنهم بحسب القرار 194".
كانت قرارات 1974، ثم قرارات 1977، بدايةَ إقرار فلسطيني رسمي بنتائج حرب 1948، وموافقة رسميّة فلسطينيّة على الطرح الإسرائيلي الذي يتضمّن القول إن أيّة تسوية ستكون استجابةً للمشكلات التي طرحتْها حربُ 1967 وليس ما قبلها.
بموجب هذه التحولات والقرارات تحولت منظّمة التحرير الفلسطينيّة من كونها حركة تحرير لفلسطين كلّها وحركة لاجئين أصلًا، إلى حركة تسعى إلى استقلال المناطق المحتلّة عام 1967 فقط. وهو مع يعني التخلي ضمنا عن فلسطينيي 1948، وتركهم للمشروع الصهيونيّ ليكمل معهم ما بدأه، وبداية تحويل مشكلة اللاجئين من قضية جوهرية إلى "مشكلة مفاوضات".
لقد كان هدف منظّمة التحرير الفلسطينيّة، كما جاء في الدورة الثامنة للمجلس الوطنيّ المنعقدة في القاهرة (28 شباط - 6 آذار 1971)، هو "تحرير التراب الفلسطينيّ كاملًا بقوّة الكفاح المسلّح، وإنّ دولة المستقبل في فلسطين المحرَّرة هي الدولة الفلسطينيّة الديمقراطيّة". ببساطة لقد شكل إعلان الدولة في الجزائر تحولا استراتيجيا في نهج الثورة الفلسطينية، تحول من الشرعية التاريخية والثورية فقط إلى الاستعداد للتعامل مع قرارات الشرعية الدولية والتسوية السياسية، وهي القرارات التي كانت مرفوضة سابقاً.
ازدادت هذه التحولات عمقًا وتحولت من الفكر إلى الممارسة عبر اتفاق أوسلو في عام 1993، والتي لم تقتصر على القبول بحكم إداريّ ذاتيّ محدود، بل أدّت أيضًا إلى زيادة التخلّي عن فلسطينيّي 1948، عبر إعلان الاعتراف المجاني بإسرائيل. كما أنّ هذا التحوّل عمّق أزمة اللاجئين الفلسطينيين في علاقتهم بمنظّمة التحرير؛ إذ تحوّلتْ قضيّتُهم إلى مشكلة حول تفسير القرار 194، لاحقا أفضت هذه التحولات إلى حدوث شرخ مركزي في مكونات القضية الفلسطينية ما زالت مستمرة حتى اللحظة. بل سيُصبح المجلس الوطني الفلسطيني الذي تبنى إعلان استقلال الدولة الفلسطينية عصا يُلوح بها لتعميق الانقسام وبقائه، وهو انقسام سياسي أحد أسبابه الموقف من أوسلو وقد أنتج كيانين الأول في الضفة والآخر في غزة ما يعني أنه حتى مشروع الدولة التي يفترض أن تقوم على حدود عام 1967 أي 22 % من أرض فلسطين التاريخية لم يعد ممكناً لأسباب عديدة، من بينها الانقسام والتهويد والاستيطان.
شكّل قبول منظمة التحرير الفلسطينية بالاحتكام إلى قرارات الأمم المتحدة تحولاً استراتيجياً في مسيرة الثورة الفلسطينية وتجاوزاً واضحا للميثاق الوطني الذي سيعدل لاحقا وتحذف غالبية مواده؛ وللعديد من الثوابت الفلسطينية، أصبح خطاب منظمة التحرير الفلسطينية أن الشرعية الدولية توفر حقا ما يمكن استخدامه عندما تدعو الحاجة إليه، بعدما كانت قرارات هذه الشرعية مرفوضة جملة وتفصيلا. فجاء إعلان الاستقلال مستندا إلى الشرعية الدولية، وبالتحديد إلى القرار 181 ولكل ما يتطلبه المجتمع الدولي أساسا لانعقاد المؤتمر الدولي، وهما القراران 242 و338.
مرور مؤقت
عندما ذهبت منظمة التحرير الفلسطينية قبل 25 عاماً إلى اتفاق أوسلو ظنت أن هذا الذهاب قد يشكل معبرا أو ممرا مؤقتا للدولة الفلسطينية المستقلة لكنها علقت، لم تبقِ على إعلان الاستقلال ولم تنتقل إلى الدولة ولم تحافظ على كونها حركة تحرر وطني فلسطيني. كانوا يدركون ذلك فعرفات وصف الأمر بأنه قد يكون اتفاقا جيداً وقد يكون كارثيا. وحين أراد محمود عباس، مهندس الاتفاق، شرح تفاصليه أمام المجلس المركزي عام 1993 قال إن الاتفاق سيكون معبرنا إلى الدولة أو الكارثة. ثم عاد لاحقا وقال: إن كل بند في الاتفاق يحتاج إلى اتفاق، لكن يجب أن نكون أقوياء كي يكون الاتفاق لنا وليس علينا.
اتفاق أوسلو هو "اتفاق إعلان المبادئ - حول ترتيبات الحكومة الذاتية الفلسطينية"، وتم توقيعه في 13 سبتمبر /أيلول 1993 وكان يفترض أن يكون مؤقتا ينتهي بإقامة دولة فلسطينية بعد خمس سنوات من توقيعه، أي في عام 1998 (عشر سنوات عقب إعلان استقلال الدولة الفلسطينية في الجزائر) لكن الاتفاق جرّ خلفه اتفاقات كثيرة أسوأ وأكثر تعقيداً، ولم تقرّب أيٌّ منها الفلسطينيين إلى الدولة قيد أنملة.
ثلاثون عاماً على إعلان استقلال الدولة الفلسطينية، وربع قرن على اتفاق أوسلو، لم تقم الدولة ولم تحل مشكلة اللاجئين ولم تعد المنظمة الممثل الشرعي الوحيد، قدمنا كل شيء ولم نحصل على شيء، وقعنا على اتفاق لا يتضمن حتى اعتراف إسرائيل بنا كدولة، أصبحنا سلطة حكم ذاتي فلسطينية تحولت إلى كانتونات مقسمة ومستباحة، يملؤها المستوطنون الذين تضاعفوا مرات، ويغزوها التهويد، ويضبط إيقاع الحياة فيها الاجتياح في الضفة والتصعيد والحرب على غزة.
ملامح التحولات
حدثت النقلة النوعية في عام 1974، والتي شكلت التحول الأخطر في سيرة المسيرة السياسية لاحقا، فقد أقرّ المجلسُ الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشرة (القاهرة، 1- 8 /6 /1974) البرنامج السياسي المرحلي، المعروف ببرنامج النقاط العشر، وهو البرنامج الذي أسّس فعليّا لمسار "حل الدولتين" في الفكر السياسي الفلسطيني، الأمر الذي أدى إلى انقسام منظّمة التحرير الفلسطينيّة وإقامة "جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية".
تعزّز هذا الاتجاه في الدورة الثالثة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في القاهرة أيضًا (12-22 /3 /1977)، وتعزّز معه طرحُ البرنامج المرحلي، ولينطلق برنامج النقاط الخمس عشرة الذي هو في الجوهر صياغةٌ جديدةٌ أقرها المجلسُ أساسًا للتوجيه السياسيّ لتلك للمرحلة. وفي هذه الدورة أكّد المجلس "حقّ الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلّة فوق ترابه الوطني،" وبرز الحديثُ عن "الدولة في الضفّة والقطاع" وعن "حقّ اللاجئين في العودة إلى وطنهم بحسب القرار 194".
كانت قرارات 1974، ثم قرارات 1977، بدايةَ إقرار فلسطيني رسمي بنتائج حرب 1948، وموافقة رسميّة فلسطينيّة على الطرح الإسرائيلي الذي يتضمّن القول إن أيّة تسوية ستكون استجابةً للمشكلات التي طرحتْها حربُ 1967 وليس ما قبلها.
بموجب هذه التحولات والقرارات تحولت منظّمة التحرير الفلسطينيّة من كونها حركة تحرير لفلسطين كلّها وحركة لاجئين أصلًا، إلى حركة تسعى إلى استقلال المناطق المحتلّة عام 1967 فقط. وهو مع يعني التخلي ضمنا عن فلسطينيي 1948، وتركهم للمشروع الصهيونيّ ليكمل معهم ما بدأه، وبداية تحويل مشكلة اللاجئين من قضية جوهرية إلى "مشكلة مفاوضات".
لقد كان هدف منظّمة التحرير الفلسطينيّة، كما جاء في الدورة الثامنة للمجلس الوطنيّ المنعقدة في القاهرة (28 شباط - 6 آذار 1971)، هو "تحرير التراب الفلسطينيّ كاملًا بقوّة الكفاح المسلّح، وإنّ دولة المستقبل في فلسطين المحرَّرة هي الدولة الفلسطينيّة الديمقراطيّة". ببساطة لقد شكل إعلان الدولة في الجزائر تحولا استراتيجيا في نهج الثورة الفلسطينية، تحول من الشرعية التاريخية والثورية فقط إلى الاستعداد للتعامل مع قرارات الشرعية الدولية والتسوية السياسية، وهي القرارات التي كانت مرفوضة سابقاً.
ازدادت هذه التحولات عمقًا وتحولت من الفكر إلى الممارسة عبر اتفاق أوسلو في عام 1993، والتي لم تقتصر على القبول بحكم إداريّ ذاتيّ محدود، بل أدّت أيضًا إلى زيادة التخلّي عن فلسطينيّي 1948، عبر إعلان الاعتراف المجاني بإسرائيل. كما أنّ هذا التحوّل عمّق أزمة اللاجئين الفلسطينيين في علاقتهم بمنظّمة التحرير؛ إذ تحوّلتْ قضيّتُهم إلى مشكلة حول تفسير القرار 194، لاحقا أفضت هذه التحولات إلى حدوث شرخ مركزي في مكونات القضية الفلسطينية ما زالت مستمرة حتى اللحظة. بل سيُصبح المجلس الوطني الفلسطيني الذي تبنى إعلان استقلال الدولة الفلسطينية عصا يُلوح بها لتعميق الانقسام وبقائه، وهو انقسام سياسي أحد أسبابه الموقف من أوسلو وقد أنتج كيانين الأول في الضفة والآخر في غزة ما يعني أنه حتى مشروع الدولة التي يفترض أن تقوم على حدود عام 1967 أي 22 % من أرض فلسطين التاريخية لم يعد ممكناً لأسباب عديدة، من بينها الانقسام والتهويد والاستيطان.
شكّل قبول منظمة التحرير الفلسطينية بالاحتكام إلى قرارات الأمم المتحدة تحولاً استراتيجياً في مسيرة الثورة الفلسطينية وتجاوزاً واضحا للميثاق الوطني الذي سيعدل لاحقا وتحذف غالبية مواده؛ وللعديد من الثوابت الفلسطينية، أصبح خطاب منظمة التحرير الفلسطينية أن الشرعية الدولية توفر حقا ما يمكن استخدامه عندما تدعو الحاجة إليه، بعدما كانت قرارات هذه الشرعية مرفوضة جملة وتفصيلا. فجاء إعلان الاستقلال مستندا إلى الشرعية الدولية، وبالتحديد إلى القرار 181 ولكل ما يتطلبه المجتمع الدولي أساسا لانعقاد المؤتمر الدولي، وهما القراران 242 و338.
مرور مؤقت
عندما ذهبت منظمة التحرير الفلسطينية قبل 25 عاماً إلى اتفاق أوسلو ظنت أن هذا الذهاب قد يشكل معبرا أو ممرا مؤقتا للدولة الفلسطينية المستقلة لكنها علقت، لم تبقِ على إعلان الاستقلال ولم تنتقل إلى الدولة ولم تحافظ على كونها حركة تحرر وطني فلسطيني. كانوا يدركون ذلك فعرفات وصف الأمر بأنه قد يكون اتفاقا جيداً وقد يكون كارثيا. وحين أراد محمود عباس، مهندس الاتفاق، شرح تفاصليه أمام المجلس المركزي عام 1993 قال إن الاتفاق سيكون معبرنا إلى الدولة أو الكارثة. ثم عاد لاحقا وقال: إن كل بند في الاتفاق يحتاج إلى اتفاق، لكن يجب أن نكون أقوياء كي يكون الاتفاق لنا وليس علينا.
اتفاق أوسلو هو "اتفاق إعلان المبادئ - حول ترتيبات الحكومة الذاتية الفلسطينية"، وتم توقيعه في 13 سبتمبر /أيلول 1993 وكان يفترض أن يكون مؤقتا ينتهي بإقامة دولة فلسطينية بعد خمس سنوات من توقيعه، أي في عام 1998 (عشر سنوات عقب إعلان استقلال الدولة الفلسطينية في الجزائر) لكن الاتفاق جرّ خلفه اتفاقات كثيرة أسوأ وأكثر تعقيداً، ولم تقرّب أيٌّ منها الفلسطينيين إلى الدولة قيد أنملة.
ثلاثون عاماً على إعلان استقلال الدولة الفلسطينية، وربع قرن على اتفاق أوسلو، لم تقم الدولة ولم تحل مشكلة اللاجئين ولم تعد المنظمة الممثل الشرعي الوحيد، قدمنا كل شيء ولم نحصل على شيء، وقعنا على اتفاق لا يتضمن حتى اعتراف إسرائيل بنا كدولة، أصبحنا سلطة حكم ذاتي فلسطينية تحولت إلى كانتونات مقسمة ومستباحة، يملؤها المستوطنون الذين تضاعفوا مرات، ويغزوها التهويد، ويضبط إيقاع الحياة فيها الاجتياح في الضفة والتصعيد والحرب على غزة.